المرأة الكردية بين القمع والنضال تكتب الحرية

أكدت الصحفية شهلا محمدي أن انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" غيرت الوعي السياسي في إيران، بقيادة النساء من شرق كردستان إلى أنحاء العالم رغم القمع والاضطهاد، حيث لعبن دوراً ريادياً في بناء نموذج ديمقراطي مؤثر.

هيلين أحمد

السليمانية ـ في الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية، يواجه المواطنون والمواطنات المطالبون بحقوقهم بالقمع والعنف، رغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يدعو لاحترامها، وغالباً ما تتحول الاحتجاجات إلى صراع دموي أو تقابل بتجاهل تام من السلطات.

نظم الإيرانيون عبر التاريخ احتجاجات متعددة على مدى عقود، وغالباً ما تقابل هذه الاحتجاجات، خاصة تلك التي تقودها النساء، بعنف شديد من قبل السلطات، فعند مواجهتهم، يُتهمون بإثارة الفوضى والإخلال بالنظام، ويُفرض عليهم عقوبة السجن، وقد لعبت النساء دوراً مهماً في الثورات، لا سيما في ثورة عام 1979، لكن بعد انتصار الثورة، تم تهميشهن من قبل مجلس خبراء النظام الإسلامي، مما أدى إلى تغير أهداف ونضال النساء، وفي عام 2022، اندلعت انتفاضة غاضبة من قلب معاناة مواطني شرق كردستان وإيران، لتتحول إلى انتفاضة عارمة عرّفت العالم بأسره بصوتها وحقيقتها.

بدأت انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" إثر مقتل امرأة كردية من مدينة سقز بشرق كردستان، تدعى جينا أميني، كانت تبلغ من العمر 22 عاماً، في أيلول/سبتمبر 2022. ففي ذلك الشهر سافرت مع عائلتها إلى طهران، وفي 13 من أيلول، تم توقيفها مع شقيقها قرب محطة مترو الشهيد حقاني من قبل شرطة الإرشاد الإيرانية، حيث أشارت روايات شهود العيان إلى تعرضها وشقيقها للتعذيب، وبعد ساعتين من احتجازها ونقلها إلى مركز شرطة الأخلاق، تعرضت لإصابة في الرأس نتيجة الضرب المبرح، مما أدى إلى دخولها في غيبوبة ووفاتها.

عند سؤال شقيقها عن سيارة الإسعاف التي نقلتها، أُبلغ بأنها كانت تقل جندياً مصاباً، لكن لاحقاً أكدت بعض النساء أن السيارة كانت تقل جثة شقيقته التي توفيت بعد ثلاث أيام من الحادثة في مستشفى كسرى، وفي صباح 17 أيلول/سبتمبر، شُيّعت جنازتها في مدينة سقز وسط حضور جماهيري واسع، حيث ردد المواطنون شعارات مثل "الموت للديكتاتور".

على إثر وفاتها، اندلعت احتجاجات واسعة أمام المستشفى، وعبّرت النساء عن غضبهن بخلع الحجاب، فيما ردت السلطات الإيرانية بالاعتقالات والسجن، خلال الأيام التالية، بدأت التظاهرات في سقز وسنندج، وقمعتها قوات الأمن بإطلاق النار، مما أدى إلى إصابة 38 شخصاً واعتقال 13 آخرين، في اليوم نفسه، امتدت الاحتجاجات إلى مهاباد وكرج.

 

"الانتفاضة أحدثت تغييراً فكرياً في العالم"

قالت الصحفية شهلا محمدي إن انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" التي اندلعت بعد مقتل جينا أميني عام 2022، نتيجة لقوانين صارمة فرضها النظام الإيراني، أحدثت تحولاً فكرياً عميقاً في المجتمع الإيراني، جينا أميني، التي اعتُقلت بذريعة "عدم التزامها بقواعد الحجاب الإجباري"، أصبحت رمزاً لهذه الانتفاضة، التي لم تقتصر على مدن شرق كردستان مثل سقز، بل امتدت إلى مختلف أنحاء إيران، حيث لعبت النساء دوراً ريادياً في الاحتجاجات.

