الناشطة زينب دويغو: يجب الوصول إلى حكايات العنف قبل أن تُقتل النساء
في مواجهة منظومة قانونية ومجتمعية ترى فيها الكثير من النساء أن الصمت هو النجاة، ترفع الناشطة النسوية زينب دويغو صوتها عالياً، داعية إلى تفكيك النظام الأبوي ومحاسبة السياسات التي تكرّس العنف والتهميش.

آرجين ديليك أونجل
آمد ـ أثارت القضايا التي أدرجتها حكومة حزب العدالة والتنمية على جدول أعمالها في السنوات الأخيرة ردود فعل غاضبة من قبل النساء اللواتي وصفن تلك السياسات بالرجعية، فهي تعرّف المرأة في إطار الأسرة فقط، وتُقيّد استقلالها الاقتصادي عبر سياسات ممنهجة.
لا يزال نقاش "فرض قيود على النفقة" الذي بدأ بعد "ورشة النفقة" التي نظمتها وزارة العدل ووزارة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية في تركيا في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر عام 2018 قائماً، ومع حلول حزيران/يونيو عام 2025، أعلن رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، في بيان أدلى به، أن معدلات الإنجاب في تراجع.
بعد ذلك مباشرة طرحت مناقشات حول حقوق الميراث على جدول الأعمال، فرغم تسهيل إجراءات الملكية العقارية، حيث دخلت اللوائح القانونية الشاملة المتعلقة بسندات الملكية ومعاملات الميراث حيز التنفيذ، سهّلت لوائح جديدة معاملات سندات الملكية، إلا أنها طرأت تغييرات جذرية على تقاسم الميراث، أبرزها إلغاء قاعدة "التقسيم المتساوي" بين الورثة، والتي كانت سارية قانوناً.
في الوقت الذي تؤثر فيه هذه التغييرات على حياة النساء من جميع الجوانب، فإنها تُسهم أيضاً في تعميق الفجوة في المساواة بين الجنسين، وتشير منظمات نسائية إلى أن السياسات التي تتجاهل حقوق النساء تؤدي إلى تصاعد العنف ضدهن، وهو ما تؤكده بيانات جرائم قتل النساء، فوفقاً لبيانات "JINNEWS"، فقد قُتلت 126 امرأة على يد رجال خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025.
وتعليقاً على ذلك قالت الناشطة في مجال حقوق المرأة زينب دويغو، إن المنظمات النسائية تتحمل مسؤوليات كبيرة في منع العنف "العديد من النساء لا تُعرف قصصهن مع العنف، لا نسمع بها إلا بعد وقوع الجريمة، حين يُصبح من الممكن فقط أن نشهد على ما عانته الضحية".
"القانون لا يحمي النساء في ظل نظام ذكوري"
وأشارت إلى القوانين التي يُفترض أن تحمي النساء في تركيا "عندما ننظر إلى القوانين، نرى أنها لا تختار حماية النساء، لأن النظام القانوني نفسه يُعرّف غالباً على أنه نظام قانوني ذكوري"، مضيفةً "رغم ذلك، مررنا بفترات ناضلنا فيها من أجل التطبيق الفعّال لاتفاقية إسطنبول، وقانون الحماية رقم 6284، وحق النفقة. كنا نناضل من أجل تطبيق هذه الحقوق حتى قبل أن يتم إلغاء الاتفاقية. كل هذا يُظهر أن المشكلة بنيوية، وأن القانون في هذا النظام القائم على الهيمنة الذكورية لا يقف في صفّنا".
وأكدت على ضرورة مساءلة النظام القائم "أعتقد أنه من الضروري مناقشة هذا النظام الذي لا يعترف بحقوق النساء، علينا أن نضعه في موضع المساءلة الكاملة"، وانتقدت منح الجناة ما يُعرف بـ "تخفيض حسن السلوك"، موضحةً "يُكافأ الجناة بتخفيض العقوبة بسبب ما يُسمى بحسن السلوك، يجب أن نُظهر بشكل أوضح الجوانب الفاسدة في هذا النظام".
