"لبنان على مفترق طريق"... ندوة رقمية تسلط الضوء على الأزمات الداخلية والتأثيرات الخارجية
نظم حزب الخضر النروجي ندوة رقمية تحت عنوان "لبنان على مفترق طريق" سلطت من خلالها الضوء على التداخل بين الأزمات الداخلية والتأثيرات الخارجية، إلى جانب تحليل انعكاساتها على المجتمع اللبناني.

سوزان أبو سعيد
بيروت ـ شددت المتحدثات في الندوة على أن لبنان يواجه أزمة حادة متعددة الأبعاد تشمل تصاعد الفقر، والبطالة، وانعدام العدالة الاجتماعية، في ظل نظام طائفي يعرقل الإصلاح ويكرّس التمييز الطائفي في مؤسسات الدولة، كما تم التأكيد على أن عدم استقرار لبنان لا يشكل تهديداً داخلياً فحسب، بل يمثل خطراً إقليمياً ودولياً في سياق تصاعد الحرب على غزة وتداعياتها.
نظم حزب الخضر النروجي ندوة رقمية تحت عنوان "لبنان على مفترق طريق" بمشاركة حوالي 50 ناشطاً سياسياً وبيئياً من النرويج، لبنان، سوريا وتركيا، تم التطرق خلال الندوة إلى الجذور التاريخية، والتفاعل بين التحديات الداخلية والتأثيرات الخارجية، وآثارها على المجتمع اللبناني، بالإضافة إلى تقديم مبادرات مدنية جديدة تسعى إلى بناء لبنان أكثر وحدة واستدامة وتقديم فاعلين جدد، وأحزاباً تتحدى النخب الراسخة، وتعمل على سدّ الفجوات العميقة وبناء لبنان أكثر وحدةً واستدامة.
وفي البداية قالت عضو اللجنة الدولية لحزب الخضر النرويجي سيندي روبلز "تعقد هذه الندوة كون لبنان خلال هذه الفترة عند مفترق طرق بين الصراعات الداخلية والديناميكيات الإقليمية وسبل التضامن الدولي"، مشيرةً إلى أن لبنان تمتع بموقع استراتيجي فهو مكان تتقاطع فيه العديد من المصالح الإقليمية، ولاستقراره أو عدم استقراره آثار متتالية تتجاوز حدوده بكثير، كما أنه يواجه في الوقت الحالي أزمة حادة، حيث يتزايد الفقر والبطالة، وبالمقابل يتزايد عدد الأشخاص الذين ينهضون في المقاومة المدنية، مطالبين بالتغيير وجعل الأمور أكثر تعقيداً بعض الشيء.
ولفتت إلى أن لبنان عالق في خضمّ تصاعد الحرب على غزة، التي اتسمت بالدمار والنزوح الجماعي، وقد دفعت العديد من الجهات الدولية الفاعلة إلى وصفها بأنها إبادة جماعية محتملة، كما أنها لا تزال تُسبب بتداعيات كبيرة.
وأكدت أنها ليست مشكلة إقليمية فحسب بل مشكلة عالمية، لذا فإن عدم استقرار لبنان يهدد السلام الأوسع في الشرق الأوسط، ويساهم في أزمة إنسانية خطيرة تتطلب استجابات دولية منسقة، ولهذا السبب يُعدّ التضامن من دول مثل النرويج أمراً بالغ الأهمية، وهذا يعني الدفاع بحزم عن القانون الدولي، ودعم حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة.
وفي مداخلتها، تطرقت الدكتورة حليمة قعقور إلى الأزمة الداخلية في لبنان والمعوقات الطائفية أمام الإصلاح، والتكلفة البشرية للانهيار الاقتصادي، وتصاعد المقاومة المدنية قائلة "جميع الأنظمة في العالم تختلف عن النظام التوافقي في لبنان، فحقوق الإنسان مبنية على الحقوق الفردية فلكل فرد الحق في ضمان المساواة بين الجميع، بينما نحن نعطي الحق للجماعة، كالسنة، والمسيحيين، والشيعة، وكل فئة حسب حجمها تحصل ليس على حقوق بل على امتيازات".
وأكدت أن "هذه الميزات أدت إلى تشكيل ائتلاف كبير وحكومة وإدارة عامة، وجميع الحكومات التي حصلنا عليها في تاريخ لبنان كانت مقسمة بين الطوائف والمذاهب، وعلى الرغم من أن العديد من بنود الدستور اللبناني، مثل 95 أو 22 تشير إلى كيفية إلغاء هذا النظام الطائفي، ولكن لم يتم التنفيذ أو إلغاء هذا النظام الطائفي، وهي بالتالي أمور متناقضة، وكذلك من يتبوأ وظائف الدرجة الأولى، فجميع الوظائف والرتب موزعة بين الطوائف مما يقضي على مبدأ الجدارة لذا فإننا ننتهك الدستور".
