الحجاب قناع السلطة المنهارة في إيران
انتقلت السلطة الإيرانية من مناهضة الاستكبار إلى التفاوض مع الإمبريالية، وجعلت من حجاب المرأة آخر أداة للحفاظ على شرعيتها وقوتها.

شيلان سقزي
منذ تأسيسها، دأبت السياسة الخارجية لإيران على الادعاء بأنها نموذج يُحتذى به في مكافحة مفاهيم الاستكبار والهيمنة ودعم المستضعفين في جميع أنحاء العالم، وتعتبره أعظم قيمة وتحولاً فكرياً للحركة الإسلامية، وجزءً لا يتجزأ من هويتها السياسية الإسلامية، متأصلاً وحتمياً، وفي حين أنها، بصفتها أم العالم الإسلامي، خالفت ذلك بدعمها الشامل للإرهاب بجميع أشكاله، ومحاولة صنع أسلحة نووية وصاروخية، وانتهاك حقوق الإنسان.
ومنذ تأسيسها، دأبت إيران على تبني سياسة خارجية تُمثل نموذجاً يُحتذى به في مكافحة مفاهيم الاستكبار والهيمنة ودعم المستضعفين في جميع أنحاء العالم، وتعتبره أعظم قيمة وتحولاً فكرياً للحركة الإسلامية، وجزءً لا يتجزأ من هويتها السياسية الإسلامية، في حين أنها، بصفتها أم العالم الإسلامي، خالفت ذلك بدعمها الشامل للإرهاب بجميع أشكاله، ومحاولة صنع أسلحة نووية وصاروخية، وانتهاكها لحقوق الإنسان، بعبارة أخرى، كان الركيزة الأساسية لحركة التيار الإسلامي المنتصر في ثورة 1957 هي مناهضة الاستكبار، ويعتقد آية الله علي خامنئي، بصفته قائداً خلال فترة ترسيخها، أنه "إذا لم تكن هناك مكافحة للاستكبار، فهذا يعني أننا لا نتبع القرآن إطلاقاً، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، الشيطان الأكبر والقوة الغربية الناهبة للعالم، هي المثال الأبرز للاستكبار".
ففي خطابه الأخير قبل المفاوضات الأخيرة مع الولايات المتحدة، صرّح آية الله علي خامنئي بوضوح أن التفاوض مع الولايات المتحدة "ليس حكيماً ولا ذكياً ولا شريفاً"، لكن هذا الموقف الصارم على طاولة المفاوضات المباشرة مع الإمبريالية أصبح الآن أحد أسس هوية هذا النظام، والسؤال هو: ما الذي حلّ بمُثُل الفاتحين الإسلاميين حتى قبلوا بهذا التدهور والانحطاط لقيمهم؟ أين ذهبت جميع شعارات الزعيم الإيراني المناهضة للاستكبار؟ هل انقلبت الأمور رأساً على عقب؟ هل حُكم عليهم بالركود الاقتصادي المُحتضر، أم بجرعةٍ من السمّ؟ في ظلّ هذا الوضع المُعقّد والقمع المُتزامن في الداخل، هل يعني هذا أن حجاب المرأة هو الأداة الوحيدة المُتبقية للنظام للحفاظ على قيمه الرمزية؟ هل تُشكّل قضية حجاب المرأة أداة ضغط في البنية السياسية لإيران الإسلامية؟ هل فرضت قيم الثورة الإسلامية المُنهارة نفسها على حجاب المرأة؟ إجابات هذه الأسئلة جميعها تتجاوز نطاق هذا التقرير، لذا سينصبّ التركيز على الجدل المُشتدّ حول حجاب المرأة، والذي يمرّ حالياً بمسارٍ مُضطرب.
الحجاب في عهد الجمهورية الإسلامية رمزاً مناهضاً للإمبريالية والاستعمار
اليوم، لم يعد حجاب المرأة مجرد قضية فقهية للهيكل الأيديولوجي للحكومة الإسلامية في إيران فحسب، بل أصبح أيضاً علامة أو علماً لرؤية القوة الإسلامية التي وصلت إلى السلطة عام 1979، أي أنه كما أصبحت قضية كشف النساء لحجابهن خلال نظام بهلوي رمزاً لتحديث رضا شاه، فقد أصبح الحجاب خلال عهد الجمهورية الإسلامية رمزاً مناهضاً للإمبريالية والاستعمار وفي الوقت نفسه رمزاً لأهمية تطبيق القيم الإسلامية للطبقة الموالية، بالطبع، فشلت جميع مشاريع الرمزية هذه تدريجياً.