"العائلة تعني السرّ بالنسبة للنساء"
وفي تعليقها على إعلان رجب طيب أردوغان عام 2025 "عام الأسرة"، قالت زينب دويغو "نحن في عام العائلة، لكننا نناقش مفهوم (السر)، في عالمي، عندما يُقال (عائلة)، أتذكّر السرّ كامرأة، يحدث العنف، فتُخفيه بالسر، ويُقال لك (لا تفضحي الأمر)، تتألمين، فيُقال لك (هذا سرّ، لا تُظهريه)، تتعرضين للضرب، فيُقال (هذا سرّ، لا تبوحي به)، نحن قادمات من مجتمع جُعلنا فيه نشعر بالخزي، وعلّمونا أن نُخفي خجلنا بالسرّ".
"هناك جرائم قتل نساء تُقدَّم على أنها انتحار"
ولفتت زينب دويغو إلى الثغرات القانونية، مؤكدة أن هذه الثغرات تُكلّف النساء حياتهن "هناك جرائم قتل تُقدَّم على أنها حالات انتحار، يمكننا أن نرى أن المسار الذي يؤدي إلى الانتحار هو مسار سياسي، نرى نساء قدّمن شكاوى إلى القضاء 9 أو 10 مرات، ورفعن طلبات طلاق، لكن النظام لم يتعامل مع تلك الطلبات، هناك عنف ذكوري يُشرعن فقط لأن الجميع يعلم أن هذا النظام لن يتحرك".
وتساءلت "هل ستحمينا القوانين في هذه الحالة؟ لكي تتمكن القوانين من حمايتنا، يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية من الدولة أو من هذا النظام, لكننا نقول (لنتحرك جميعاً وفق مبدأ المساواة من أجل إنهاء هذا العنف، هذا القتل القائم على النوع الاجتماعي"، مضيفةً "في نهاية المطاف، هناك مجال للسلطة، مجال للهيمنة. هذا النظام الأبوي يمكن أن يبدأ من الأسرة، ثم يتحول إلى رئيس دولة. لقد تحوّلنا إلى نساء محاطات بالأسرار، نساء يُجبرن على إخفاء ما يعشنه. علينا التدخل قبل أن يصل العنف إلى هذه المرحلة".
وتطرّقت إلى الوفيات النسائية المشبوهة، مشددة على أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق أقارب الضحية، بل إن المجتمع بأسره يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية "في مواجهة كل هذا، علينا احتضان المزيد من النساء، وتعزيز شبكات التضامن فيما بيننا".
"تغيير القوانين وحدها لا يكفي"
وشدّدت زينب دويغو على أن حماية النساء لا تتحقق فقط عبر سنّ القوانين "هناك دور دعم تابعة للإدارات المحلية، لكننا نساء نحلم بعالم لا يحتاج إلى ملاجئ، لماذا نُجبر على اللجوء إلى بيوت الحماية أصلاً؟ لكي نتمكن من إظهار ما تعيشه النساء ووضع سياسات صحيحة، يجب أن تكون الإدارات المحلية والآليات المحلية مترابطة ومتداخلة، لا أعتقد أن القانون وحده سيكون كافياً ما لم نتغير نحن، وما لم نُغيّر هذا النظام، فليست القوانين المكتوبة وحدها هي التي تحكم، بل هناك أيضاً قوانين شفهية وهي التي تكون أكثر تأثيراً في المجتمعات المغلقة، علينا أن ننتج سياسات وحلولاً تُضعف هذه القوانين الشفهية".
