التعايش الحر هو فلسفة للحياة الحرة والديمقراطية ـ تحليل

للعنف جذور تاريخية وأسباب أيديولوجية، مع تطور الحرب العالمية الثالثة ووصول الاتجاهات اليمينية والمحافظة إلى السلطة، وتأثير الإسلام السياسي والدين والفاشية، تطور العنف ضد المرأة إلى أعلى مستوى في جميع أنحاء العالم خاصةً في الشرق الأوسط.

أفين صوران

تم تأسيس الحضارة الطبقية من خلال إضعاف النظام الاجتماعي الجماعي والأخلاقي ـ السياسي القائم على ثقافة المرأة ـ الأم، لقد نمت هذه الحقيقة كالخلية السرطانية وامتدت إلى كل مجالات السياسة والاقتصاد والدين وحتى العلاقات مع الطبيعة، إن التعايش المهيمن وهو الأكثر ارتباطاً بالمرأة، هو المجال الأول من حيث الحفاظ على نظام العبودية والهيمنة، ومما لا شك فيه أن ترسيخ وتحديد علاقات التعايش كـ "مجال خاص" هو وسيلة فعالة من قبل نظام الرجل ـ المهيمن لإخفاء حقيقة أن هذه العلاقة تؤثر وتوجه جميع مجالات المجتمع، إن النمو السكاني والتغيرات الديموغرافية والعنف والقمع والعبودية وتعميق وعي الهيمنة هو نتيجة للعلاقات القائمة على السلطة والهيمنة بين الذكور والإناث، لذلك ما لم تقم العلاقة بين الجنسين على أساس المساواة والاحترام والمعايير الأخلاقية والجمالية، سنظل نواجه المشاكل الاجتماعية.

خلال السنوات القليلة الماضية، ومع تطور الحرب العالمية الثالثة ومع وصول الاتجاهات اليمينية والمحافظة، وتأثير الإسلام السياسي والدين والفاشية، تطور العنف ضد المرأة إلى أعلى مستوى في جميع أنحاء العالم خاصةً في الشرق الأوسط، ومع تزايد عنف الدولة أصبح العنف ضد المرأة أمراً مشروعاً، ويرتكز التعايش المهيمن على نظام الأسرة المركزي ومؤسسة الزواج، وفي الواقع فإن علاقات الهيمنة في الأسرة تجدد كل علاقات الاستبداد والسيادة وتتواصل باستمرار ثقافة الذكورة هذه، فالمرأة تفكر وتتصرف في ظل هذه الثقافة وضمن نفس التعريفات والأدوار والسلوكيات التي تم تحديدها لها، وإذا لم تسير وفق الحدود التي رسمت لها فهي تعتبر مجرمة وجزائها القتل.

السلطة الأبوية في العلاقة بين الزوجين وسلطة الدول على الشعوب المضطهدة والطبقات والمعتقدات المختلفة هي واحدة، ومثلما يعتبر رئيس الدولة نفسه أب المجتمع، ففي الأسرة أيضاً فإن الأب يعتبر أنه له حق في السيطرة على النساء والأطفال وإذا كانت هناك مقاومة لهذا الموقف، فله الحق في القتل أو العقاب.

للعنف جذور تاريخية وأسباب أيديولوجية وثقافية وسياسية واجتماعية وناتجة عن الشعور بالتملك والغضب والتمييز والهيمنة على المرأة، ويحدث هذا العنف بطريقة منهجية بالاتحاد بين الدين والدولة والرأسمالية، إن الآليات التي تمنح الرجل هذا الحق تضفي الشرعية على العنف وتضع أسساً لاستمراره، إن الاعتداء، والزواج المبكر والقسري، وختان الإناث، والعديد من أشكال العنف الأخرى، كلها نتاجات للسيطرة على أجساد النساء والتي تستخدم أجسادهن كأداة يمارسون عليها العنف والسيطرة، فالدولة هي المرتكب الرئيسي للعنف ضد المرأة، ويتم تبرير وتشريع العنف من قبل المؤسسات القانونية، لأن الدولة نفسها تطبق هذا القانون وتعتبره حقها الطبيعي وتستخدمه بأي طريقة تريدها، وكما يُستخدم العنف كآلية سيطرة فإنه يُستخدم في النظام الأسري كوسيلة لحصار النساء والأطفال وترهيبهم والسيطرة عليهم، من قبل الأب والزوج ورب الأسرة.

