"الكلنا معنيين" توعية الأجيال القادمة بخطورة العنف ضد النساء ضرورة قصوى

أكدت المشاركات في ندوة "الكلنا معنيين" بمدينة قفصة التونسية، إلى أن العنف ظاهرة خطيرة لدرجة أنها تتكرر بشكل يومي، على الرغم من القوانين الكثيرة، وأن الظاهرة متجذرة منذ سنوات في تونس.

إخلاص حمروني

تونس ـ احتضن المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بمحافظة قفصة التونسية ندوة تحت شعار "الكلنا معنيين"، حيث سلطت الضوء على ظاهرة العنف الذي تواجهه المرأة بهدف توعية الطلبة بخطورة هذه الظاهرة وسبل الحد منها.

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يتزامن مع اختتام حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، أجمع الحاضرون من أساتذة وطلبة في ندوة "الكلنا معنيين" التي نظمت أمس الأربعاء 11 كانون الأول/ديسمبر، أن العنف المسلط على النساء لم يعد مجرد حالات معزولة أو استثناء بل أصبح ظاهرة خطيرة إلى درجة أن تكرارها بشكل يومي مع اختلاف المكان والزمان والضحية، تغني عن أي أرقام لأن الواقع يتكلم عن نفسه، مشيرين إلى تنوع مظاهر العنف تتعدد في الشكل والخطورة ولعل أخطرها قتل النساء حيث أنه خلال العام الجاري تم تسجيل 24 جريمة منها 54% نفذت من قبل رجال ضد زوجاتهم.

وأوضح المشاركون أن جل الدراسات تكشف أن العنف النفسي أكثر أشكال العنف انتشار ضد النساء في تونس بنسبة 44.4%، تليها العنف اللفظي بنسبة 26.7%، ثم العنف الجنسي بـ 15.6%، والعنف الاقتصادي بـ 11.4%، ثم العنف الجسدي بـ 5.3%، موضحين أنه أمام تنامي هذه الظاهرة بات من الضروري تفعيل كل القوانين الرادعة للعنف من أجل حماية المرأة.

ومن بين هذه القوانين تطرق الحاضرون إلى القانون 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، واصفين إياه بأنه "مميز جداً" بحكم أنه يتضمن كل ما يمكن أن يحمي المرأة ضد كل أشكال العنف المادي والنفسي والاقتصادي، مشيرين إلى أن هذا القانون يقر بمكتسبات جديدة طالبت بها أجيال من المدافعين والمدافعات عن النساء في تونس.

وعرف المشاركون في هذا النشاط التوعوي "القانون 58" بأنه "تشريع يهدف إلى القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيها ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم".

حيث أن هذا القانون يؤكد في فصله الخامس أنه على أن الدولة الالتزام بوضع السياسات الوطنية والخطط الاستراتيجية والبرامج المشتركة أو القطاعية بهدف القضاء على جميع أشكال العنف المسلط على المرأة في المجال الأسري والمحيط الاجتماعي والوسط التربوي والتكويني والمهني والصحي والثقافي والرياضي والإعلامي، واتّخاذ الترتيبات والتدابير اللازمة لتنفيذها.

وحول أهمية هذه الندوة، قالت سعاد علياني مكلفة بالبرمجة والإعداد والتثقيف في مجال الصحة الجنسية والإنجاب في الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بقفصة "أردنا تنظيم الندوة في وسط طلابي وإشراك فئات جديدة شابة معرضة أيضاً للعنف وخاصة الطالبات، وذلك بحضور عدد من أساتذة المعهد والإداريون لنضمن مقاربة تشاركية متعددة الأطراف، وهذا من شأنه أن يساعدنا في مواجهة انتشار ظاهرة العنف ضد النساء التي تلقي بظلالها على المجتمع التونسي والأسرة والعمل معاً من أجل وقاية الأجيال القادمة".

ولفتت إلى أن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري دراسته كشفت أن ظاهرة العنف ضد النساء موجودة في تونس وأنها متجذرة منذ سنوات بعيدة، موضحةً أن العنف بات يشمل أشكال وله تأثيرات على الصحة النفسية والجسدية خاصة في ظل ارتفاع الأرقام المؤكدة على أن امرأة من اثنين تتعرضن للعنف وتسجيل ظهور بارز لظواهر جديدة على غرار العنف السيبراني والعنف الرقمي.

