'تكاتف النساء اللواتي مررن بالظروف نفسها يولد القوة'

أكدت الناشطة السياسية سماهر العنداري على أهمية التكاتف والتشابك بين جميع النساء لأنهن تعشن الظروف ذاتها "المقاومة هي خيارنا الوحيد لنبني دولة علمانية تحترم وتحمي حقوق كل المكونات".

روشيل جونيور

السويداء ـ من شنكال إلى الرقة والساحل، وصولاً إلى السويداء، تتكرر المأساة نفسها حيث يتم استهداف النساء بالقتل والسبي والانتهاكات الوحشية من قبل داعش وجماعات مسلحة تابعة لجهاديي هيئة تحرير الشام، لكن ما أرادته قوى الحرب وسيلة لكسر المجتمعات، تحول إلى قوة مضادة، إذ بدأت النساء اللواتي عشن الظروف ذاتها بتشكيل جبهة تضامن عابرة للحدود.

في السويداء، حيث الحصار الخانق وانعدام مقومات الحياة، برزت النساء في قلب المواجهة، لم يعد دورهن يقتصر على  البكاء على الأطلال، بل أصبحن شريكات في السياسة والمقاومة وحمل السلاح، كما أصبحن صوتاً ينقل الحقيقة للعالم، وتحدثت الناشطة السياسية سماهر العنداري عن معاناة الأهالي، ودور النساء في الصمود، وتجربة الإدارة الذاتية الناشئة، ورفض أي لجان تحقيق غير دولية.

تقول الناشطة السياسية سماهر العنداري "نحن اليوم نعيش حالة من الفوضى على عكس ما يصوره الإعلام السوري الذي يتحدث عن دخول المساعدات وعن أن الوضع آمن، هذا الكلام عارٍ عن الصحة، نحن في حصار خانق، لا ماء، لا دواء، لا طعام، ولا كهرباء، لا توجد مقومات للحياة، نحن في مرحلة صعبة جداً، نحاول قدر الإمكان أن نقاوم الحياة التي فرضت علينا بحرب لم نكن نريدها. نحن مجتمع يحب الحياة والإنسانية، لكن الظروف فرضت علينا عدم الاستقرار".

 

مشهد دموي وحصار خانق

وأوضحت "تعرضنا لهجوم شرس من قبل الجماعات المسلحة التابعة للجولاني المدعومة من الأمن العام والمرتزقة الأجانب. هؤلاء عاثوا بالأرض فساداً وارتكبوا مجازر بحق النساء والأطفال. ورغم هذه المجازر، الحياة ستستمر. الآن نحاول أن نبني إدارة ذاتية لنتمكن من تحريك عجلة الحياة ولو قليلاً"، مبينة أنه "بدأنا بتفعيل قيادة الشرطة، صحيح أن الأمور ليست بالمستوى المناسب، لكننا نعيش المرحلة بشكل أفضل رغم الصعوبات".

 

"المرأة شريكة وليست ضحية فقط"

وأكدت سماهر العنداري أن النساء في السويداء دفعن الثمن الأكبر، كما أن النساء في المناطق الأخرى تعرضن لهجمات كبيرة، وكان عدد الضحايا كبيراً. المرأة في السويداء شريكة في الحياة والسياسة وحتى المقاومة "بعد قتل أعداد كبيرة من النساء وعمليات السبي والانتهاكات، اعتقدوا أنهم يستطيعون كسر المجتمع من خلال كسر النساء. لكنهم لم يعرفوا أن المرأة كما الرجل تماماً. نعم لقد تعرضنا للقتل والسبي والحرق، وهناك نساء أحرقت أحياء وأخريات قطعت أوصالهن، لكن هذا زادنا قوة وصلابة".

