تخيط نساء كوباني تراثهنَّ بأيديهنَّ

للملابس الكردية الفلكلورية تصاميم وألوان زاهية وإبداع يحاكي تاريخ المنطقة وهوية الشعب، وللحفاظ عليها من الضياع تسعى النساء في شمال وشرق سوريا إلى خياطتها بأناملهنَّ.

نورشان عبدي

كوباني ـ تعمل النساء في مقاطعة كوباني بإقليم الفرات في شمال وشرق سوريا، في كافة المجالات الحياتية من ضمنها الأشغال اليدوية والحياكة والتطريز بهدف حماية ثقافة وتراث مدينتهن والمحافظة عليها من الاندثار عبر الأجيال.

يعتبر الزي الفلكلوري لكل من المكونات أو الشعوب جزءاً أساسياً من هويتهم وثقافتهم وتراثهم، لذا تسعى المرأة للحفاظ على هذه الثقافة والتراث من الاندثار من خلال عملها وارتباطها بهويتها.

تشتهر مدينة كوباني بالعديد من الثقافات ومن بينها الزي الكردي الخاص بالنساء، ذلك الزي الذي يمثل كل امرأة كردية، فعندما ينظر المرء إلى الزي والألوان التي ترتديها النساء يستطيع التعرف على المنطقة التي تتبعن لها وتراثها وثقافتها فهن من تمثلن هوية مدينتهن.

 

"أعلم ابنتي مهنتي لحماية ثقافتنا"

حول عملها وشغفها بمهنة الخياطة والتطريز، تقول شارا محمد عيسو (50) عاماً "تعلمتُ مهنة الخياطة من خالتي منذ أن كنتُ في السابعة عشرة من عمري، رغبتي المُلحة في التعلم دفعتني للعمل في هذه المهنة، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لا زلت أعمل بحياكة وتطريز الزي الكردي الفلكلوري".

وأشارت إلى أنه هناك العديد من النساء ضمن عائلتها تعملن على خياطة الزي الفلكلوري للحفاظ على التراث الكردي من الاندثار، ونشر ثقافة ارتدائه بين النساء "بالرغم من كبر سني لا أستطيع التخلي عن مهنتي، لأنني أحب هذا العمل وأريد الحفاظ على ثقافتنا، بالرغم من الصعوبات التي تواجهنا أثناء العمل فهو يحتاج دقة ويؤثر على شبكة العين".

وأضافت "هذا الزي يمثل ثقافتنا وهويتنا الكردية وقد ورثناه من جداتنا اللواتي كن ترتدينه في كافة الأوقات أثناء العمل في المنزل وخارجه، ولكن نحن اليوم نرتديها فقط في المناسبات الخاصة، من أجل ذلك يجب على النساء والأمهات الاستمرار بارتداء هذه الملابس من أجل تعريف الأجيال القادمة بها، لذا علمت ابنتي وزوجة ابني عليها، لتتناقلها الأجيال كما نقلتها أمهاتنا وجداتنا لنا منذ أعوام".

والملابس الكردية لا تختلف من ناحية الموديلات والتصاميم إلا أن الاختلاف يكمن في الألوان ونوعية القماش، الزي الكردي الفلكلوري له أنواع عديدة، فالنساء المتقدمات في السن تفضلنَّ الفساتين الفضفاضة والتراثية، أما الفتيات تطلبنَّ وضع لمسات عصرية في الخياطة "لكل منطقة وشعب ومكون ثقافة وتاريخ وتراث، وكذلك الحال بالنسبة لمدينة كوباني، وما يميزها هو الزي الكردي زاهي الألوان والمزركش".

وعن تطريز الثوب تقول "هناك أنواع وأشكال عدة للتطريز، فمثلاً الخفتان نطرز عليها نقشة الكوب من الأمام وكذلك أسفله، والفساتين ننقش عليها نقش الورود في أسفله وعلى كامل الثوب بشكل عشوائي".

وإلى جانب الحفاظ على التراث والثقافة تؤمن شارا محمد عيسو من خلال ممارسة مهنة الخياطة احتياجات منزلها لتشارك في إعالة أسرتها.

 

"سأستمر العمل بمهنتي لأحافظ على ثقافتنا من الاندثار"

من جانبها تقول باكرة سنجار البالغة من العمر 48 عاماً، أنها ومنذ 30 عاماً وهي تعمل في مهنة الخياطة "تعلمت هذه المهنة من والدتي، ولأنني أحببتها أردت العمل بها، لذا وأنا في الخامسة عشر من عمري عملت في ورشات خياطة".

وأشارت إلى أن هذه المهنة ومع مرور الأيام أصبحت مصدر دخل لها لإعالة أسرتها، لافتةً إلى أن غالبية نساء كوباني تعملن في مهنة الخياطة "أحب العمل بحياكة وقص الأقمشة أكثر من أي شيء آخر، لن أتخلى عن مهنتي أبداً"، لافتةً إلى أنها تعمل صباحاً في دار المرأة وفي ساعات المساء تعمل على خياطة الملابس.

وفي يومنا الحالي هناك إقبال على خياطة الزي الفلكلوري الذي يُمثل التراث الكردي، وللزي الكردي الفلكلوري في كوباني نوعان منه ما ترتديه النساء في المنازل، والآخر تلبسه في المناسبات والأعياد القومية "الزي الخاص بالأعياد يتكون من فستان ذو أكمام طويلة تُسمى "الخلجك" والقفطان، ويُحاك بعدة طرق على الماكينات والإبر اليدوية، ومنها تُطرز بخيط التطريز، وتُزين بالخرز وغيرها من الكلف بالإبرة".

وأوضحت أنها إلى جانب الحفاظ على ثقافة المنطقة تؤمن من خلال هذه المهنة قوت عائلتها، وعن ضرورة الحفاظ على التراث وتناقله بين الأجيال، تشير إلى أن "الزي الكردي تراث عريق، وبدورنا نعمل على نشر ثقافة ارتداء الملابس التراثية، وحمايتها من الزوال والاندثار، لأن الحفاظ عليها هو بمثابة الحفاظ على الهوية والأصالة في المجتمع".

وعن الصعوبات التي تواجهها تقول "أواجه العديد من الصعوبات خلال عملي منها انقطاع الكهرباء إثر قطع الاحتلال التركي مياه نهر الفرات وعدم منح سوريا حصتها من المياه، فأنا أعمل في المنزل وليس لدي مولدة كهربائية، لذا أنتظر حتى ساعات المساء في انتظار موعد تشغيل المولدات الكهربائية العامة، وهو ما يؤثر على الرؤية، فالعمل في الليل يؤلم العينين كما أن الجلوس لوقت طويل للانتهاء من خياطة الملابس يؤلم الظهر والكلى، ولكن بالرغم من ذلك أسعى لنشر ثقافتنا وحمايتها من الاندثار".