من ناحية أخرى، فإن سبب الضغط الحالي الذي يمارسه الثوار الإسلاميون على قضية حجاب المرأة هو أن نشر المبادئ والهوية الإسلامية داخل الجمهورية الإسلامية وخارجها قد فقد أبعاده وأجزائه الرئيسية في هذه العقود الخمسة، فعلى سبيل المثال، انتهت سياسة الاقتصاد الإسلامي إلى فساد واسع النطاق واختلاس فلكي وتضخم غير مسبوق، وفي نهاية المطاف، باءت نظرية تصدير الثورة الإسلامية، وحلم تحرير القدس، والسياسات المناهضة للإمبريالية وأمريكا، ودعم المظلومين بالفشل، مع تدمير القوى العميلة وجبهة المقاومة، والآن، تغيرت وظيفة حجاب المرأة، باعتباره الملاذ الأخير للنظام، وتجاوز النقاش الديني والفقهي، ليصبح مسألة قوة، وأداة ضغط، وهو نوع من الرمز الذي يميز الصديق من العدو.
الحجاب أداة سياسية، وليس مجرد قضية دينية وثقافية.
لذلك، وبالنظر إلى أنه في المرحلة الحالية، حيث تراجعت إيران عن مواقفها القيمية الصارمة واستعدادها للتفاوض مباشرة مع الإمبريالية، وحتى ذكر إمكانية لقاء رئيسي هذين البلدين في السعودية لم يعد محرماً على النظام، كما كان في الماضي، يمكن القول إن الحصن الأيديولوجي والنقاط الحساسة لنظام الجمهورية الإسلامية، مثل الاقتصاد الإسلامي ومكافحة الإمبريالية وجبهة المقاومة، قد انهارت، وأن قضية حجاب المرأة، كنقطة ضعف، هي الورقة الوحيدة المتبقية على الطاولة للحفاظ على السلطة ومنع هاوية تدمير قيم الثورة الإسلامية، ولا يزال الحجاب ركيزة مرئية يُفترض أن تُخفي الهياكل الخطابية المنهارة لإيران أو على الأقل أن تكون مشجعة للقاعدة الاجتماعية للنظام. ولذلك فإن تدخل مسؤولي مجلس الخبراء، باعتباره الذراع الرئيسي لمؤسسة ولاية الفقيه، في قضية حجاب المرأة يشير إلى أن الحجاب أداة سياسية، وليس مجرد قضية دينية وثقافية.
من ناحية أخرى، تخشى الحكومة الإسلامية في إيران من سلوك النساء المخالف للأعراف والمحرمات، لذا، وبانتهاك خصوصيات المرأة، تستخدم كل تكتيك لاستعادة هيمنتها المفقودة، بما في ذلك تطبيق سياسات العقاب والمكافأة، مثل تشجيع الحجاب مع تخفيضات ضريبية، والإعفاء من مخالفات القيادة، والرسائل النصية التحذيرية، وعقد مسيرات حكومية ضد المرأة، والدعاية للتعليم ما بعد الثانوي، بعبارة أخرى، اتخذ حجاب المرأة بُعداً سياسياً للهيكل الحكومي الإيراني في المجال الثقافي كسلاح استراتيجي، بحيث حوّل حجبها وغياب حضورها ونشاطها في المجتمع (مشروع تدجين المرأة وإخضاعها وعزلها بانتمائها إلى إطار المنزل ومهمة الإنجاب الجادة) إلى مؤشر على الولاء للنظام السياسي والديني، أي أن النظام الأبوي في إيران بعد انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" يعتبر الوجود النشط للمرأة تهديداً شاملاً للنظام، ويسعى للسيطرة على المجتمع من خلال استخدام أدوات الهيمنة والإخضاع، لذا، بطرحه مشاريع قوانين تشجع وتعاقب على الحجاب والعفة ضد المرأة، بدأ يطمس جوهر القضية.
فرض الحجاب انتهاك صارخ لحقوق الإنسان
في حين يرى المحامون وعلماء الاجتماع أن مشروع قانون الحجاب والعفة هذا، بما يتضمنه من تجريم للمجتمع وفرض العنف ضد المواطنين، يمثل تدخلاً من الحكومة والدولة في أبسط قضايا الحياة الفردية والحقوق المدنية، كما أنه يعزز الاستقطاب والكراهية داخل المجتمع ويفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية.
