المرأة الأفغانية العمود الفقري غير المرئي للاقتصاد الريفي

في أفغانستان، حيث صعّب الفقر والحرب والقيود الثقافية الحياة، إلا أن النساء الريفيات الصامتات، لكن القويات، تُعدّن ركائز الاقتصاد المحلي؛ بأيدٍ فارغة وقلوبٍ زاخرة، يُبقين الأرض حية.

بهاران لهيب

أفغانستان ـ لطالما اعتمد اقتصاد أفغانستان على الزراعة وتربية المواشي، في مختلف مناطق البلاد، حيث توجد أراضٍ خصبة يُنتج فيها الناس، بمبادراتهم وجهودهم الذاتية، الفاكهة والحبوب والخضراوات، وبجهودٍ دؤوبةٍ تسعى الأفغانيات إلى جني ثمار عملهن والارتقاء بحياتهن، وعلى الرغم من تحذيرات طالبان وتهديداتها، تواصل المزارعات العمل ويعتبرن هذا الإصرار مصدر فخر.

في الزراعة وتربية المواشي، تلعب المرأة دوراً فاعلاً، على الرغم من أن معظم الدخل يذهب إلى الرجال في الأسرة، تقول العديد من المزارعات إنهن يعتبرن أنفسهن حرات ويمكنهن لعب دورٍ فعال في الإنتاج إلى جانب الرجال.

نورستان، إحدى الولايات الشرقية لأفغانستان، تقع في قلب جبال شاهقة وعرة، قبل حكم عبد الرحمن خان، أحد الملوك الطغاة، لم يكن سكان هذه الولاية مسلمين، وكانت تُعرف باسم كافرستان، عند تولى عبد الرحمن خان السلطة، بالإضافة إلى مجازر الهزارة، هاجم نورستان وأجبر أهلها على اعتناق الإسلام بالقوة، ولهذا السبب، قدم أهل نورستان تضحيات جسيمة.

كانت نساء هذه الولاية من أكثر النساء تحرراً في أفغانستان، كان الاقتصاد، الذي يعتمد على الزراعة وتربية الماشية، في أيديهن، كما لعبن دوراً رئيسياً في صنع القرار القبلي، وبعد الغزو السوفيتي، تأسست العديد من قواعد المقاومة الشعبية في هذه الولاية، ولعبت النساء دوراً فعالاً خلف الجبهات، وكثيراً ما ساعدن في نقل الأسلحة والطعام أثناء حصار قوات التحرير والديمقراطية.

ولكن مع انتشار الديانات المختلفة في الإسلام، خاصة الوهابية، ازدادت الضغوط على النساء، ورغم أنهن لا يزلن يمارسن جزءاً كبيراً من الأنشطة الزراعية، إلا أنهن استُبعدن من المشاركة في الشؤون الاجتماعية، وفي هذه المنطقة، كما هو الحال في العديد من الولايات الأخرى، لا توجد مرافق أساسية كالطرق المعبدة والمراكز الصحية والمدارس والأسواق، ويضطر الناس إلى المشي لساعات طويلة سيراً على الأقدام عبر طرق وعرة، ومع ذلك، لم تسمح النساء بسلب حريتهن بسهولة.

تقع ولاية باميان في وسط أفغانستان، وهي من الولايات التي تضم أكبر عدد من النساء المتعلمات، بعد أن ارتكبت حركة طالبان مذبحة بحق النساء خلال فترة حكمها الأولى (1936-2006)، قُتل حوالي 350 شخصاً في يوم واحد في إحدى المقاطعات، ولإعالة أسرهن، قررت النساء العمل معاً للدراسة بنظام المناوبات، وقد نجحن في ذلك.

وبعد عودة طالبان، استقرت النساء في منازلهن، لكنهن عدن إلى الزراعة وتربية الحيوانات، وبسبب برودة مناخ المنطقة، يصعب جمع المحاصيل، ومع ذلك، تُعد باميان واحدة من أفضل منتجي التفاح والبطاطا في البلاد، كما توجد العديد من المراعي في هذه المقاطعة حيث تذهب النساء لتربية الماشية والحصول على منتجات الألبان الشتوية منها.

تقع باروان وكابيسا وبنجشير وبغلان في شمال أفغانستان، وفي قرى هذه المقاطعات، تعمل النساء في الحقول الزراعية مع الرجال بالإضافة إلى الأعمال المنزلية ويسعين جاهدات للحصول على حياة أفضل.

تقع لوغار وبكتيا وبكتيكا في جنوب شرق أفغانستان. ورغم الحرمان والمواقف المعادية للمرأة، تتحمل النساء في هذه المناطق جزءاً كبيراً من عبء الإنتاج، بل ويعملن أكثر من الرجال.

وفي هرات، الواقعة غرب البلاد والمتاخمة لإيران، أنشأت النساء حدائق منزلية صغيرة، ويحصلن منها على منتجات قيّمة.

وفي كابول، عاصمة أفغانستان، تعمل النساء في بيوت بلاستيكية مخصصة لزراعة الفاكهة والخضراوات، بأجور زهيدة لإعالة أسرهن.

أربعة عقود من الحرب، وهيمنة الأنظمة الأبوية، والحكومات المتشددة، ظلت المرأة الأفغانية ضحية صامتة، لكنها قوية، فبينما عوملت كأدوات وبضائع، نجحت في الحفاظ على حياة أسرتها، بل وعلى اقتصاد القرى والمناطق المحرومة أيضاً، من خلال المقاومة والصبر والعمل الدؤوب، المرأة الأفغانية أقوى مما يروي المؤرخون الرسميون، وتستحق مستقبلاً أكثر إشراقاً وعدلاً.