أفغانستان... بلادٌ تُعتبر فيها المرأة جريمة في ظل طالبان

في أفغانستان، حوّل تحالف النظام الأبوي مع الأصولية حياة النساء إلى ساحةٍ للعنف والموت، وفي ظل حكم طالبان، ازدادت حالات الانتحار وجرائم الشرف بشكل غير مسبوق، وأبقى صمت المجتمع هذه المأساة طيّ الكتمان.

بهاران لهيب

بروان ـ للحكم الأبوي في أفغانستان جذورٌ عميقة في تاريخ البلاد، حيث يرتبط هذا النظام بالأصولية الدينية، ونتيجةً لذلك، ازدادت حدة القمع ضد النساء والفتيات المراهقات بشكل ملحوظ، ولا تجدن سبيلاً للنجاة من العنف سوى الانتحار، فبدلاً من دعمهن، تُساهم الأسر والمجتمع أحياناً في القضاء عليهن بالصمت أو حتى بتشجيعهن على الموت.

تُظهر العديد من التقارير والإحصاءات من جميع أنحاء البلاد أن العديد من النساء يتعرضن للقتل، وقد تفاقم هذا الوضع خلال حكم طالبان، لأن هذه الجماعة ليست فقط مناهضة لحقوق المرأة، بل تُعدّ أيضاً عاملاً مباشراً في اضطهادها، وتُبرَّر العديد من جرائم القتل بـ "لحظة غضب" و"الشرف".

فقبل عودة طالبان إلى السلطة، وبتعاون ناشطات حقوق المرأة، أُنشئت ملاجئ آمنة في بعض المحافظات، خاصة في كابول، تحت مظلة وزارة شؤون المرأة، لجأت النساء اللواتي كانت حياتهن في خطر إلى هذه الملاجئ، لكن العنف استمر.

ووفقاً للتقرير السنوي الصادر عن "اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان" عام ٢٠١٨، حاول قرابة ٣٠٠٠ شخص الانتحار في جميع أنحاء البلاد، كما أعلنت إدارة الصحة في هرات عام ٢٠١٧ أن ١٨٠٠ شخص حاولوا الانتحار، من بينهم ١٤٠٠ امرأة، توفي ٣٥ منهن، وفي عام ٢٠٢٣، أظهر تحقيق مشترك أجرته صحيفة "وومنز تايمز" وصحيفة "الغارديان" في ولاية هرات ارتفاع معدلات الانتحار، لا سيما بين النساء، وعُزيت الأسباب الرئيسية لهذا التوجه إلى الفقر والبطالة وحرمان النساء من التعليم والعمل، وفي هذا العام وحده، سُجلت ١٢٣ حالة انتحار في هرات، منها ١٥ حالة وفاة بين النساء.

وفقاً لتقرير صادر عن مسؤولي الصحة النفسية في هرات، حاولت قرابة 90% من النساء الانتحار بين عامي 2021 و2022 تحت ضغط قيود طالبان، وكان عدد الوفيات بين النساء أعلى من عدد الوفيات بين الرجال.

كما أفادت صحيفة "الصباح" في منتصف عام 2024 أن 130 امرأة في 27 ولاية انتحرن خلال السنوات الثلاث الماضية، ونظراً لسيطرة طالبان على المناطق النائية وانعدام حرية التعبير والإعلام، فمن المرجح أن يكون العدد أعلى.

ووفقاً لذات التقرير، انتحرت 8 نساء في عام 2021، وفي عام 2022، انتحرت 52 امرأة، وفي عام 2023، انتحرت 52 امرأة، وفي أوائل عام 2024، انتحرت 18 امرأة، وشملت أساليب الانتحار هذه الشنق، وإطلاق النار، وتناول سم الفئران، وإشعال النار في أنفسهن، والقفز من المرتفعات، وفي البحر.

وفي مقابلة مع نازيا وفا، عاملة صحية في مستشفى بروان الإقليمي، كُشف عن استقبال العديد من حالات العنف والانتحار بين النساء في المراكز الصحية يومياً، وقالت "معظم هؤلاء النساء ضحايا عنف أسري، لكن الحقيقة عادةً ما تُخفى لأسباب مثل الخوف من المشاكل النفسية أو اتهام بالعلاقات غير الشرعية، ويفلت المتهمون من العقاب بسهولة".

وصفت نازيا وفا إحدى هذه الحالات بالقول "زينب نواب، فتاة تبلغ من العمر 22 عاماً تعرضت للإساءة من قبل حماتها، وفي أحد الأيام، كانت تخبز الخبز عندما صفعها زوجها على الحائط بسبب طعم طعامها، ورداً على هذا العنف أقدمت على الانتحار بتناول السم، وتوفيت بعد سبعة أيام في المستشفى، كانت آثار الضرب ظاهرة في جميع أنحاء جسدها".

تحدثت نازيا وفا عن قصة أخرى "حاولت فتاة في الصف الحادي عشر في مدرسة تُدعى مدينة علي، والتي حُرمت من الذهاب إلى المدرسة بسبب حظر طالبان للتعليم، الانتحار بعد ضغوط عائلية متكررة، بقيت على قيد الحياة لمدة ثلاثة أيام في المستشفى وتوفيت في النهاية"، مؤكدةً "نشهد يومياً من ثلاثة إلى خمسة أشخاص يحاولون الانتحار، وبدلاً من التحقيق في أسباب هذا الوضع، تُلقي طالبان باللوم على العاملين في مجال الصحة وتضغط عليهم".

العنف ضد المرأة في أفغانستان ليس أزمة اجتماعية فحسب، بل هو أيضاً كارثة إنسانية تودي بحياة مئات النساء يومياً، مع استمرار حكم طالبان، التي لا تعترف بحقوق المرأة فحسب، بل هي أيضاً أداة قمع، تتفاقم هذه الأزمة يوماً بعد يوم، وبات هناك حاجة ماسة إلى أن تتخذ المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والناشطات النسويات والنساء الواعيات، إجراءات فعّالة لدعم المرأة الأفغانية.