النساء في الأحزاب المصرية...يقظة جديدة لدورهن وفاعلياتهن

يشكل وجود المرأة داخل الأحزاب السياسية مؤشراً هاماً على مدى تطور الحياة السياسية، فرغم أن التاريخ السياسي المصري شهد حضوراً نسائياً مبكراً منذ ثورة 1919، إلا أن تمثيل النساء في الأحزاب ما زال يتأرجح بين التقدم المحدود والتهميش البنيوي.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تواجه النساء داخل الأحزاب المصرية تحديات متعددة تبدأ من غياب آليات واضحة لتمكينهن، مع جانب كبير من الثقافة الحزبية التي يغلب عليها الطابع الذكوري، فينتهي الأمر بانشغال بعض الأحزاب بالصراع على البقاء أكثر من بناء قاعدة ديمقراطية شاملة، حيث أن وجود لجان نسائية في كثير من الأحزاب جعل دور الكثيرات رمزي أو مقتصر على الأنشطة الاجتماعية والدعائية.

برزت بعض التجارب الحزبية التي حاولت إعادة تعريف المشاركة النسائية، سواء عبر ترشيح نساء لمواقع قيادية أو من خلال تبني أجندات سياسية تراعي قضايا التعامل المتساو مع كلا الجنسين، ويمكن القول إن هذه المحاولات محدودة ولا تشكل تياراً عاماً داخل المشهد الحزبي، وهو ما يجعل تمكين النساء داخل المؤسسات السياسية عملية بطيئة ومشروطة بالسياق العام.

وعلى المستوى التشريعي ساهم نظام الكوتا البرلمانية في رفع نسبة تمثيل النساء في المجالس المنتخبة، لكنه لم ينعكس بالضرورة على بنية الأحزاب نفسها، إذ لا تزال مشاركة النساء في صنع القرار الداخلي ضعيفة، وغياب التدريب السياسي وضعف الدعم المالي والإعلامي كلها عوامل تحد من قدرة النساء على الصعود في السلم الحزبي والمنافسة على مواقع قيادية مؤثرة.

 

هناك فهم خاطئ للكوتا ولا يوجد إشراك حقيقي للنساء

أكدت الناشطة والباحثة النسوية، آية عبد الحميد، أن هناك تغيير فعلي لواقع وجود المرأة بالأحزاب المصرية ولكنه ليس على المستوى المرجو منه، معتبرة أن التواجد زاد بالفعل ولكن العبء الأكبر في استثمار ذلك الحضور وتطويره يقع على كاهل النساء.

ولفتت إلى أن هناك فهم خاطئ لفكرة الكوتا فوجودها الغرض منه مؤقت لحين تمكن النساء من المواصلة بدونها والتمكن من التواجد في المجال العام، إلا أن ما حدث هو الاكتفاء بها دون العمل على المدخلات التي تعوق قدرتها على المشاركة في المجال العام.

وأكدت أنه قد تم العمل على تمثيل النساء، إلا أنه وحتى الآن لم يتم التفكير في تمكينهم الحقيقي وإشراكهم في صنع القرار بدرجة فاعلة ومؤثرة "أشعر أننا بعد الكوتا كنساء أصبحنا مجرد عدد أكثر من فكرة أن لنا دور حقيقي".

وترى أن التغيير الحقيقي لن يتحقق إلا بإقرار المساواة في الحقوق والواجبات بشكل فعلي، مؤكدة أن الشارع وشباب الأحزاب مازالوا بحاجة لتثقيف سياسي يعزز تقبّل مشاركة المرأة في الحياة العامة، إذ لا يزال الرفض قائماً لدى فئات عديدة.

 

 

المرأة فاعلة في أغلب الأحزاب والنظرة إليها تغيرت

قالت أمينة المجتمع المدني بمدينة الجيزة في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، هدى عقبي، إن إقصاء النساء من الأحزاب أمر لم يعد له وجود اليوم، مؤكدة أن وضع المرأة في تحسن وتلك الحالة ربما كانت في الماضي أما الحاضر فقد بات مختلف تماماً على حد تقديرها.

وترى أن تمكين النساء لا ينبغي أن يكون حكراً على حزب، بل هو مسؤولية جماعية تشمل جميع الأطراف، من خلال إشراكهن في اتخاذ القرارات، وضمان حضورهن في مواقع صنع القرار وغيرها من المجالات الحيوية. وعلى صعيد التمثيل السياسي، أشارت إلى أن عدداً من النائبات انتقلن من مجلس النواب إلى مجلس الشورى، مؤكدة أنهن يشاركن بفاعلية في مختلف المنصات العامة.

وعن تجربتها الشخصية، تروي أنها بدأت نشاطها السياسي قبل ثلاث سنوات، وخلال تلك الفترة اكتسبت تعلمت خلالها الكثير بفضل التدريبات والنقاشات العامة التي شاركت فيها.

عن تجربتها الشخصية، تروي أنها بدأت نشاطها السياسي قبل ثلاث سنوات، وخلال تلك الفترة اكتسبت خبرات واسعة بفضل التدريبات والنقاشات العامة التي شاركت فيها.

أما عن وضع المدن البعيدة عن المركز سواء في وجه بحري أو صعيد مصر، فقد أكدت أن الأحزاب تمتلك أمانات هناك يجري العمل معها بشكل مستمر، حيث تنظم زيارات دورية لتدريب الكوادر وإشراكهم في الأنشطة، إضافة إلى استقبالهم في القاهرة لحضور الاجتماعات المركزية، وترى أن هذا النهج يسهم بدرجة كبيرة في كسر فكرة المركزية وتعزيز التواصل بين مختلف المناطق.  

 

 

الكوتا ودورها المؤثر

اعتبرت المحامية والباحثة الحقوقية هدير أحمد، أن نظام الكوتا في القيادات السياسية أو القضائية أعاد الحراك والحياة للتواجد والتمثيل النسائي، معتبرة أن مؤشر إشراك المرأة بشكل عام يصعد للأعلى مقارنة بكل الفترات السابقة.

ولفتت إلى أنه بالنظر إلى تشكيل مجلس الشيوخ الأخير سنرى حجم التمثيل النسائي وهو ما سبق في البرلمان الماضي الذي شهد أعلى نسبة تمثيل نسائي وكذلك المناصب الرئيسية والهامة بالحكومة مما يشير إلى أن عملية الاشتراك نابعة من إرادة سياسية حقيقية.

واعتبرت أن الدور الذي تقوم به النساء في الأحزاب غير قاصر على التعامل مع الإشكاليات الاقتصادية أو الاجتماعية ولكنه أيضاً يطال البعد الاقتصادي ويعمد لإيصال رسالة عدم التمييز بين الجنسين بالاشتراك الفاعل للنساء على مختلف الموائد وفي جميع المساحات.

أما عن صناعة القرار في الأحزاب المصرية فترى هدير أحمد، أن مساحتها ليست كبيرة كما هو مأمول، إلا أن هناك حراك حقيقي وتوجه لإشراك النساء وهو ما يساهم في تحسين الوضع يوماً تلو الآخر.

والجدير بالذكر أن تعزيز وجود المرأة في الأحزاب المصرية لا يرتبط فقط بإتاحة الفرص الشكلية، بل يحتاج إلى إعادة بناء الثقافة الحزبية على أسس ديمقراطية تضمن المشاركة العادلة، فتمكين النساء سياسياً هو خطوة نحو تجديد الحياة الحزبية برمتها، وإعادة الثقة في العمل العام كأداة للتغيير الاجتماعي والسياسي في مصر.