"عروس المطر" تقليد كردي يعيد الحياة إلى الذاكرة الشعبية
"عروس المطر" تقليد قديم يُجسّد ارتباط الشعب الكردي العميق بالطبيعة، ويُعبّر عن الرجاء في الخصوبة والبركة عبر رمزية المرأة كوسيط للحياة، ويُعد تراثاً ثقافياً حياً يعكس وحدة الهوية الكردية رغم تنوع المناطق والجغرافيا.
شبنم رحيم زاده
بوكان ـ يعود اسم "عروس المطر" بالتردد من جديد في أغاني أطفال شرق كردستان، في مواسم الجفاف وقلة الأمطار، ورغم تراجعه في السنوات الأخيرة، أعيد إحياؤه هذا العام في عدة مدن كردية، تأكيداً على ارتباط الشعب الكردي بالطبيعة والخصوبة.
طقوس "عروس المطر" تُعد من أقدم التقاليد الكردية المرتبطة بطلب المطر، وتُمارس في الأيام الباردة والجافة، في هذا الطقس التراثي، الذي يستمد جذوره من المعتقدات الكردية القديمة المرتبطة بالطبيعة، تقوم الفتيات أو الأطفال بتزيين دمية، ويجوبون بها بين الأزقة والشوارع.
ويرى بعض الباحثين أن هذا التقليد يُجسّد بشكل رمزي تمجيداً لإلهة الماء، حيث تُمثل المرأة في هذه الطقوس وسيطاً للخصوبة والحياة، ما يعكس مكانتها المركزية في دورة الطبيعة، وتعود أصول هذه الممارسة إلى الأساطير الكردية القديمة التي سبقت ظهور الديانات التوحيدية.
ويُقال إن دمية "عروس المطر" تُصنع من الخشب وتُلبس الزي المحلي على يد إحدى الأمهات أو الجدّات في المنطقة، وفي بعض الحالات تُزيّن ملابس الدمية بالزهور الجميلة أو بالنباتات المحلية المعروفة، وتُغطّى رأسها بقطعة من قماش التول، وتقوم مجموعات من الأطفال، وفي بعض المناطق الفتيات فقط، بحمل "عروس المطر" من بيت إلى بيت وهم يغنون أهازيج شعبية تطلب المطر، ويطرقون الأبواب.
في الماضي عند مرور موكب "عروس المطر"، كانت أكبر امرأة في كل منزل ترش الماء أو الطحين أو الطين الأبيض في طريقه، كرمز للخصوبة والبركة. وفي البيوت التي تستضيف الدمية، كانت النساء يسكبن الماء عليها أو يعلّقن دبوساً على صدرها، ويقدّمن للأطفال المرافقين لها هدايا رمزية مثل البيض، الحلوى، الزبيب، الجوز، الخبز أو النقود.
تختلف هذه الهدايا من منطقة لأخرى حسب طبيعتها الجغرافية، وكل منها يحمل دلالة خاصة على البركة. وبحسب الموروث الشعبي، فإن هذه القرابين تُقدَّم لعروس المطر، وتُعتبر الأطعمة مباركة، حيث تُوزّع بشكل رمزي بالتساوي بين الجميع.
بعد أن يجوب الأطفال الأزقة حاملين دمية "عروس المطر"، يختتمون الطقس بنقلها إلى مكان مقدّس، حيث تتولى فتاة تُعرف باسم "باره لجر" أو "كويره كاش" (الفتاة الكبرى) وضعها على قاعدة رمزية، وفي بعض المناطق، تُؤخذ الدمية إلى نبع ماء وتُترك فيه، تعبيراً عن الرجاء في نزول المطر، ويُختتم الطقس بالدعاء والتضرع الجماعي.
هذا التقليد الكردي العريق، الذي رُشّح عام 2014 للتسجيل ضمن قائمة التراث العالمي في اليونسكو، شهد تراجعاً في العقود الأخيرة، خاصة بين أطفال منطقة موكريان. إلا أن جهود النشطاء الثقافيين أعادت إحياءه هذا العام في القرى والمدن، مثل مهاباد، بوكان، نقده، وسردشت، وكان لـ "جمعية نيشتمان الأدبية" في بوكان دور بارز في تنظيمه.
طقس "عروس المطر" يُمارس في مناطق واسعة من شرق كردستان، مثل هورامان، كرماشان، سنه، إيلام، قروه، وأورمية، كما يمتد إلى شمال كردستان، إقليم شمال وشرق سوريا، وإقليم كردستان. ورغم اختلاف تفاصيل الممارسة من منطقة لأخرى، فإن رمزية الطقس وأهدافه تبقى موحدة بين أبناء الشعب الكردي، تعبيراً عن ارتباطهم العميق بالطبيعة والخصوبة والرجاء.