وعن حمل النساء للسلاح قالت "في ظل الهجمات على السويداء، حملت بعض النساء السلاح دفاعاً عن أرضهن بجانب الرجال، المرأة في السويداء لم تقاوم الآن فقط، نحن أبناء سعدة ملاعب وبستان شلغين. نساء اليوم أحفاد نساء الثورة الفرنسية، يعيدن التجربة في زمن مختلف، المرأة ليست ضلعا قاصراً. هي شريكة في الأرض، ومن الطبيعي أن تقاوم وتدافع عن الأرض والعرض".

 

 "نحو إدارة ذاتية"

وأكدت سماهر العنداري أن غياب السلطات دفع المجتمع لبناء نظام بديل محلي "اليوم لا نملك محافظاً ولا قيادة شرطة، المؤسسات غائبة، بدأنا ببناء أنفسنا بأنفسنا وصلنا إلى مرحلة الإدارة الذاتية، ما زلنا في البداية لكننا سنكون على قدر المسؤولية، لدينا قامات كبيرة من نساء ورجال قادرين أن يكونوا في المكان الصحيح. بدأنا بالصعود درجة درجة، وواثقون أننا سنكون في حالة أفضل، رأينا تجربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا أمامنا، تجربة يحتذى بها عسكرياً وسياسياً وحتى علمياً، ونحن نريد أن نسير على طريقهم".

 

التكاتف النسوي العابر للحدود

وأكدت أن المرأة شريكة في هذه المرحلة، ويجب أن توصل صوتها للعالم كله، للمؤسسات الحقوقية والأممية "ما جرى في السويداء من حرق للمعامل ونهب وتلويث للمياه وردم للآبار هدفه الضغط علينا للاستسلام، لكنهم لن ينجحوا، السويداء لن تجوع، السويداء تشبع كرامة".

وأوضحت أن النساء في هذه المرحلة يحاولن إيصال أصواتهن للمنصات العالمية والأهم هو أن نصل إلى حالة من التشابك بين نساء السويداء ونساء الساحل ونساء إقليم شمال وشرق سوريا "جميعنا عشنا الظروف نفسها والمعاناة نفسها القتل والنهب والتشريد. عندما نشكل هذه القوة النسوية، سنخرج بسوريا التي نريدها، سوريا خالية من الإرهاب والاستبداد، دولة علمانية تحترم الطقوس الدينية وتحمي خصوصيات كل مكون. لكن هذا الفكر لا يناسب الطغمة الحاكمة التي ما زالت تنظر إلى المرأة كعورة. بالنسبة لنا المرأة شريكة نجاح".

 

 "لا ثقة باللجان المحلية"

وعن لجان التحقيق، بينت أن الحكومة المؤقتة تتحدث عن إرسال لجنة تقصي حقائق بعد المجازر التي ارتكبت "نحن نرفض هذا الأمر بشكل قاطع. لا يمكن أن يتساوى الضحية والجلاد. لا ثقة بالحكومة، حتى في أحداث الساحل أخفوا الحقائق وزوروا الشهادات تحت التهديد، نريد لجنة تقصي حقائق دولية محايدة، لتوصل الحقيقة كما هي، دماء أولادنا غالية، وصرخات النساء والأطفال تساوي الكثير".

وطالبت بفتح المعابر لدخول الصحافة الدولية ورؤية الحقيقة بعينها "لدينا 34 قرية منكوبة بالكامل، جثث شبابنا ما زالت فيها، إذا لم يتم توثيق هذه الجرائم، ستمحى كما محيت مجازر الساحل. لهذا نحن نصر على فتح المعابر ليس فقط من أجل المساعدات بل من أجل أن تصل الحقيقة إلى العالم".

واختمت الناشطة السياسية سماهر العنداري حديثها بالقول "اعتدوا علينا في أرضنا، وخيارنا الوحيد هو المقاومة، نحن لسنا جبناء لنستقبلهم بالموت، قد نفتقر إلى الماء والدواء والطعام، لكننا لن نفتقر إلى الكرامة، السويداء لا تجوع، بل تشبع كرامة، سنتحمل وضعنا كي لا ننذل لهم، ونحن على يقين أننا سنصل إلى بر الأمان".