ألم مزدوج... إصابة في الجسد وظلم في النظرة المجتمعية
تجسد "لاله. ك" مأساة امرأة تُعاقب مرتين، مرة بإصابتها الجسدية، وأخرى بجنسها في مجتمع لا يرحم النساء، بين الألم الجسدي والتمييز الاجتماعي، تتحمّل عبء الإعاقة، الفقر، والأحكام القاسية، بينما تُمنح للرجل حقوق لا تُناقش، حتى وهو عاجز.

نسيم أحمدي
كرماشان ـ غياب البنية التحتية الملائمة للأشخاص ذوي الإعاقة، خصوصاً المصابين بانقطاع النخاع الشوكي، يمثل إحدى القضايا المهملة في السياسات العامة، فالمراكز العلاجية، والدعم المالي، والتعليم، وحتى نظرة المجتمع، جميعها تقدم أدنى مستويات الرعاية لهؤلاء الأفراد.
ثمانية أعوام من الأسر بعد لحظة انهيار
"لاله. ك" امرأة من مدينة كرماشان، تقترب من إتمام عامها الثامن وهي عاجزة عن المشي بحرية أو الاستقلال في حياتها اليومية، إصابتها بالنخاع الشوكي كانت نتيجة زلزال عام 2017 الذي ضرب المدينة، ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياتها بالكامل.
روت بمرارة "لقد نسيت كيف يكون المشي، ولا أذكر آخر مرة تمكنت فيها من إنجاز شيء بمفردي، كثيراً ما تراودني أفكار اليأس، وأتمنى لو أنني أستطيع إنهاء هذا الألم، فأن تكون والدتي مضطرة للعناية بي يوماً بعد يوم هو عذاب لا يوصف، كنت أحلم بأن أكون سنداً لوالدي، لكنني أصبحت عبئاً عليهما، فتكاليف علاجي ورعايتي تفوق قدرتهما، ومع ذلك لا خيار أمامنا سوى الاستمرار".
لاله. ك، امرأة تبلغ من العمر نحو 35 عاماً، أصيبت بانقطاع في النخاع الشوكي بعد أن عادت إلى منزلها وسط الهلع لإنقاذ طفلها، لكن انهيار أحد الجدران تسبب في إصابة خطيرة لظهرها وعمودها الفقري، ولم تقتصر المأساة على ذلك، فعملية إنقاذها من تحت الأنقاض تمت بطريقة غير سليمة، ما أدى إلى تفاقم إصابتها.
أمٌ تفدي حياتها لتمنح الحياة
روت والدة لاله. ك تفاصيل الرعاية اليومية التي تقدمها لابنتها "لا نستطيع إيداعها في مراكز الرعاية، فهذه المؤسسات لا توفر العناية اللازمة للمرضى، ولهذا نضطر للاهتمام بها في المنزل، لقد فقدت طفلها في الزلزال، وبعد إصابتها بانقطاع النخاع الشوكي، تخلى عنها زوجها، ولم يبقَ لها سوى نحن".
وأفادت أن "رعايتها تتطلب جهداً متواصلاً، فهي بحاجة يومية إلى أدوية ومراهم لمنع تقرحات الفراش، كما تحتاج إلى جلسات علاج فيزيائي أسبوعية بسبب عدم قدرتها على الحركة، كل هذه المتطلبات تُثقل كاهلنا، بينما لا تقدم منظمة الرعاية الاجتماعية سوى دعم مالي ضئيل لا يغطي حتى الحد الأدنى من احتياجاتها".
"حين تكونين امرأة يصبح الألم مضاعفاً"
تروي والدة لاله. ك جانباً من معاناتها اليومية "نضطر إلى اصطحاب للعلاج الفيزيائي مرتين أسبوعياً على الأقل، وذلك مكلف، معظم أدويتها لا يشملها التأمين، فنشتريها بأسعار السوق، أما مستلزماتها الصحية، مثل حفاضات وغيرها، تكلفنا ملايين شهرياً".
