الفن في زمن اللجوء... كيف يحمي أهالي مخمور ذواتهم بالألوان
يُجسد مخيم مخمور نموذجاً للمقاومة والصمود رغم الحصار والهجمات، حيث نشأ فيه جيل موهوب عبّر عن معاناته وآماله من خلال الفن، وتبرز قصة الرسامة آخين تونج مثالاً حياً على الإبداع في وجه التهميش.
بيريفان تونج
مخمور ـ في عالمٍ يضج بالفساد والحروب والأزمات والفوضى، يظل الفن ملاذاً آمناً يلجأ إليه الإنسان ليملأ فراغ قلبه، ويطهر روحه من شوائب الألم، ويُثبت التاريخ أن الإنسان لطالما احتمى بالفن، غذّى روحه به، وبحث من خلاله عن ذاته وهويته في عالمٍ ساحرٍ لا يعرف الحدود.
مخيم الشهيد رستم جودي، الذي أُقيم قبل 27 عاماً بعد رحلة لجوء طويلة وشاقة، نشأ في سهل مخمور عند سفح جبل قنديل، وسط بيئة قاسية، سكانه بدأوا حياتهم من الصفر، في ظروف بالغة الصعوبة، ليؤسسوا مجتمعاً نابضاً بالحياة رغم التحديات.
في هذا المخيم وُلد مئات الموهوبين والموهوبات الذين عبّروا عن مشاعرهم العميقة من خلال الفن، مجسدين أفراحهم وأحزانهم في حياة اللجوء القاسية، من بينهم آخين تونج التي فتحت عينيها على الحياة داخل المخيم، وقضت طفولتها بين خيامه، برفقة أطفال الحي الذين ينحدر كل واحد منهم من قرية في شمال كردستان، وقد وُلدوا جميعاً في ظل اللجوء المستمر منذ 27 عاماً، ليصبحوا أصدقاء في دروب الحياة.
الرسامة آخين تونج واحدة منهم، وجدت في الرسم ملاذاً وسط الحزن والاغتراب، فتمسكت بالقلم لترسم عوالم خيالها على الورق، وغالباً ما ترسم الجبال، رمز الحرية المتجذرة في أعماقها، لتصبح لوحاتها مرآةً تنبض بالحياة والأمل.
وتُعبر عن مشاعرها وأفكارها على الورق الأبيض باستخدام قلمها الأسود، حيث ترسم البورتريهات كوسيلة للتعبير عن ذاتها "منذ طفولتي أحب الرسم، كنت أستمتع كثيراً بحصة الفنون في المدرسة، ودائماً أشارك فيها بحماس، أمسك الفرشاة باستمرار، وكان معلمو الرسم يلاحظون شغفي ويشجعونني، في السنوات الأخيرة كرّست وقتي بالكامل للرسم، وكلما وجدت لحظة فراغ، ألجأ إلى الورقة البيضاء لأرسم ما أشعر به، هذا يمنحني سعادة لا توصف".
الفن أداة للتعبير
كما تُعبّر عن شوقها للجبال التي لطالما شكّلت رمزاً في أساطير الكرد، حيث تحولت على مدى خمسين عاماً إلى ملاذٍ وملهمةٍ للشباب والفتيات الكرد، ففي لوحاتها تستحضر جمال الجبال وتناسقها كعنصر أساسي "أميل كثيراً إلى رسم البورتريه، وأسعى من خلاله إلى إبراز تفاصيل الجسد وتعابير الوجه والمشاعر التي يحملها أصحاب هذه الوجوه، لكنني دائماً أُضيف مشهداً جبلياً في لوحاتي، لأنني أرى في الجبال جمالاً فريداً لا يُضاهى، وأحرص على أن أجسّد هذا الجمال في كل عمل فني أقدمه".
وسلّطت آخين تونج الضوء على تأثير الحصار المفروض على أطفال مخيم مخمور، مشيرةً إلى انعكاساته العميقة على حياتهم النفسية والتعليمية "في المخيم نعيش تحت ظروف قاسية منذ سنوات، ونبذل جهداً كبيراً لمواصلة تعليمنا رغم التحديات، لكن الحصار المستمر منذ نحو ست سنوات أثّر بشكل مباشر على العملية التعليمية، وترك أثراً بالغاً في نفوس الأطفال".
وقالت "أنا الآن في سنتي الأخيرة من المرحلة الثانوية، وأحلم بدراسة الهندسة المعمارية في الجامعة، لكن منذ خمس سنوات لم يُسمح لأي طالب من المخيم بالالتحاق بالجامعات، ما خلق حالة من الإحباط واليأس لديّ، فالشباب المؤهلون الذين كان من المفترض أن يتعلموا ويصبحوا أصحاب مهن، يُجبرون اليوم على العمل في البناء وهم في سن الدراسة الجامعية، هناك الكثير من الشباب في المخيم يمتلكون الكفاءة والطموح، لكن غياب الفرص يحول دون تطوير قدراتهم وتحقيق أحلامهم".
وفي ختام حديثها، دعت آخين تونج الشباب إلى تطوير قدراتهم الفنية، مؤكدةً أن الفن لا يقتصر على الرسم فقط، بل يشمل مجالات متعددة يمكن لكل فرد أن يجد فيها نفسه "ليست موهبة الرسم وحدها ما يتيح للإنسان التعبير عن ذاته، فهناك العديد من الفنون الأخرى التي يمكن أن تكون بوابة للتميز، هناك تدريبات على الآلات الموسيقية، ويمكن للشباب من خلالها أن يعبّروا عن أنفسهم، ويخرجوا من دائرة التهميش، ويندمجوا في المجتمع، ويحققوا ذواتهم عبر الفن، من الضروري أن تُتاح فرص أكبر للشباب الموهوبين في المجالات الفنية، ليتمكنوا من صقل مهاراتهم والمساهمة في بناء مستقبلهم".