مشاركة النساء في الحياة السياسية بالجزائر نحو تمثيل نوعي ومستدام
تسعى عدد من الأحزاب الجزائرية إلى تعزيز مشاركة المرأة في المجال السياسي عبر برامج تكوينية، وتدريبات سياسية تمتد لسنوات، ما يؤكد الإيمان بضرورة الإعداد الجيد للقيادات النسائية القادمة.

نجوى راهم
الجزائر ـ تُعد مشاركة المرأة في الحياة السياسية إحدى القضايا الجوهرية التي تعكس مستوى تطور المجتمعات ومدى احترامها لمبادئ العدالة والمساواة، وفي هذا السياق، تبرز رؤية سياسية ناضجة داخل بعض التيارات والأحزاب الجزائرية، وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم، التي تُولي أهمية بالغة لدور المرأة في المجال السياسي، مستندة في ذلك إلى مرجعيات دينية، تاريخية، قانونية وواقعية.
أكدت النائبة في حركة مجتمع السلم صالحة قاشي أن رؤية الحركة تنطلق من قناعة راسخة بأن العمل السياسي للمرأة ليس طارئاً، بل هو امتداد لدورها التاريخي في المجتمع الإسلامي والجزائري على حد سواء، فقد كانت أم سلمة من أوائل النساء اللاتي ساهمن في اتخاذ القرار كما لعبت المرأة الجزائرية دوراً مركزياً في الثورة التحريرية، ما يجعل من مشاركتها في مرحلة البناء الوطني أمراً ضرورياً لا اختياراً.
وفي هذا الإطار، تبنت حركة مجتمع السلم، منذ بداياتها، مبدأ دعم المرأة وتمكينها سياسياً، وكانت سبّاقة في إشراك النساء في أول برلمان تعددي، ومع تطور الحياة السياسية في الجزائر، برزت آليتان قانونيتان هامتان لتعزيز تمثيل المرأة، وهما نظام الكوتا ونظام المناصفة.
من الكوتا إلى المناصفة تحول في أدوات التمكين السياسي
وتم اعتماد نظام الكوتا في الجزائر بموجب القانون العضوي رقم 12-03 لعام 2012، حيث فُرضت نسب إلزامية لتواجد النساء في القوائم الانتخابية، ما أدى إلى ارتفاع كبير في تمثيل المرأة داخل المجالس المنتخبة، خاصة في المجلس الشعبي الوطني والمجالس الولائية. بفضل هذا النظام، حصلت النساء على أكثر من 105 مقعداً في انتخابات 2012، وشهدت الحياة البرلمانية مشاركة نسائية فعالة وغير مسبوقة.
ولفتت صالحة قاشي إلى أنه في التعديلات السياسية اللاحقة، وخاصة في قانون الانتخابات لعام 2020، تم إلغاء نظام الكوتا، بدعوى تجاوزه وانتهاء دوره، وأُعلن عن الانتقال إلى مرحلة جديدة تقوم على نظام المناصفة، الذي يهدف إلى تحقيق التساوي الكامل بين الجنسين في مختلف مجالات الحياة، بما فيها السياسية، دون الحاجة إلى تخصيص حصص.
وأكدت أن المناصفة تُعتبر خطوة متقدمة، لكنها تحتاج إلى بنية ثقافية واجتماعية وقانونية متكاملة حتى تُؤتي ثمارها، خصوصاً في ظل استمرار التحديات المرتبطة بالنظرة النمطية للمرأة، والعوائق المجتمعية، وبعض الممارسات السياسية التي تُقصيها من مراكز القرار.
بين التحديات الذهنية والعوائق المجتمعية
ورغم الإصلاحات القانونية والمبادرات السياسية، لا تزال المرأة تواجه تحديات عميقة مرتبطة بالعقليات والنظرة المجتمعية، وترى صالحة قاشي أن واحدة من أبرز العوائق التي تحول دون وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار هي العقلية الذكورية التي لا تزال تسيطر على كثير من الرجال داخل المجال السياسي، حيث يُنظر إلى المرأة على أنها "كائن لطيف" لا يصلح للعمل السياسي الجاد أو القيادي، وهذه النظرة التقليدية تُضعف فرص النساء في التمكين الحقيقي، وتُعزز منطق الإقصاء غير المعلن داخل الهياكل الحزبية والمؤسساتية.
وشددت على أن تحقيق التوازن في المشاركة السياسية لا يمكن أن يكتمل دون تغيير في العقليات، وتبني ثقافة مجتمعية ترى في المرأة فاعلاً وشريكاً حقيقياً في اتخاذ القرار، لا مجرد عنصر تكميلي أو تمثيلي شكلي.
النوعية لا الكمية ومقترحات عملية
وترى بعض الأصوات السياسية الواعية أن تمكين المرأة لا يجب أن يتوقف عند الأرقام، بل يجب أن يركز على نوعية المشاركة، لذلك، هناك دعوات لإنشاء قائمة وطنية للنساء الراغبات في الترشح للبرلمان، بهدف دعم الكفاءات النسائية وتوسيع قاعدة المشاركة الفعّالة.
ورغم الأطر القانونية الداعمة، هناك تراجعاً مقلقاً في نسبة تمثيل النساء، إذ لم تتجاوز 8 % في المجلس الشعبي الوطني، مع غياب شبه كامل في بعض المجالس الولائية. ورغم ذلك، تسعى عدد من الأحزاب إلى تعزيز مشاركة المرأة عبر برامج تكوينية، وتدريبات سياسية تمتد لسنوات، ما يؤكد الإيمان بضرورة الإعداد الجيد للقيادات النسائية القادمة.
تمكين شامل وحماية قانونية
ولا ينفصل التمكين السياسي عن قضايا الحماية الاجتماعية والقانونية للمرأة بحسب صالحة قاشي فهناك دعوات مستمرة لتحديث القوانين، خاصة تلك المتعلقة بالعنف ضد المرأة، العنف الإلكتروني، وضبط المحتوى الرقمي لحماية الفئات الهشة، خصوصاً الأطفال والمراهقين، كما ثمنت الجهود الرسمية مثل إنشاء صندوق النفقة للمطلقات، وتُطالب بمزيد من المبادرات لحماية النساء من الأعراف المقيِّدة وضمان حقوقهن في كل المجالات.
وفي ختام حديثها حذرت النائبة في حركة مجتمع السلم صالحة قاشي من الاستمرار بتهميش المرأة سياسياً معتبرةً أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية الجزائرية تمر بمرحلة مفصلية، تتطلب تجاوز النظرة الكمية نحو بناء قيادات نسائية ذات كفاءة وحضور مؤثر، وأن الانتقال من الكوتا إلى المناصفة يمثل تحدياً وفرصة في آن واحد، وإذا ما تم تدعيمه بإرادة سياسية حقيقية، وبيئة قانونية ومجتمعية مشجعة، فإن مستقبل السياسيات في الجزائر سيكون أكثر إشراقاً وفاعلية.