وأضافت "رغم هذه النفقات الباهظة، لا تقدم منظمة الرعاية الاجتماعية سوى دعم لا يتجاوز مليوني تومان، نحن نتحمل هذه الأعباء لنخفف من آلام ابنتنا، لكن الألم الحقيقي لا يكمن في المال، بل في الكلمات القاسية التي تسمعها من الناس، فقد قال لها البعض "ليتك متِّ ولم تصبك هذه الحالة"، أو "ليتك كنتِ رجلاً، لكنا جلبنا لك زوجة تعتني بك، بدلاً من أن تتحمل والدتك هذا العبء"، هذه العبارات تجرح روحها أكثر من أي ألم جسدي".
ورغم كل التحديات الصحية التي تواجهها لاله. ك، إلا أن كونها امرأة يجعل معاناتها أكثر قسوة، حيث قالت "بعد أن تأكد الأطباء أنني لن أتعافى، قرر زوجي الانفصال عني، لم يكن مجبراً على البقاء، وكان ذلك خياره، لكن ما يؤلمني هو نظرة المجتمع لهذا القرار ففي مجتمعنا، إذا أصيب الرجل بإعاقة دائمة، يُتوقع من زوجته أن تبقى إلى جانبه وتعتني به مدى الحياة، أما إذا كانت المرأة هي من تعاني، فالمجتمع يمنح الرجل الحق في التخلي عنها، ويعتبر ذلك أمراً طبيعياً ومقبولاً، هذا التمييز الجائر يؤذيني أكثر من إصابتي نفسها".
امرأة ناقصة الجسد ورجل كامل الحقوق
في مجتمعٍ يقدّس الذكورة ويُعلي من شأن الرجل، تُفرض على المرأة شروطٌ قاسية لا تُطبق على غيرها، يجب أن تكون المرأة كاملة، خالية من العيوب، قادرة على العطاء والرعاية دون توقف، أما الرجل، فحتى إن أصيب بإعاقة أو مرض، يبقى في نظر المجتمع صاحب الحق الكامل في أن يُخدم ويُرعى، بل ويُزوّج دون تردد.
في هذا الواقع، إذا اضطُر الرجل إلى رعاية زوجته، يُمنح حق الانفصال عنها دون أن يُحاسب، أما المرأة، فإن واجبها أن تضحي، أن تضع نفسها في المرتبة الأخيرة، وأن تظل إلى جانب زوجها مهما كانت حالته، وإذا فكرت في الانفصال، تُتهم بأنها لا تصلح للحياة الزوجية، وتُدان أخلاقياً واجتماعياً.
فلاله. ك، التي تعاني من إصابة في النخاع الشوكي، توضح "رأيت رجالاً يعانون من نفس إصابتي، بل بعضهم وُلدوا بإعاقات، ومع ذلك يسعى المجتمع لتزويجهم، ويُشجّع أهاليهم على إيجاد زوجة تخدمهم وتعتني بهم، لا يهم إن كان الرجل معاقاً، أو مدمناً، أو بلا عمل، فحقه في الزواج محفوظ، لأن المرأة في نظر المجتمع مجرد أداة للرعاية والخدمة، أما إذا كانت المرأة هي من تعاني، فلا يُتوقع من الرجل أن يتحملها، بل يُبرر له التخلي عنها، كما حدث معي تماماً".
وأفادت أنه "في هذا المنطق المختل، يُسمح للمرأة "السليمة" أن تعيش مع رجل "ناقص"، لكن لا يُقبل أن يعيش الرجل مع امرأة غير قادرة على خدمته، فالمرأة، إن لم تكن قادرة على أداء دورها كخادمة، تُستبعد ببساطة، وتُنسى، وتُحمّل عبء حالتها وحدها".
وسط كل التحديات التي تواجهها النساء، يبقى التمييز القائم على النوع هو الجرح الأعمق، فالمشكلات التي قد يواجهها أي فرد، تصبح أكثر قسوة حين تكون المرأة هي الطرف المتضرر، ففي مجتمعٍ تحكمه الذكورية، تُضاعف المعاناة، وتُثقل الكاهل، وتُحمّل المرأة مسؤولية كل شيء، حتى ما لا تملك السيطرة عليه، النهاية، تبقى المرأة هي الضحية الدائمة، التي يُمارس عليها الضغط، وتُحرم من الحقوق، وتُحاكم على مجرد كونها امرأة.