الاعتداءات الجنسية والسخرية والاغتيال... عداء ممنهج ضد المرأة الأفغانية

في أفغانستان اليوم، أن تكوني امرأة لا يعني فقط محاربة التقاليد الأبوية المتجذرة، بل يعني أيضاً النجاة من عنف الجماعات الأصولية الصارخ، هذا العنف ليس جسدياً فحسب، بل نفسياً أيضاً، مُهيناً، وأداةً للقمع المنهجي لوجود المرأة في المجتمع.

بهاران لهيب

كابول ـ الجرائم ضد المرأة في أفغانستان ممنهجة، متجذرة في الهياكل السياسية، وتتميز بأصولية متطرفة اتخذت شكلاً أكثر مؤسسية منذ غزو الاتحاد السوفييتي عام ١٩٧٨.

صحيح أنه في عصور ما قبل التاريخ، كان هناك ملوك على رأس الحكومة، لم يفكروا إلا في مصالح بلاطهم وسلطتهم، ولم يُبذل أي جهد خاص لحقوق المرأة، ولكن مع ذلك، بالمقارنة مع اليوم، تمتعت النساء والشعب الأفغاني بحريات نسبية، كان التحدي الوحيد الذي واجهته المرأة هو هيمنة الثقافة الأبوية.

لكن لأكثر من أربعة عقود، وإلى جانب الأفكار الأبوية، استغلّ الأصوليون، بمن فيهم طالبان والجماعات الجهادية، الفرصة لقمع النساء بشكل ممنهج باسم "الثقافة الأفغانية" وقناع "الإسلام"، واليوم، في أسواق كابول، تتعرض النساء، خاصةً راكبات الدراجات النارية، للسخرية والإذلال، حيث يرشّ عناصر طالبان، المتمركزون على جوانب الطرقات، الماء القذر على النساء لإخافتهن، وتعتقد الكثير منهن أن حمضاً قد أُلقي عليهن، فيُلقين بأنفسهن من دراجاتهن النارية ويصرخن في رعب، لكن بعد دقائق، وعند سماع ضحكاتهم الصاخبة، يدركن أن هذه مجرد لعبة مهينة للسخرية من النساء.

تاريخ رمي الحمض على وجوه النساء في أفغانستان ليس بالبعيد، لكن جذوره تعود إلى المقاومة ضد الاتحاد السوفييتي؛ عندما كان غلبدين حكمتيار، الشخصية الجهادية التي دعمتها الولايات المتحدة وباكستان والسعودية، يمتلك سجناً خاصاً به للتعذيب في باكستان، وقد اختطف وقتل العشرات من المثقفين.

شكّلت لجنة بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والحكومة الباكستانية وغلبدين حكمتيار، كانت مسؤولة عن اعتقال المثقفين الأفغان وتحديد مصيرهم؛ وكان القرار النهائي يقع دائماً على عاتق غلبدين حكمتيار، الذي كان يصدر في معظم الحالات حكم الإعدام.

في المناطق التي سيطرت عليها قوات غلبدين حكمتيار خلال حرب المقاومة ضد الاتحاد السوفييتي، تعرضت النساء المتعلمات واللواتي لم يرتدين الزي الإسلامي، لهجمات بالأحماض، وبين عامي ١٩٩١ و١٩٩٧، خلال الحروب الأهلية وحكم الجهاديين، لعب غلبدين حكمتيار دوراً مباشراً في المجازر المرتكبة بحق المدنيين، ففي يوم واحد، أُطلق أكثر من ألف صاروخ من إحدى مناطق كابول، لذلك أطلقت النساء عليه لقب "غلبدين حكمتيار، قاذف الصواريخ ورامي الأحماض"، نظراً لكثرة الهجمات بها في عهده.

وعن ذلك، قالت غلغوتي ناصري، امرأة من كابول "في أحد الأيام، كنتُ أنا وزوجي نركب دراجة نارية لزيارة أحد أقاربنا، في أحد أحياء المدينة، لاحظتُ فجأةً شيئاً ما يتناثر على وجهي، لذلك شعرتُ بالقلق، فخلعتُ حجابي، ومسحتُ وجهي، وصرختُ، وعندما أدركتُ أنا وزوجي أنها مجرد مياه قذرة، رأينا فتىً من طالبان يحمل مسدساً في يده وزجاجة مياه قذرة في الأخرى، بعد أن رأى خوفي، ضحك بصوت عالٍ وسخر مني".

تروي امرأة أخرى، تُدعى شكيلا شمس "كنت انتظر سيارة على جانب الطريق عندما مرّ اثنان من مسلحي طالبان على دراجة نارية ورشّوا عليّ ماءً قذراً، وبمساعدة أحد المارة، غسلت وجهي بماء نظيف، ظننتُ أنه حمض، كان جسدي كله يرتجف من الخوف، ثم أدركتُ أنهم يقفون هناك يراقبونني".

وأضافت "لا أتوقع شيء جيداً من طالبان والجهاديين، لقد رسّخ لديهم معلمهم غلبدين حكمتيار، ثقافة إلقاء الحمض على المدنيين، وهؤلاء هم من يواصلون مسيرته، عندما رأيتهم يقفون هناك بسرور ويشاهدون وضعي، امتلأ جسدي كله بالكراهية، لكنني حاولت إخفاء خوفي، لأنهم يستمتعون بالخوف الذي يزرعونه فينا نحن النساء ويريدون الحد من وجودنا في المجتمع".

ما يحدث للنساء الأفغانيات اليوم نتيجة سنوات من الصمت، وسياسات دولية خاطئة، وصمت عالمي في وجه العنف الممنهج الذي ينظر إلى النساء كأعداء غير مرئيين للنظام الأصولي، ونضال المرأة الأفغانية ليس من أجل الوجود في المجتمع فحسب، بل من أجل البقاء أيضاً، سيأتي وقتٌ يُختتم فيه هذا النضال بحرية حقيقية؛ ولكن حتى ذلك اليوم، يجب أن تُسمع أصواتهن أعلى من أي وقت مضى، ليشهد التاريخ على الظلم والمقاومة.