المنتجات المحلية تقود الأمن الغذائي في إقليم كردستان
في إقليم كردستان، حيث تتداخل الطبيعة الخصبة مع إرث الزراعة التقليدية، تبرز منطقتا طق طق وكويه كنموذجين حيويين للاكتفاء الذاتي المحلي، حيث تنسج النساء بين ضفاف الجداول وأحواض السمك، اقتصاداً منزلياً يحفظ الصحة والسيادة الغذائية.

شيا كويي
كويه ـ لطالما امتاز إقليم كردستان بأراضيه الخصبة وموارده الطبيعية الوفيرة، ما جعله بيئة مثالية لزراعة متنوعة ومنتجات محلية غنية، تديرها النساء بكفاءة واقتدار.
برزت طق طق والقرى المحيطة بها، كمركز رئيسي لتربية الأسماك وإنتاجها، ليس فقط على مستوى إقليم كردستان، بل في عموم العراق، حيث يُنقل الإنتاج المحلي إلى وسط البلاد، ويُعتمد عليه في تعزيز الأمن الغذائي، بينما تلعب النساء دوراً ريادياً في إدارة هذا القطاع الحيوي، مما عزز من مكانته الاقتصادية والاجتماعية.
وتشتهر الأراضي الزراعية الواقعة ضمن حدود قضاء كويه وطق طق، بتنوعها الطبيعي وامتدادها على ضفاف الجداول، ما يجعلها بيئة مثالية للزراعة النشطة التي يمتهنها عدد كبير من السكان، وتنعكس خصوبة هذه الأراضي بشكل مباشر على جودة الإنتاج الزراعي، الذي يصل إلى مناطق واسعة من العراق.
ومع ذلك، فإن النشاط الاقتصادي الأبرز في المنطقة والقرى المجاورة يتمثل في تربية الأسماك، حيث يعتمد معظم السكان على هذا القطاع كمصدر رئيسي للرزق، وتُرسل سنوياً كميات كبيرة من الإنتاج إلى أسواق إقليم كردستان والمدن العراقية الأخرى، ما يعكس أهمية المنطقة كمركز حيوي في سلسلة الإمداد الغذائي.
فأحواض الأسماك في طق طق تنتج ما بين طنين ونصف إلى ثلاثة أطنان من السمك للدونم الواحد سنوياً، وهو معدل إنتاج مرتفع يعكس جودة المياه والتربة، وقد تحولت المنطقة إلى مركز رئيسي لإنتاج الأسماك في إقليم كردستان، حيث تُساهم بنسبة تتراوح بين 25% إلى 30% من إجمالي الإنتاج المحلي، مما يعزز الأمن الغذائي ويوفر فرص عمل واسعة للسكان.
وبحسب إحصاءات عام 2024، تضم المنطقة نحو 1300 حوض لتربية الأسماك بمساحات متفاوتة، تبدأ بأكثر من دونم واحد للحوض الأصغر. هذا التوسع في البنية التحتية يعكس تحولاً اقتصادياً واضحاً، حيث باتت تربية الأسماك لا تقتصر على كونها نشاطاً تقليدياً، بل أصبحت ركيزة أساسية في الاقتصاد المحلي، مدعومة بجهود السكان، لا سيما النساء، اللواتي يضطلعن بدور محوري في إدارة هذا القطاع.
وتشير بيانات إدارة طق طق الزراعية إلى أن نحو 95% من سكان المنطقة يعتمدون في معيشتهم على تربية وصيد الأسماك، وهو نشاط يشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي، وتُرسل كميات كبيرة من الإنتاج سنوياً إلى أسواق إقليم كردستان والمدن العراقية، مما يعزز مكانة طق طق كمركز رئيسي في هذا القطاع.
