'الفيدرالية لم تعد ترفاً سياسياً بل ضرورة لحماية التنوع ومنع الانهيار'

نموذج الفيدرالية يمنح كل مكون ديني وثقافي هامشاً واسعاً لممارسة هويته بحرية دون الخوف من الذوبان أو الإقصاء.

روشيل جونيور

السويداء ـ بعد حكم الأسدين الذي دام لعقود وفشل الحكم المركزي، طالبت العديد من الأصوات في مدينة السويداء السورية، بتغيير شكل الحكم لعل سوريا تنجو من الجحيم ومن بين هذه الأصوات تبرز الطبيبة والكاتبة لجين حمزة التي تطرح في حديث جريء ومفصل رؤية واضحة لحل تراه أكثر عدالة واستقراراً، عبر الانتقال إلى نظام فيدرالي أو لا مركزي، مستندة إلى تجربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا باعتبارها نموذجاً محلياً ناجحاً في إدارة التنوع وضمان الحقوق.

تقول الطبيبة والكاتبة لجين حمزة "شهدت الفترة الأخيرة تعالي أصوات في السويداء تطالب بتطبيق تجربة الإدارة الذاتية الموجودة في إقليم شمال وشرق سوريا، هذا الطرح ليس وليد رفاهية سياسية، بل جاء نتيجة تدهور الأوضاع، وتعمق الإحساس بالإقصاء والتهميش، حتى بات البعض يشعر أن وجوده بات مهدداً".

 

"النظام المركزي عبء ثقيل"

تشرح لجين حمزة طبيعة النظام المركزي الذي تتبعه سوريا منذ عقود، والذي ترى فيه أحد الأسباب الجوهرية لتراكم الأزمات "في النظام المركزي، تصب كل السلطات في يد مجموعة صغيرة من الأشخاص، غالباً في العاصمة، والقرارات تتخذ في المركز، وتفرض على الأطراف، دون مراعاة للخصوصيات المحلية أو لاحتياجات المناطق المختلفة، وهذا لا يخلق فقط فجوة في التنمية، بل يولد أيضا شعوراً بالخذلان".

وأضافت "حين تمنع المدن من اتخاذ قراراتها تقتل روح المبادرة فيها ويغيب الإبداع المحلي وتصبح السلطة المحلية مجرد تابعة لها عاجزة عن إنتاج حلول تتناسب مع ظروفها الخاصة في المقابل يتحمل المركز عبئاً ثقيلاً يفوق طاقته ما يؤدي إلى تراجع كفاءة الحكم وفتح المجال واسعاً أمام الفساد، سواء السياسي أو الاقتصادي والنتيجة ثروة مركزة، ونفوذ محتكرة، وأطراف محرومة".

 

"الفيدرالية نموذج عالمي للعدالة والتنمية"

ترى لجين حمزة أن النظام الفيدرالي يمكن أن يشكل حلاً عقلانياً وفعالاً "هناك دول كثيرة في العالم بعضها صغيرة كبلجيكا، وأخرى كبيرة كأمريكا أو الإمارات، طبقت أنظمة فيدرالية استطاعت عبرها تحقيق الاستقرار السياسي، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، واحتضان التعددية ضمن أطر موحدة".

وكما أوضحت فإن الفيدرالية تتيح تقاسم السلطة بين المركز والمناطق بحيث يكون لكل مدينة إدارة محلية تدير شؤونها بنفسها في إطار السيادة العامة للدولة وهذا لا يقلل من وحدة البلاد، بل يعززها، لأنه يخفف الضغط عن المركز ويمنع الانهيار الكامل للدولة في حال أخطأ رأس الهرم.

وبينت أن هذا النموذج يمنح كل مكون ديني وثقافي هامشاً واسعاً لممارسة هويته بحرية دون الخوف من الذوبان أو الإقصاء "لا أحد يفرض نمط حياة على الآخر، الجميع يشتركون في هوية سياسية واحدة لكنهم يحتفظون بخصوصياتهم، ولغتهم، ومعتقداتهم، وثقافتهم".

