العلاقة بين المكونات هي تجسيد للروح الجماعية التي تسعى لبناء مجتمع متماسك

عملت النساء بإقليم شمال وشرق سوريا على تعزيز حقوقهن وتحقيق المساواة في ظل الظروف الصعبة والجيدة التي مرت بها المنطقة. ولم تكن هذه الشراكة نتيجة للظروف السياسية، بل هي كانت نتيجة الرغبة الحقيقية في بناء مستقبل مشترك يسوده السلام والعدالة.

مقال بقلم الإعلامية خديجة العبد الله

تعتبر العلاقة بين النساء من جميع المكونات في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم بشمال وشرق سوريا من أبرز النماذج التي تعكس التعايش والتعاون بين الثقافات المختلفة. فقد أثبتت هذه العلاقة أنها ليست مجرد تفاعل اجتماعي، بل هي تجسيد للروح الجماعية التي تسعى إلى بناء مجتمع متماسك وقادر على مواجهة التحديات.

من خلال دراسة نموذج الإدارة الذاتية، يتضح أن النساء من كافة المكونات قد وجدن في هذه التجربة فرصة لتعزيز دورهن ومكانتهن في المجتمع. فقد شاركت النساء بشكل فعّال في مختلف المجالات، بما في ذلك العمل الاجتماعي والسياسي والعسكري وحتى الثقافي والعلمي، وأثبتن بجدارة قوة الإرادة والتضامن بينهن خلال فترة قصيرة جداً.

وتجلت هذه العلاقات الوثيقة في العديد من المبادرات المشتركة، حيث عملت النساء بإقليم شمال وشرق سوريا على تعزيز حقوقهن وتحقيق المساواة في ظل الظروف الصعبة والجيدة التي مرت بها المنطقة. ولم تكن هذه الشراكة نتيجة للظروف السياسية، بل هي كانت نتيجة الرغبة الحقيقية في بناء مستقبل مشترك يسوده السلام والعدالة.

وبفضل هذه الروابط المتينة، استطاعت النساء في شمال وشرق سوريا أن تقدمن نموذجً يُحتذى به في التعاون والتضامن، مما يفتح آفاق جديدة لمستقبل أكثر إشراقاً للمرأة في المنطقة.

استطاعت النساء تقديم الدعم المتبادل في مجال الإعلام، خاصة بعد تحرير المنطقة من الفصائل الإرهابية. ورغم التخوفات التي كانت موجودة بشأن كيفية تعامل المرأة العربية مع المرأة الكردية، وما قد يترتب على ذلك من اختلافات أو انتقادات، إلا إن المرأة تمكنت من تحطيم هذه الحواجز. وقدمن دعماً كبيراً لبعضهن البعض، وفتحن آفاقاً جديدة في مختلف المجالات.

لم يكن هناك أي خطوات سابقة لتشجيع المرأة في مقاطعة دير الزور على الانخراط في مجال الإعلام، في ظل مجتمع ريفي غالباً ما ينتقد خروج المرأة من منزلها، ويعتبرها فقط الأم والمربية. ولكن بفضل تلاحم النساء ودعمهن لبعضهن البعض، حققن خطوات مهمة خلال السنوات الأربع الماضية.

كما أن تقبل النساء لثقافات بعضهن البعض ساهم في تعزيز محبتهن للعمل وإرادتهن للانخراط في جميع مجالات الحياة. فقد شاركت النساء في إعداد التقارير وتسليط الضوء على معاناة النساء في المنطقة، واستطعن قضاء أيام وشهور معاً في تنسيق أمور العمل والتقدم، بالإضافة إلى مواجهة الانتقادات والتحديات الاجتماعية. وأيضاً، تمكنت النساء من بناء علاقات وثيقة، حيث استمعن لبعضهن البعض وتفهمن أمورهن الشخصية بشكل حقيقي.