"يجب الوصول إلى قصص العنف قبل أن تُقتل النساء"
وأشارت إلى الدور الكبير الملقى على عاتق المنظمات النسائية "نحتاج إلى مساحات لا تعزل النساء، بل تنسج خيوط التضامن، وتستجيب بسرعة في لحظات الأزمات، نحتاج إلى فعل جماعي لا يُكافئ الجناة، بل يرفض مبدأ الإفلات من العقاب اجتماعياً، ولهذا، يجب أن تكون الإدارات المحلية ومنظمات المجتمع المدني واعية بهذا الأمر، من الصعب جداً الدخول إلى معظم البيوت، لكن علينا أن نصل إلى قصص العنف داخل هذه البيوت قبل أن تُزهق الأرواح، ولكي نحقق هذا، يجب أن نكون كمنظمات نسائية حاضرات في الميدان، لا أعتقد أن إنتاج الحلول بعد وقوع العنف هو أمر مستدام فعلاً".
"الوقوف جنباً إلى جنب يخلق مساحة آمنة"
وأكدت على أهمية النضال المشترك بين الحركة الكردية والحركة النسوية "التقاء النساء الكرديات والنسويات يغذي النضال ويقوّيه، لأن النساء الكرديات في كردستان لا يواجهن فقط عنف الدولة، بل أيضاً عنف الرجال، إنهن عالقات بين شكلين من العنف، وعندما نتعرض لهذا العنف، فإن رفع الصوت ليس بصوت امرأة واحدة، بل بأصوات آلاف النساء، يجعل الكلمة أكثر تأثيراً وقوة".
وأضافت "أنا جزء من الحركة النسوية في تركيا منذ نحو 20 عاماً، أذكر فترات كنا نناقش فيها التقاطعية الجماعية، وكنا نواجه صعوبة في فهم بعضنا البعض، لكن تجاربنا المشتركة كنساء خلقت لنا مساحات تحالف، ثم جاءت تحالفات سياسية لاحقاً، الوقوف جنباً إلى جنب هو ما يمنحنا تلك المساحات الآمنة".
وعن النضال النسوي المشترك تقول "حتى في أكثر الفترات قمعاً في تركيا، خلال حالة الطوارئ، وفي ظل تصاعد الإجراءات الأمنية، كانت النساء حاضرات في الشوارع بفضل هذا التكاتف، لدينا مساحات واضحة يمكن أن نبني فيها تحالفات، وقد نختلف فكرياً في بعض النقاط، لكن ما دام بإمكان النساء التحرك معاً، فإنهن ينجحن في حماية حقوقهن رغم كل الهجمات، لو كنا حركة نسوية ضعيفة، لما خسرنا فقط اتفاقية إسطنبول، بل كنا سنخسر أكثر بكثير، أنا مؤمنة بأن النقاشات حول حق النفقة والميراث ستُحسم أيضاً من خلال نضال النساء".
"علينا أن نكون قويات"
وترى الناشطة زينب دويغو، أنه على المنظمات النسوية أن تنفّذ أعمالاً أكثر شمولاً وتحركات فعالة من أجل الوصول إلى حلول قبل أن تُقتل النساء "علينا أن نصل إلى قصص النساء اللواتي لم يسبق لهن التواصل مع أي منظمة نسوية وتعرضن للعنف، قبل أن تتحول قصصهن إلى مآسٍ، للأسف، لا نعرف هذه القصص إلا بعد أن تُقتل المرأة، ويعود ذلك إلى عدة عوامل منها منع المرأة من الخروج من بيت العائلة، حبسها داخل المنزل، وعزلها عن محيطها، لكيلا تشعر المرأة بهذه العزلة، يجب أن تكون المنظمات النسوية قوية يجب أن تتخذ تدابير وقائية، علينا أن نوسّع هذا التحالف، ونُكثّف مساحات التنظيم، ونُعزّز هذا التكاتف".
واختتمت حديثها بالقول "منذ إعلان عام الأسرة، نتعرض لحملات دعائية مكثفة حول مفهوم العائلة، كامرأة تعيش بمفردها، لا تفكر في الزواج، ولا ترغب في الإنجاب، أقول (لا تنسَين أن تُقدّرن أنفسكن)، في هذا المجتمع، لن يتم تقديرنا أبداً، لكننا لا نحتاج إلى ذلك، أريد من النساء ألا يتخلين عن ذواتهن".