وحول أسباب العنف المسلط على النساء أوضحت أنها كثيرة منها دوافع اجتماعية ونفسية واقتصادية وكل هذه الدوافع من شأنها أن تخلف آثاراً وخيمة على المرأة منها آثار صحية كالإصابات الخطيرة والكدمات والجروح والوفاة وآثار نفسية كالاكتئاب الحاد أو الاضطراب النفسي ومحاولات الانتحار إضافة لآثار اجتماعية واقتصادية مثل تسجيل اضطرابات أسرية تؤثر على الأطفال.

 

 

وفيما يخص العنف الرقمي الذي مثل محور أساسي في ندوة "الكلنا معنيين" قالت الأستاذة الجامعية هدى عبادة "يعد العنف الرقمي شكل من العنف ضد النساء يتم ممارسته عبر منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف إيذاء المرأة نفسياً أو جسدياً من خلال وسائل رقمية، مثل التهديدات، والقذف، والتشهير، والابتزاز، وصولاً إلى التحريض على العنف".

واعتبرت أن العنف الرقمي والسيبراني ضد النساء والفتيات من أبرز انتهاكات حقوق النساء في العالم العربي، حيث يشمل أشكالاً مختلفة من الاعتداءات البدنية والنفسية والجسدية والاقتصادية، مبينةً أنه في ظل تزايد الاعتماد على الإنترنت والتواصل الاجتماعي، أصبحت هذه الأدوات ساحة جديدة للعنف ضد المرأة.

وبينت هدى عبادة أن أغلب الدراسات تؤكد أن العنف الرقمي ضد النساء في المنطقة قد ازداد بشكل ملحوظ خلال فترة جائحة كورونا وأن حوالي 49% من النساء في العالم العربي لا تشعرن بالأمان بسبب التحرش عبر الإنترنت وأن حوالي 22% من النساء تعرضن للابتزاز الجنسي المباشر وأن 38% من الفتيات اللواتي تتعرضن إلى العنف الرقمي يقدمن على الانتحار.

وأكدت أن شرح مفهوم العنف الرقمي وتفسير أشكاله وتوضيح كيفية التصرف في حال التعرض له أمام الطالبات من شأنه أن يحميهن من خطورة هذه الظاهرة بحكم أن الأنترنت أصبح متوفر في مكان واستعمال هذا الفضاء الأزرق "يعتبر العنف الرقمي من أصعب أشكال العنف المسلط على النساء وهو بمثابة اغتيال معنوي للنساء بحكم أنه يتسبب في بعض الحالات بالانتحار خاصة الأعمار بين 17 و20 سنة، ونحن نريد من خلال تنظيم مثل هذه الندوة أن تكون النساء واعيات بحقوقهن لكي لا تتعرضن للابتزاز والهرسلة ولا تشعرن بالخوف إذا تعرضن للعنف لأن القانون التونسي يضمن العديد من الآليات لحمايتهن".

 

 

من جانبها ثمنت الطالبة نيبال همامي الندوة بأن تنظيمها في الفضاء الجامعي من شأنه أن يخلق وعياً لدى الطالبات بحقوقهن ويعزز ثقتهن بأنفسهن "نحن طلبة علوم الاجتماع تهمنا هذه المواضيع الاجتماعية لفهم الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه"، موضحةً أن المرأة اليوم تحتل مكانة مهمة في المجتمع فهي تمثل الأم والأخت والزوجة وعنصر فاعل فيه، ومن أجل ضمان نجاحها وتقدمها يجب أن تفهم أولاً حقوقها وواجباتها وتدرك أن العنف المسلط عليها ليس فقط الضرب وإنما يكون عنف لفظي ورقمي واقتصادي.

وأشارت إلى أن الندوة التي نظمتها الجامعة قدمت للطالبات الكثير من المعطيات الهامة حول انتشار هذه الظاهرة وسبل مواجهتها من تبليغ وإشعار، موضحةً أن السبيل للحد منها يتطلب تعاضد كل النساء ومحاربتها لنيل حقوقهن. 

 

 

هديل عجمي طالبة شاركت في الندوة، أكدت أنه من غير المعقول انتشار ظاهرة تعنيف النساء في ظل وجود العديد من القوانين التي تحميها وتدافع عليها "يوجد الكثير من مظاهر العنف ضد النساء في تونس سواء من قبل شريكها أو مترجلاً في الشارع تجهله، ومن الجيد تنظيم مثل هذه الفعاليات لتوعية الطالبات بأهمية القوانين التي تحميها في حال تعرضن لأي شكل سواء اللفظي أو الرقمي الذي يمارس عليها عبر مواقع المواقع الاجتماعي من ابتزاز نشر صور أو مكالمات خاصة".