 

مفهوم الشرف

ومن المفاهيم التي يقتل تحت اسمها مئات النساء والفتيات كل عام هو "الشرف" أصل كلمة الشرف (الناموس) هو Nomos، لكنها الآن أصبحت مرادفة للرجولة والشرف، لقد تم تعريف المرأة بأنها شرف الرجل مما فتح الطريق أمام ارتكاب العديد من الجرائم، لأنه بحسب أعراف وقيم الثقافة الأبوية فإن المرأة هي شرف وناموس الرجل وعليها أن تحافظ على هذا الشرف، ولذلك فإن هذا القتل باسم الشرف ليس مجرد موقف شخصي وبعبارة أخرى هو قانون هذا المجتمع، الشرف والناموس ليسا مفاهيم بسيطة وعادية، فقد يكونان علامة على معاداة المرأة وعلى النظام الذي يشكل ويجدد العلاقة الجنسية، كما أن العديد من البلدان التي تحدث فيها جرائم الشرف أكثر من غيرها، مثل تركيا والعراق وإيران وباكستان ومصر وأفغانستان والعديد من البلدان الأخرى، تعرف عمليات القتل هذه بأنها "مشاكل عائلية"، ولهذا السبب لا يتم التطرق إلى هذه المسألة، وهناك فجوة قانونية تسمح للعديد من الرجال بقتل زوجاتهم وأخواتهم وأمهاتهم وعشيقاتهم ولا ينالون العقاب، وهذه القضية هي أيضاً عامل مهم في زيادة جرائم الشرف التي ترتكب.

هناك العديد من العوامل المشاركة في قضايا جرائم الشرف، واحد منهم هو التمييز وعدم المساواة بمعنى أن المرأة لا تملك حقوقاً على حياتها وجسدها، ويكون الحق في جميع القرارات المتعلقة بها في أيدي الآباء والأزواج والأخوة، كما أن الشك والتحيز والزواج القسري والإكراه والرقابة القاسية والعنف عوامل فعالة في التسبب في جرائم الشرف، يقول القائد عبد الله أوجلان عن مفهوم الشرف "خلف ستار الشرف هناك اغتصاب لحقوق المرأة عبر الغدر والخيانة والخداع والعنف، إن استمرار استعباد المرأة من قبل الرجال، من خلال حرمانها من هويتها وشخصيتها، ظاهرة كان لها عبر التاريخ نتائج أكثر سلبية من تشكل الطبقات" وضد الجرائم التي ترتكب باسم الشرف، ينبغي القيام بنضال قوي على أساس تغييرات جوهرية في وجهات النظر والوعي والتعليم والمعرفة الواسعة والقوانين التي تحمي حقوق المرأة، ومن خلال الوحدة والمسؤولية الاجتماعية يمكننا أن نأمل في إيقاف دائرة العنف.

 

مؤسسة الأسرة والزواج

لقد تغير هيكل الأسرة وآليتها ووظيفتها منذ بداية تكوينها ومع مرور الزمن تحت تأثير تطور المجتمعات وتحولها، كان لهذا البناء أو الهيكل كشكل من أشكال الحياة الجماعية وظيفة متغيرة عبر التاريخ اعتماداً على نمط الإنتاج والاقتصاد وكذلك السياسة، لكننا في المجتمعات الأبوية غالباً ما نشهد تعزيز المواقف القائمة على الاضطهاد والقمع الجنسي والطبقي في الأسرة، لذلك لا يجب إغفال وتجاهل العلاقة القوية بين الروابط الأسرية والفاشية والعسكرية والديكتاتورية، لقد انتقد العديد من المحللين النسويين والحركات النسائية وشككوا في البنية الأسرية التقليدية والمستبدة من جوانب عديدة، ولكن للأسف فإن انتقاد الأسرة وروابطها فقط لا تكفي لحل مشاكل الأسرة، لأن أساس المشكلات الاجتماعية يقوم على الأنوثة والذكورة الراسخة، أي أن العنف والقمع قد نتج ونشأ نتيجة للذكورة المهيمنة والأنوثة الخاضعة والمضطهدة، لذلك ما لم تتغير هذه العلاقات، فلن تتغير المشاكل المتعلقة بالأسرة أيضاً، كما أن الأسرة هي بنية أيديولوجية وجميع العلاقات المهيمنة يتم إنتاجها في الأسرة المركزية، وبشكل عام فإن دور الأسرة في استمرار إخضاع واستعباد المرأة ودورها في الاقتصاد وتقسيم العمل هو أمر حاسم، إن مؤسسة الزواج مثل الأسرة في هيكل هرمي وموجه نحو النوع الاجتماعي، قد سلمت السيادة إلى الرجال الذين يخضعون للدولة والمؤسسة الدينية، وتقوم مؤسسة الزواج الأبوية على عزل المرأة عن المجتمع واستعبادها باختصار، الدين والقانون والعلم والنظام الاجتماعي يضفي الشرعية على العلاقات والروابط الأسرية و"التعايش الحر" يقوم على أساس حل المشاكل الاجتماعية ونجاح الثورة الاجتماعية على أساس العلاقة والروابط المتساوية بين الرجل والمرأة، وفي الواقع إنها خطوة نحو تغيير الروابط السائدة بين الرجل والمرأة.