وترى أن هذه الانتفاضة بدأت مرحلة جديدة من النضال الديمقراطي، وأسست لوعي جماعي مشترك، رغم أن النظام لم يسمح بتحقيق أهدافها بالكامل، فقد حاولت النساء تغيير القوانين التمييزية، لكن وجود عناصر متشددة داخل النظام عرقل هذه الجهود، كما أن عدم تغيير السلطة السياسية شكّل عائقاً أمام الإصلاح القانوني، ومع ذلك، استمرت النساء بالانتفاض، سواء من خلال الاحتجاجات أو التغيير في أنماط اللباس، وحتى داخل السجون، حيث أظهرن صموداً لافتاً، ورغم القمع، لم يتمكن النظام من إيقاف الزخم الشعبي، وإن لم تتحقق أهداف الانتفاضة بالكامل، فإن تأثيرها الفكري والاجتماعي لا يزال حاضراً بقوة.

 

"الدعم أضعف في إقليم كردستان"

وأشارت شهلا محمدي إلى أن انتفاضةJin Jiyan Azadî" " استمدت قوتها من شمال كردستان وإقليم شمال وشرق سوريا، حيث انطلقت في شمال كردستان منذ عام 2000 وتم تطبيقها عملياً، وفي وإقليم شمال وشرق سوريا بعد عام 2011، شهدت المنطقة مقاومة نسائية أفرزت مكاسب مهمة، أبرزها مشاركة النساء في النظام السياسي والاجتماعي والإداري بطريقة ديمقراطية قائمة على مبدأ الرئاسة المشتركة، وهو ما أثّر لاحقاً على شرق كردستان.

ولفتت إلى أنه رغم أن الحدود المصطنعة حالت دون دعم كردي موحد من باقي أجزاء كردستان، إلا أن الدعم من إقليم كردستان كان موجوداً، لكنه لم يبلغ المستوى المتوقع، ففي الوقت الذي تقبع فيه ناشطات مثل وريشة مرادي وبخشان عزيزي في سجون إيران، يظل دعم الإقليم لهن ضعيفاً، رغم أن نضال النساء هناك قائم، بينما في أجزاء أخرى من كردستان، تُنظم بيانات واحتجاجات قوية بعد كل محاكمة، وفي إقليم شمال وشرق سوريا تحديداً، عبّرت النساء عن دعمهن بعد مقتل جينا أميني بقطع خصلات من شعرهن، وهو موقف ساهم في انتشار الثورة عالمياً، وذكرت أن رفع شعار Jin Jiyan Azadî"" في الهند بعد مقتل طبيبة، مما يدل على اتساع تأثير هذه الثورة خارج حدود كردستان.

 

"معظم الناشطات والسياسيات الكرديات في السجون الإيرانية"

في سجون إيران، يوجد أكبر عدد من النساء الكرديات الناشطات سياسياً، حيث قالت شهلا محمدي "نحن في شرق كردستان عشنا في ظل عقلية ذكورية طاغية، فالثقافة انعكست على القوانين، وعشنا في دولة ديكتاتورية تُطبق قوانين ذكورية بالكامل، حيث تتعرض النساء في المنطقة للعنف الجسدي والنفسي من قبل الأسرة والمجتمع والقانون، وهناك محاولات دائمة لقمعهن، كما أن النظام السياسي في المناطق الكردية اعتبرهن هامشيات، مما زاد من تهميشهن وحرمانهن من الحقوق، وأدى إلى ترسيخ العقلية الذكورية بشكل أعمق".

وشددت على أن "النساء الكرديات كنّ دائماً في طليعة النضال من أجل حقوقهن، ففي سجون إيران، يُحتجز عدد كبير من الكرديات الناشطات، ومنذ الثمانينات، تم إعدام العديد من الكرد، ومن بينهن زينب جلاليان، التي سُجنت لكونها كردية وناشطة بارزة في المنطقة، كما أن أول من نشر فلسفة Jin Jiyan Azadî"" داخل السجون كانت شيرين علم هولي، التي صدحت بصوت الحرية من خلف القضبان، وتم إعدامها لاحقاً، وبعد مقتل جينا أميني، أصبحت الاحتجاجات في المنطقة أكثر وضوحاً، وأخذ هذا الدور النسوي يتسع، حيث تسعى النساء إلى ترسيخ أهدافهن في شرق كردستان وفي جميع أنحاء المنطقة".