وأشارت إلى أن "هناك من يُطلق على جميع هذه الممارسات اسم العرف الدستوري، لكن هو لا يُسمى عرفاً بل ممارسة، لأن العرف لا يمكن أن يتعارض مع نص الدستور نفسه، لذا فهو ليس ديمقراطياً بل ويتعارض مع حقوق الإنسان والمساواة وحتى مع أي إصلاح، ونحن الآن ومنذ خمس سنوات نناقش قانون استقلال القضاء، وهذا القانون مُعطّل في اللجان النيابية، وإذا احتجنا لانتخاب بعض القضاة أو جميعهم، فستكون هناك مشكلة، كيف يُمكننا ضمان توزيع الطوائف داخل القضاء؟ هذا يُعيق جميع الإصلاحات التي نحتاج إلى تطبيقها في لبنان".
وحول وضع النساء قالت "عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة هناك العديد من المشاكل الطائفية، منها مؤسساتية، فالمؤسسات الدينية هي المتحكمة في هذا، على سبيل المثال لا تستطيع المرأة اللبنانية منح جنسيتها لأطفالها، وحتى في العديد من الأزمات اللبنانية تفاقمت التوترات الداخلية المتعلقة بتقاسم السلطة بسبب جهات خارجية مرتبطة بموقع لبنان في المنطقة، فهي تحالفات تدخل في الصراع العربي الإسرائيلي، وانقسامه الداخلي حول القضية الفلسطينية، ومؤخراً علاقته بالنظام السوري أو النظام العراقي أو النظام السعودي".
وأكدت أنهم بحاجة إلى بناء دولة، ولكن أي نوع من الدولة؟ "يجب أن تكون دولة علمانية وأن تكون محايدة دينياً، وأن تضمن المساواة بين المواطنين، وحتى الأحزاب طائفية وعندما يكون الرئيس قوياً في أحد هذه الأحزاب، تضعف سيادة القانون والمؤسسات لأنها فوق القانون، وحتى على مستوى البلدية فالأزمة في لبنان هيكلية ومنهجية فهو أحد أكبر الاقتصادات التي تُركّز السلطة والثروة وفقاً لوجهة نظر وسلطة الرئيس وحتى عندما نتحدث عن العدالة الاجتماعية فهي مذكورة في مقدمة الدستور اللبناني، ونحن بعيدون كل البعد عن تحقيقها، ومن جهة ثانية لدينا أزمة هوية في انتماءات المذاهب المختلفة للخارج، فإذا لم نُوفّر للمواطنين حقوقهم، فلن يشعروا بالانتماء للدولة".
وسلّطت النائبة في البرلمان النرويجي سيغريد هايبرغ الضوء على ما ينبغي على النرويج والمجتمع الدولي ككل فعله لدعم القانون الدولي في المنطقة، بما في ذلك اتخاذ موقف واضح من الصراع العربي مع القوات الإسرائيلية، وتطرقت إلى جهود النرويج من أجل السلام ودعمها الإنساني، بالإضافة إلى المواقف السياسية لحزب الخضر في الشرق الأوسط، مؤكدة على أهمية وجود اتحاد وطني يجمع جميع المواطنين ومكونات المجتمع للوصول إلى سلام حقيقي.
وأوضحت أن الوضع الحالي لجهة التصعيد في الشرق الأوسط خطير للغاية، مع قيام القوات الإسرائيلية بالحروب مع معظم جيرانها، حول النفط والطاقة والمياه والمصادر "اتفقنا على الورق بالتعاضد الدولي واحترام الحدود وحقوق الإنسان للحفاظ على السلام لكن لم يتم تطبيقه على أرض الواقع".
وأشارت إلى أنه "بينما يتم الإنفاق على الدفاع، ليس هناك سياسة طويلة الأمد للمواطنين منها مثلاً تأمين المياه خلال العشر سنوات المقبلة لشعبنا، ومن جهة أخرى فالإبادة المستمرة في غزة والضفة الغربية من قبل القوات الإسرائيلية أمر مقلق للغاية، ويخالف كل القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان، وكذلك الحرب بين القوات الإسرائيلية وإيران هي خرق للقوانين الدولية، لذا يجب أن نضغط وبشكل طارئ لتطبيق القوانين الدولية وهو واجب على بلدنا النرويج".
وأكدت أن حزب الخضر النروجي دعا للانسحاب من الحرب "نطمح لتطبيق أشمل في ظل الوضع الحالي، وخصوصا دعم لبنان في مسيرة الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأكاديمي عبر المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وكذلك الشراكة كحزب خضر نرويجي مع حزب الخضر اللبناني، وأؤمن بشبكة دعم وصمود دولية للوصول إلى الإصلاحات المطلوبة وفي كافة المجالات للوصول إلى السلام".