الأدب النسوي بين جدلية التسمية وفحوى المضمون
أكدت الكاتبة هداية شمعون، على أن الأدب النسوي استند إلى مبادئ الحركة النسوية بشكل عام، وأنه عبارة عن القيمة الجمالية التي يحملها النص مع توافر السرد الجيد، وأن الكتابة إبداع لا جنس له.
رفيف اسليم
غزة ـ منذ ظهور الأدب النسوي أو أدب المرأة في تسميات أخرى، هناك اختلافات عدة حول ذلك النوع من الكتابة، فالبعض أرجع تصنيفه إلى أنه كل ما تكتبه المرأة، والبعض الآخر اعتقد أنها النصوص التي تناقش قضايا النساء أياً كان كاتبها، فيما رفض البعض تلك التسمية معتبرها تهميشاً للمرأة وبمثابة عزل لها.
للوقوف على العديد من النقاط التي توضح ماهية الأدب النسوي، ومتى ظهر، وما هي الموضوعات التي يجب أن يتناولها النص الأدبي ليحظى بذلك المفهوم كان لوكالتنا لقاء مع الأديبة والكاتبة هداية شمعون.
تقول الكاتبة هداية شمعون أن الأدب بشكل عام هو عبارة عن القيمة الجمالية التي يحملها النص مع توافر السرد الجيد وكل ما له علاقة بعناصر الوصف لإنتاج نص يرتقي بأن نصنفه أدباً، لافتةً إلى أنه من وجهة نظرها كل نص يناصر المرأة وقضاياها يخضع لذلك التصنيف أي سواء كان كاتبه رجل أو امرأة.
وقد رجعت بنا هداية شمعون، لفترة الستينيات لتوضح أن خلال ذلك الوقت تطورت حركة الطباعة والنشر فظهرت عدد من الكاتبات وهذا خلاف ما اعتاد العالم عليه في الفترات السابقة، حيث كان الرجل يهمين على الإنتاج الأدبي بأنواعه المختلفة سواء قصة أو رواية أو مسرحية أو شعر، مشيرةً إلى أن الأدب النسوي ظهر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وقد وصل إلى قمته في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
ورجحت أن تكون تسمية ذلك النوع من الأدب بالنسوي لقلة عدد الكاتبات المبدعات اللواتي بدأن تلتفتن إلى موضوعات هامة لم يناقشها الرجل في كتاباته آنذاك، كحقوق المرأة المسلوبة والقيود المجتمعية والعنف الأسري، وإبراز صورة المرأة المضطهدة المكافحة التي اقتصر دورها على الدور الإنجابي فقط في الأسرة.
وأشارت إلى أن اقتصار حياة المرأة في الزراعة قديماً وحرمانها من التعليم وإجبارها على الزواج المبكر وخدمة حمولة الزوج واختفاء عدالة توزيع الأدوار بينها وبين الرجل، هي جميعها مشكلات عالجها الأدب النسوي محاولاً إيجاد المضامين المفقودة في الفكر النسوي الذي ينص على قدرة المرأة أن تكون في أدوار مختلفة بدءاً من الأسرة وحتى الدور السياسي.
وأكدت على أن هناك كاتبات أبدعن في الدفاع عن حقوق المرأة كالكاتبة هدى شعراوي في مصر وفدوى طوقان وسحر خليفة بفلسطين، ليلى الأطرش وسلمى الجيوسي من الأردن، وليانا بدر والبريطانية فيرجينيا وولف، ودوريس ليسينغ التي حصلت على جائزة نوبل في الأدب.
كذلك الحال في الأدب العربي فظهرت كتابات تنادي بتحرر المرأة لنوال السعداوي وغادة السمان، بل وحتى أحلام مستغانمي، معتبرين ذلك جزء من الحراك العربي الذي يسعى للمطالبة بحقوق النساء، واختراق التابوهات المرفوض الحديث عنها، حتى وإن كان ضمن إطار أخلاقي.
ولفتت إلى أنه في ذلك الوقت كانت الكاتبات تملن إلى الكتابة باسم مستعار خوفاً من نظرة المجتمع لهن أو ردة فعل عائلاتهن، مشيرةً أنه ما زال هناك نساء حتى اليوم تخشين إظهار اسمهن الحقيقي، وترفض 60% من النساء وضع صورهن الشخصية على حساباتهن أو برفقة النص الذي يكتبنه.
وقد جاءت محاولات الكتابات النسوية من أجل خلق صورة سليمة ومتوازنة للمرأة في مجتمعها بجانب الرجل على قول هداية شمعون، مشيرةً إلى أن جزء فلسفي مهم بالأدب النسوي يقوم على تكافئ الأدوار بين الطرفين وصولاً إلى حياة سليمة، بعيداً عن فكرة الندية للرجل وإثبات فكرة أن المرأة أقدر على التعبير عن المرأة.
ونتيجة لذلك الإبداع بدأت بحسب هداية شمعون، تتحسن أوضاع المرأة حول العالم فانتشر تعليم الفتيات، وتوسعت شبكة العلاقات لتتعدى حدود العائلة، وعمدت أقلام النساء إلى إثراء الحقل الأدبي والتأثير في المشهد الثقافي بشكل عام.
فيما تناول الأدب النسوي في فلسطين، صورة المرأة ونمط لباسها وحياتها الاجتماعية حين كانت تحمل جرة الماء في ستينيات القرن الماضي لتملئها في ساعات الفجر الأولى وتعمل في الحقل وتربية الأولاد، ومن ثم تطور ليشمل النكبة والتهجير والدور النضالي والسياسي، وصولاً إلى القضايا التي تطفو على السطح اليوم.
وفي ختام حديثها أوضحت هداية شمعون أن الكتابة تجربة إنسانية من الطراز الأول فهي غنية بما يحكى ويقال ويلامس هموم الكثيرين، بغض النظر عن الجنس أو العرق، مقترحة حذف اسم الكاتب/ة قبل قراءة منجز أدبي مبدع، فتكاد تجزم أن لا أحد يستطيع ممن يطلعون عليه لأول مرة أن يستدل على كاتبه رجلاً كان أم امرأة، وذلك دليل أن الإبداع لا جنس له.