'القضاء في إقليم كردستان عاجز عن ردع العنف ضد المرأة'

تتفاقم جرائم قتل النساء في إقليم كردستان نتيجة ضعف القوانين وهيمنة العقلية الذكورية، والحل يكمن في تحديث التشريعات وتفعيل قوانين صارمة مثل القانون رقم 14 لسنة 2002، لضمان ردع فعلي وحماية حقيقية للنساء والمجتمع.

هيلين أحمد

السليمانية ـ لا زال مسؤولو إقليم كردستان يديرون الحكم بعقلية ذكورية ونزعة استبدادية، حيث يتجلى حضورهم في تكريس قمع النساء. فالعنف ضد المرأة يُمارس يومياً ضمن ثقافة ذكورية راسخة، فيما تتيح المحاكم المجال لارتكاب جرائم قتل النساء عبر تغليفها بمسمى "الشرف" أو إلصاق تهم تُستخدم لتبرير الجريمة. وفي كثير من الحالات، تُدار هذه الملفات من خلال الأحزاب السياسية ليُطوى أثرها أو يُواجه الجناة بعقوبات مخففة لا تتناسب مع حجم الجرم المرتكب. 

إن عدم تعديل القوانين اليوم يشكل ناقوس خطر حقيقي في إقليم كردستان، إذ إن العقوبات المخففة والتعامل البطيء مع القضايا في المحاكم خلقا ثغرات يستغلها الجناة، لتتحول جرائم قتل النساء إلى ظاهرة متزايدة في الإقليم، حيث يُمنح القاتل فرصة للإفلات أو مواجهة عقوبة لا تتناسب مع حجم الجريمة.

وفي هذا الإطار، قالت المحامية دشني عثمان قادر إن جرائم قتل النساء باتت من أبرز القضايا المطروحة في المحاكم "تُعد من أخطر الظواهر التي تواجه المجتمع، والإحصاءات غير الرسمية أشارت إلى تسجيل أكثر من خمسين حالة قتل للنساء خلال عام واحد، وكمحاميين نشهد هذه الجرائم بشكل مباشر داخل أروقة القضاء".

وأوضحت أن "هذه الجرائم أخذت منحى جديداً، إذ تُغطّى في المحاكم ووسائل الإعلام تحت مسمى "الانتحار" أو "جرائم الشرف"، بينما يُسجَّل القاتل كمتهم عادي، وهو ما يترك آثاراً سلبية عميقة في المجتمع"، مضيفةً أن في إقليم كردستان أسباباً متعددة وراء هذه الجرائم، منها غياب التربية السليمة داخل الأسر، انتشار السلاح غير المرخّص في المنازل وهو أمر بالغ الخطورة يجعل النساء عرضة للعنف الجسدي والنفسي.

وأشارت إلى أن كثيراً من جرائم قتل النساء تُرتكب باستخدام السلاح غير المرخّص وتُسجَّل في المحاكم "استمرار وجود السلاح في البيوت يشكّل كارثة حقيقية، إذ يسهّل ارتكاب جرائم قتل النساء من دون محاسبة عادلة أو ردع قانوني فعّال".

ولفتت إلى أنه "في الوقت الحاضر، يشكّل العنف الرقمي خطراً جديداً يهدد النساء، إذ يتحول إلى أداة قاتلة تدفع بعضهن نحو الانتحار أو التعرض للقتل، وأن غياب الرقابة على شبكات التواصل ووسائل الإعلام يضاعف من خطورة هذا العنف، حيث تُنشر أخبار قتل النساء بلا أي ضوابط، فتترك آثاراً سلبية عميقة على الأفراد والمجتمع".

وبيّنت أن ضعف الوعي باستخدام الوسائط الرقمية وسهولة الوصول إلى التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية يفتح المجال أمام تصاعد أشكال العنف، مما يهدد أمن الدولة والأفراد والمجتمع على حد سواء "النساء تحديداً يواجهن التحرش الجنسي والتهديدات عبر الفضاء الإلكتروني، وقد يؤدي نشر معلومات أو كلمات مسيئة بحق امرأة إلى قتلها أو دفعها إلى الانتحار نتيجة الضغط النفسي الهائل".

وخلصت إلى أن العنف الإلكتروني يُعد شكلاً صامتاً وخطيراً من أشكال العنف ضد النساء في إقليم كردستان، إذ يمارس يومياً دون رادع حقيقي أو حماية قانونية كافية.

وشدّدت دشني عثمان قادر على أن ضعف القوانين في إقليم كردستان ساهم بشكل مباشر في ارتفاع معدلات قتل النساء، إذ لم يعد القانون مصدر قوة وحماية لهن "هذا الضعف يعود إلى هيمنة الأعراف العشائرية، وسيطرة العقلية الذكورية، وتدخل أصحاب النفوذ في القضايا، مما يجعل من السهل التغطية على الجرائم أو تخفيف العقوبات بحق الجناة"، وترى أنه من الضروري أن يتحول القانون إلى أداة حقيقية للردع والإنصاف في الإقليم.

وأشارت إلى أن الانتماءات الحزبية كثيراً ما تغيّر مسار القضايا، وهو ما يضعف ثقة المجتمع بالقضاء "القوانين الحالية تعاني من قصور واضح، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات على الجرائم الإلكترونية، حيث إن ضعف التشريعات يخلق ثغرات يستغلها المجرمون للإفلات من العقاب".

ونوهت إلى أن قانون عام 2008 الخاص بسوء استخدام الأجهزة الإلكترونية أصبح قديماً، ويحتاج إلى مراجعة شاملة وتحديث، بحيث تُسن تشريعات صارمة قادرة على مواجهة قضايا التحرش والعنف والقتل، وتضمن ردعاً فعلياً يحمي النساء ويحقق العدالة.

وأوضحت أن ضعف القوانين في العراق وإقليم كردستان ساهم في ارتفاع جرائم قتل النساء "يُعمل حتى الآن بقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 داخل المحاكم، ويتناول هذا القانون في مادتيه 405 و406 قضايا القتل العمد ومحاولات القتل التي جرى الإعداد لها مسبقاً، وتصل العقوبة فيها إلى الإعدام".

وقالت دشني عثمان قادر في ختام حديثها إن "ما يبعث على الاطمئنان في مواجهة جرائم قتل النساء في إقليم كردستان وجود قانون خاص في المنطقة، وهو القانون رقم 14 لسنة 2002، الذي أُقر لإلغاء العذر المخفف في جرائم القتل تحت مسمى "الدفاع عن الشرف"، ففي السابق، كانت المادة 409 من قانون العقوبات العراقي تنص على أن من يقتل امرأة أو أحد أفراد أسرته بدعوى الشرف يُعاقب بالسجن ثلاث سنوات فقط، وهو ما جعل الجناة لا يخشون العقاب"، مضيفةً "لكن بفضل القانون رقم 14 لسنة 2002، تم إلغاء هذا النص، وأصبح مرتكب أي جريمة قتل باسم "الشرف" يواجه عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام، ويُعد هذا القانون خطوة مهمة ومصدر ارتياح للنساء والمجتمع في إقليم كردستان، لأنه أنهى حقبة التبرير القانوني لمثل هذه الجرائم وأرسى أساساً أكثر عدلاً لحماية المرأة".