تُعَد فكرة الإدارة الذاتية واحدة من المفاهيم الأساسية التي ساهمت في تعزيز دور المرأة. منذ بروز هذه الفكرة، قام المجتمع بإدماج النساء في مجالات الإدارة وصنع القرار، محطّماً بذلك الصور النمطية التقليدية المتعلقة بأدوار النساء. والنساء لم تشاركن فقط في المجالات الإدارية، بل هنّ أيضاً قياديات في هذه العمليات، مما يُمثّل نموذجًا يحتذى به للعديد من المجتمعات الأخرى.

فالنساء قادرات على التأثير في المجتمع بطرق متعددة. يُظهرن قيادة فعّالة في المجتمع، سواء من خلال التنظيم الاجتماعي أو عبر الأنشطة الثقافية والفنية. كما أنهن يساهمن في التغييرات الاجتماعية بإشراك الأجيال الجديدة في المفاهيم الإنسانية والمساواة، مما يعزز من الدور الإيجابي للمرأة في جميع المجالات.

تواجه النساء العربيات عوائق تُعزى بشكل كبير إلى التقاليد والعادات التي تحد من حرية المرأة. يُعتبر النظام الاجتماعي والنظم العشائرية، في العديد من الأحيان، عوامل مؤثرة في تحديد أدوار النساء، مما يُحدّ من طموحاتهن. رغم ذلك، يُظهر عدد كبير من النساء العربيات رغبة قوية في كسر هذه القيود وتحقيق المزيد من المساواة.

في السنوات الأخيرة، بدأت النساء العربيات في التوجه نحو التمكين الاجتماعي والسياسي، حيث أظهرن شجاعة في مواجهة القضايا المطروحة. على الرغم من التحديات، استطاعت النساء العربيات أن يُثبِتْن قدرتهن على التأثير وجعل أصواتهن مسموعة في مختلف المجالات، بدءاً من العمل المجتمعي إلى المشاركة في الساحات السياسية.

تتوقع النساء في المستقبل دوراً متزايد الأهمية في المجتمع. مع تزايد الوعي بأهميتهن كقوة فعالة في استقرار المجتمع وتقدمه، فإنهن يشتركن في حركات تطالب بالمزيد من الحقوق والمساواة. مع إدماجهن في العمليات الاجتماعية والسياسية، يمكن أن يُسهم في بدء تغييرات شاملة في المجتمعات العربية.

وتتجلى القوة والتأثير البارز للمرأة في جميع مجالات الحياة، حيث تسهم في تعزيز القيم الوطنية والاجتماعية. بينما تكافح النساء للحصول على حقوقهن وتحقيق التقدم، تشكل كلتا الفئتين مثالاً حياً على قدرة المرأة على تجاوز العقبات والمساهمة في بناء مجتمعات قوية ومزدهرة. تعد مشاركة المرأة في الفضاءات العامة والسياسية خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار والابتكار داخل المجتمعات العربية والكردية.

لا نستطيع القول بأن المرأة حصلت على كامل حقوقها، ولكنها في طريقها إلى الحرية وتثبت وجودها بكل جدارة وتحطم القيود المفروضة عليها، فالنساء في شمال وشرق سوريا، ومن جميع المكونات، والأحزاب وتنظيمات المرأة، عقدن مئات الاجتماعات وخرجن بآراء واضحة حول تعزيز وحدة المرأة. ولذلك انخرطن بآرائهن الخاصة في السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والعمل الاجتماعي والصحة والتعليم وبقية مفاصل الحياة. ومن أجل حماية مجتمعهن، أصبحن مثالاً في العالم أجمع في شخص وحدات حماية المرأة التي قادت المعركة ضد داعش وعرّفت العالم أجمع بثورة المرأة.

وبمفهوم تعزيز وحدتها، نظمت المرأة نفسها في كل كومين، حي، حزب، ومؤسسة، وبدءاً من القضايا المتعلقة بالأسرة وتحليلها وحل مشكلاتها وصولاً إلى مسألة بناء نظام الإدارة الذاتية، بنت المرأة تنظيمها الخاص وأنشأت العشرات من المؤسسات ومجالس المرأة. وكان الهدف هو ألا تُترك أي امرأة من دون تنظيم وأن تتجمّع قوة المرأة وتظهر إرادة واحدة لدورها القيادي وقد تم تحقيق هذا الهدف.