أفغانستان تحت حكم طالبان... تفكيك النظام الاجتماعي واستهداف النساء

في أعقاب تخفيضات الرواتب وموجة جديدة من فصل الموظفين في الهيئات الحكومية الأفغانية، خاصةً بين النساء، يُطرح سؤال إلى أين سيتجه مستقبل الهيكل الاجتماعي والاقتصادي للبلاد في ظل هذه القرارات؟

بهاران لهيب

أفغانستان ـ يعد أفغانستان بلد زراعي، ويُعتبر حالياً، وفقاً لبعض الباحثين، دولة إقطاعية وشبه برجوازية وشبه استعمارية من الناحية الاجتماعية، خاصة بعد سيطرة طالبان والأصوليين الجهاديين على كامل البلاد وعلى النظام الاجتماعي؛ التي باتت قوى تستنزف دماء الناس، خاصةً النساء.

بسبب الظروف الاجتماعية الحالية، لم يبقَ سوى عدد قليل من المصانع في المدن الكبرى، وهي تعمل في مجالات إنتاج المشروبات الغازية، الأحذية البلاستيكية، وصناعة الأدوات الحديدية، فقبل الانقلاب عام 1979، كانت هناك مصانع لإنتاج الأسمنت، النسيج، وأدوات أخرى صغيرة، لكن هذه المصانع تعرضت للنهب خلال الحرب، وتم تدمير مبانيها.

في ظل هذه الظروف، تعمل فئة من الناس في الزراعة، لكن الفيضانات والعواصف والجفاف غالباً ما تُدمر محاصيلها، ومع ذلك، خلال العشرين عاماً الماضية، عمل جزء كبير من المتعلمين والمثقفين الأفغان في الدوائر الحكومية وقطاعات مختلفة، معظمهم في وظائف التدريس أو كموظفين حكوميين، واجه بعضهم صعوبة في العثور على عمل بعد التخرج، لأن فرص العمل آنذاك كانت تُمنح بناءً على المال أو تقدير ذوي المكانة الرفيعة بدلاً من الكفاءة.

ومع وصول طالبان إلى السلطة، تغير النظام الاجتماعي بأكمله فجأة، وبات موظفو الحكومة في وضع سيء، فقد فُصلت معظم النساء من العمل، ولم يُسمح إلا لقلة منهن في قطاعي الصحة والتعليم بمواصلة عملهن، ورغم تخفيض رواتبهن إلا أنهن يعتبرنها أفضل من أن يتم فصلهن نهائياً عن العمل.

وفي جميع الدوائر الحكومية، عيّنت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشخاصاً لتدريس العلوم الدينية للموظفين، قائلين "خلال عشرين عاماً من وجود الكفار، انحرف شعب أفغانستان عن دينه، والآن يجب عليهم تعلم الدين"، وقد اعتبر موظفو الحكومة هذا السلوك مهيناً، إضافةً إلى ذلك، عُقدت اختبارات دينية عدة مرات، بحيث يُفصل من يفشل فيها.

في قطاع الأمن بالبلاد، فصلت حركة طالبان جميع موظفي الحكومة السابقة واستبدلتهم بأشخاص تابعين لها لمواصلة عملهم، ولم تنتهِ عملية الفصل عند هذا الحد، ففي الأشهر الأخيرة، لم يقتصر الأمر على عدم دفع رواتب الموظفين فحسب، بل طُرد أيضاً عدد كبير منهم خاصة النساء من قطاع التعليم وبعض الرجال، حيث يشعر الكثيرون بالارتباك والإحباط، ويرون مستقبلهم في ظل حكم طالبان قاتماً.

وقد صدر أمر تخفيض الرواتب وفصل الموظفين في مطلع عام 2025 بأمر من زعيم طالبان هبة الله أخوند زاده، ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام المحلية الأفغانية، أُرسل الخطاب رقم 5377/717 إلى وزارة المالية، يأمر بتخفيض الرواتب وفصل الموظفين، ووفقاً لأحدث الإحصاءات المنشورة، طُرد 92 موظفاً في رياض الأطفال مع أطفالهم.

وحول مخاوف المعلمين من فقدان وظائفهم، قالت ريحانة ريحان، مُعلمة في إحدى مدارس كابول "أنا مُعلمة فتيات دون الصف السادس، زوجي موظف في إحدى الدوائر العسكرية، نشعر بالقلق حيال كيفية توفير نفقات معيشة أطفالنا الخمسة في حال فصلنا من العمل".

بدورها، قالت أريانا نواب، مُعلمة أخرى في إحدى مقاطعات كابول "لقد سئمت من هذا الوضع، أعيش في خوف دائم من أن أُفصل من العمل، أنا المعيلة الوحيدة لأسرتي، وإذا فُصلت، فسأضطر للعودة إلى منزلي كغيري من النساء".

ولا يختلف ياسمين يار، أم لأربعة أطفال، في منتصف العمر، قُتل زوجها في هجوم انتحاري قرب وزارة الدفاع قبل أن تسيطر طالبان على السلطة، عن غيرها من النساء الموظفات في أفغانستان، قالت "بعد وفاة زوجي، عملت عاملة نظافة في مكتب حكومي لإعالة أطفالي، بالطبع، كنت أتقاضى راتب شهرين أساسيين؛ واصلت العمل رغم آلاف المخاوف والتهديدات، لكنني الآن على قائمة المفصولين، مهما قلتُ لرئيس القسم إنه ليس لدي معيل أو مصدر دخل أخر، تجاهل نداءاتي ونعتني بـ "الكافرة" بغضب وطردني من المكتب".

تسعى هؤلاء النساء وغيرهن للإطاحة بحكومة طالبان، ويرَين أملهن الوحيد في احتجاجات النساء داخل البلاد وخارجها.

ويُعدّ الوضع الراهن في أفغانستان، خاصةً للنساء، مؤشراً على تزايد الاستبداد والتمييز الهيكلي والأزمة الإنسانية، فطالبان لم تُعطّل النظامين التعليمي والاقتصادي فحسب، بل دفعت النساء أيضاً إلى حافة الفناء الاجتماعي بقمعهن الممنهج لحقوقهن، وفي ظلّ هذه الظروف، لا يبقى في قلوب النساء سوى بصيص أمل في المقاومة المدنية وصوت الاحتجاج، وهو أمرٌ يجب أن يُوليه المجتمع الدولي اهتماماً جدياً.