ويهدف هذا القانون، الذي يتضمن عقوبات وغرامات باهظة، والسجن، والقيود على العمل والاستبعاد من الأنشطة الاجتماعية والشبكات الافتراضية، وحتى حظر مغادرة البلاد، إلى زيادة مراقبة المواطنين والسيطرة عليهم، ليس فقط في الأماكن العامة، بل وأيضاً في الفضاء الإلكتروني والأماكن الخاصة، وهو مثال واضح على انتهاك الحرية الفردية، وبشكل عام، انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
ثورة "Jin Jiyan Azadî" انتفاضة ضد الأنظمة القمعية
من ناحية أخرى، يُعدّ خلق العنف الممنهج، مثل "عيادة ترك الحجاب" بهدف "العلاج العلمي والنفسي للحجاب"، آخر محاولة فاشلة من إيران لمنع تكرار فشلها، ويمكن القول إن إصدار الحكومة الإسلامية المعادية للنساء لقانون العفة والحجاب كان رد فعل على انتفاضة Jin Jiyan Azadî""، فبعد وقوف السلطة الإيرانية وراء وفاة جينا أميني على يد دورية الأخلاق، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق تحت شعار "Jin Jiyan Azadî" في مدينة سقز وانتشرت في جميع أنحاء شرق كردستان وإيران.
وفي مواجهة موجة الحرية هذه، بدأت الحكومة الإيرانية إجراءات قمعية ضد النساء، وبتطبيق هذا القانون غير القانوني واللاإنساني والعصور الوسطى، تسعى إلى تأليب المواطنين على بعضهم البعض، في حين أن الحجاب ليس سوى جزء من فلسفة Jin Jiyan Azadî""، ولهذا الشعار أهداف أسمى.
هل تفشل إيران في سياساتها الداخلية؟
ومن أهم السياسات الداخلية لإيران نزع الطابع السياسي عن جميع المجالات، حتى تلك ذات الجذور والأسس السياسية، ففي إيران، لا تُفصل أي ظاهرة عن السياسة، ومن الخطابات الأخرى التي استُخدمت طوال هذه العقود الخمسة سياسة تخويف الناس من الثورة والتقليل من شأنها وتهميشها، وشكّل الإصلاحيون والمشاهير والنسويات 90% من الجهات التنفيذية في هذا الخطاب، ومن الأمثلة على ذلك سعيهم إلى حل مشكلة حجاب المرأة بزهور النرجس البري، وشرائط حول أعناقهن، وأوشحة ملونة ومزهرة، ومن ناحية أخرى، في الخطة العشرينية الثانية، التي حددت رؤيةً لها على مدى عشرين عاماً في عام 2005، أشارت إلى مناهضة الاستكبار وتصدير الثورة الإسلامية باعتبارها "مصدر إلهام للعالم الإسلامي".
في هذه الوثيقة، المقرر صدورها عام ٢٠٢٥، كان من المفترض أن تكون إيران دولة متقدمة، قائمة على مبادئ وقيم الثورة الإسلامية، ذات مكانة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية رائدة في المنطقة، ذات هوية إسلامية ثورية، ومُلهمة في العالم الإسلامي، إلا أننا نرى أن شيراز وجميع مرتكزات أهدافها الإسلامية قد فشلت، وأن البنية القيمية للدولة التي أرادت أن تُقدم نفسها كقطب مهم في الساحة الدولية تُفاوض لا تُقاتل.
المرأة الإيرانية مصرة على تحقيق إنجازات تضمن حقوقها
يمكن الاستنتاج أنه مع هزيمة السلطة الإيرانية في سياساتها الداخلية والخارجية، تُمارس حساسية وسيطرتها الشاملة على حجاب المرأة، باعتباره آخر بقايا النظام، بهدف المناورة للحفاظ على سمعة النظام القائم على الشريعة الإسلامية وترسيخ سلطته المتزعزعة، وذلك بهدف ما يُسمى ضمان بقائها في ظل الوضع الراهن الذي فشلت فيه المشاريع الاقتصادية الإسلامية والأنشطة المقاومة في المنطقة.
إلا أن انطلاق انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" أحدث شرخاً كبيراً في الهياكل الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية والقيم الأبوية للمجتمع، لدرجة يصعب معها تصور أن النساء على استعداد للسماح بعودة الإنجازات الحالية، التي دفعت ثمناً باهظاً مقابلها.