إن التعايش الحر يشكك في النظام الهرمي وملكية الثقافة الأبوية ويحاول خلق التوازن، باختصار بحثاً عن سؤال "كيف نعيش؟"، لكن لا ينبغي أن نحصر نطاق التعايش الحر في العلاقات الأسرية والزوجية فقط، يحلل التعايش الحر محتوى العلاقة بين الرجل والمرأة، ولكنه يركز أيضاً على العلاقات بين الإنسان والمجتمع والعلاقات بين الإنسان والإنسان، وفي الواقع إذا كانت العلاقة بين الرجل والمرأة مبنية على الاحترام والاعتراف بالإرادة، فإن ذلك كله يؤثر على العلاقات الاجتماعية أيضاً، وهنا نلاحظ أهمية بناء الشخصية الصحيحة للرجال والنساء.

التعايش الحر هو فلسفة الحياة الديمقراطية والبيئية والجماعية، إن تحرير علاقة التعايش من الهيمنة يتطلب حلاً بنيوياً ونظامياً، ويهدف علم جنولوجي باعتباره علم التعايش إلى تفسير الظروف التاريخية والاجتماعية التي تشكلت فيها تلك العلاقات، وتطوير أسلوب لخلق العلاقات على أساس الحرية والمعايير الفلسفية والأخلاقية.

 

التعايش الحر

لا يمكن إنشاء بنية اجتماعية دائمة إلا من خلال تكوين علاقات جديدة، وبقدر ما تتطور معرفة الحرية بين أفراد الأسرة وتتطور العلاقات على أساس المساواة والاحترام، يمكن قيام مجتمع ديمقراطي، لذلك من المهم تغيير الأسرة لتغيير المجتمع، إن بناء أنماط الحياة الحرة وآفاق ومفاهيم التنمية المستقبلية ينبغي أن يرتكز على مجتمع أخلاقي وسياسي، دون تقليد والتأثر بالنماذج المادية للوعي والعلاقات الشخصية للحداثة الرأسمالية، لذلك عندما يتحدثون عن الثورة، فإنهم يتحدثون أيضاً عن تدمير وإنهاء كل أشكال القمع والاحتلال، لقد أظهرت ممارسات الثورات الكبرى المعاصرة أنها لم تتمكن من القضاء على فهم التملك الأبوي لنظام الأسرة والزواج وإحداث التغيير والتحول.

لقد حاولت تجارب حركة التحرر الكردستانية منذ بداية تأسيسها وحتى الآن، بناء ثورة ثقافة ووعي عدا الثورة السياسية والاجتماعية ونحن الآن نشهد هذا الواقع ومن المؤكد أن أحد العوامل الأساسية لبناء ثقافة التعايش الحر هو التعليم خاصة تعليم الفتيات، لأنهن بالتعليم ستكن قادرات على حماية أنفسهن ضد التمييز الجنسي الاجتماعي، وأيضاً رفض منظور تملك النساء، كما أن بناء أسس المساواة الاجتماعية مهم في تنفيذ التعايش الحر، نقطة أخرى هي النضال الجذري ضد هيمنة الذكور، الرجال والنساء نتيجة للنضال قادرون على تطوير ثورة الوعي وقيم الحرية لذلك يمكنهم أن يتمتعوا بالتعايش الحر، ولا يمكن تحقيق الثورة الاجتماعية إلا من خلال تحقيق التعايش الحر في جميع مجالات المجتمع.