وإلى جانب إدارة الأحواض، تساهم النساء في الإنتاج الغذائي المنزلي، حيث يحضرن منتجات مثل مخلل الملفوف، تجفيف القمح، صلصة الطماطم، والقرع الأحمر، لتلبية احتياجات أسرهن وطرحها في الأسواق المحلية، مما يعزز من التنوع الغذائي ويُعيد الاعتبار للممارسات التقليدية.
المحافظة على تقاليد الإنتاج المحلي
في قلب مدينة كويه، تواصل سينم ماماند وهي امرأة مسنة، مسيرتها في تحضير وبيع المنتجات الزراعية المنزلية التي تعمل منذ أكثر من 16 عاماً، وتقول "أُحضر كل هذه المنتجات بنفسي، داخل منزلي، ومنذ سنوات طويلة أعمل مع أطفالي لنبيعها ونرسلها إلى مدن أخرى، لا أستطيع فتح متجر، لذلك نعمل من داخل البيت، وهذا جيد جداً، لدينا زبائن دائمون لأنهم يبحثون عن المنتج الطبيعي ويشترونه مباشرة منا".
وأشارت إلى أن المنتجات المحلية التي تحضر يدوياً في المنازل تفوق المستوردة من حيث الجودة والنقاء "كل شيء أعده بنفسي في المنزل، دون أي مواد حافظة، إذا تذوقت تلك المنتجات، ستعرف الفرق من أن الناس بدأوا يعودون تدريجياً إلى الطعام الطبيعي ويطالبون به".
سينم ماماند التي تعمل مع أبنائها وبناتها، وتبيع منتجاتها مباشرة للزبائن الذين يبحثون عن المنتج النظيف والطبيعي، توضح أن المنتجات المنزلية مثل المربى والصلصات المختلفة تُستهلك خلال موسم واحد فقط، ولا يُنصح بتخزينها لفترات طويلة، على عكس المنتجات المستوردة التي تحتوي على مواد حافظة وتبقى صالحة لسنوات، لكنها كما تقول "ضارة بالصحة".
وأضافت "الناس يذهبون إلى الأسواق لشراء الطعام الجاهز دون أن يدركوا مدى ضرره، بينما الطعام المنزلي أكثر صحة، كل ما نحضره طبيعي وخالٍ من المواد الحافظة، كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا، ولم يكونوا يعانون من الأمراض التي نراها اليوم، وأتمنى أن يعود الناس إلى هذا النمط من الغذاء، لأنه صحي ويحافظ على تراثنا الزراعي والغذائي، كما أنه عمل ممتع جداً لمن يستطيع القيام به".
الاستيراد يهدد دخل المزارعين المحليين
ومن قرية خلخالان، تروي ليمو محمد، وهي امرأة تعمل في الزراعة إلى جانب زوجها، تجربتها في إنتاج وبيع الأغذية المحلية، خاصة خلال الأعياد والمناسبات، تقول أنها تؤمن أن المنتجات الزراعية قادرة على تلبية احتياجات الإقليم بالكامل، إذا ما توقف استيراد المنتجات الأجنبية "المنتجات التي نزرعها ونحضرها في منازلنا تكفي المنطقة، لكن عندما تغرق الأسواق بالبضائع المستوردة، تباع منتجاتنا بأسعار منخفضة، ولا نستفيد منها، وهذا يضر بالمزارعين".
وشددت على أن المنتجات المحلية أكثر جودة وصحة، لأنها تحضر دون استخدام الأدوية أو المواد الكيميائية، على عكس المنتجات المستوردة التي بحسب قولها، "ملوثة ومعالجة بالأدوية"، مشيرةً إلى أن "الناس بدأوا يهتمون بالمنتجات المحلية، لأنهم يعرفون أن المستورد ضار بالصحة".
ليمو محمد وعائلتها يعتمدون بالكامل على ما ينتجونه بأيديهم "نجفف خضرواتنا، قمحنا، ونعد دبس الرمان والطماطم بأنفسنا، لا أشتري من السوق ولا أحب المنتجات الجاهزة".