 

"تجربة روج آفا... نجاح وسط محيط مضطرب"

وأشادت لجين حمزة بتجربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا مع حرصها على عدم الدخول في تقييم سياسي شامل لها "تجربة الإدارة الذاتية رغم كل التحديات التي واجهتها، قدمت نموذجاً ناجحاً على أكثر من صعيد، خاصة فيما يتعلق بتمكين المرأة، واحترام الهويات المحلية".

وأوضحت أن التنظيم السياسي هناك قائم على نظام اللجان، وكل لجنة لها رئاسة مشتركة، رجل وامرأة "هذه ليست مجرد رمزية، بل ممارسة فعلية للتمكين المتساوي، ورأينا كيف وصلت المرأة إلى مراكز قيادة سياسية وعسكرية واقتصادية وأصبحت شريكة حقيقية في القرار".

وأكدت أن التجربة مكنت الكرد من التعبير عن هويتهم، والتحدث بلغتهم، والوصول إلى مواردهم الطبيعية، بعد أن كانوا محرومين منها لعقود، مشيرةً إلى أن من يزور إقليم شمال وشرق سوريا اليوم يلمس الفارق الكبير "قبل عام 2015، كانت منطقة مهمشة أما اليوم هناك نهضة عمرانية تنظيم إداري، ومحاولات جدية لبناء اقتصاد محلي".

 

هل تصلح التجربة للسويداء؟

ورغم اختلاف السياقات بين إقليم شمال وشرق سوريا والسويداء، ترى لجين حمزة أن التجربة تستحق التأمل، وربما الاقتداء بها، بشرط أن تصاغ بما يتلاءم مع خصوصية السويداء "لدينا قواسم مشتركة كثيرة منها التهميش، والتهديد، ومحاولة طمس الهوية، وغياب التمثيل الحقيقي، وربما تختلف اللغة، لكن نمط الحياة، والثقافة المجتمعية، متقاربة".

لكنها تحذر من استنساخ أعمى للتجربة، مؤكدةً أن "تطبيق نظام فيدرالي يتطلب دراسات متعمقة وفهماً دقيقاً لتركيبة المجتمع المحلي، واحتياجاته، وإمكاناته لكنه في كل الأحوال، خيار يستحق التفكير الجدي، ليس فقط للسويداء، بل لسوريا كلها".

 

"الفيدرالية لم تعد رفاهية سياسية بل حماية للتنوع"

وتحذر لجين حمزة من أن ما كان في الماضي ديكتاتورية سياسية، بات اليوم مزيجاً خطيراً من الاستبداد السياسي والديني والاجتماعي "نحن أمام خطر تطهير عرقي ناعم لم يعد التهديد سياسياً فقط، بل أصبح وجودياً نقمع بسبب ديننا، وتفرض علينا سلوكيات قسرية، ولا يسمح لنا بالتعبير عن خصوصيتنا".

واستذكرت قمع النظام السابق للمكون الكردي "كان يمنع المواطن الكردي من امتلاك قاموس عربي- كردي، أو من التصريح بهويته كذلك في السويداء لم يكن يسمح لأبناء الطائفة بالارتقاء في المناصب العسكرية أو السياسية، واليوم هناك تغول من جماعات متطرفة دينية تمارس قمعاً ممنهجاً، فنحن أمام تهديد مباشر لوجودنا وحياتنا وثقافتنا، الفيدرالية لم تعد ترفاً سياسياً، بل ضرورة لحماية التنوع ومنع الانهيار".

 

أهل مكة أدرى بشعابها

واختتمت لجين حمزة حديثها بتشبيه واضح "إذا كانت الكتلة المالية تقرر في العاصمة وتخصص لبناء جوامع في مدينة قد تكون فيها نسبة المسلمين قليلة أو غير ممارسة، فهذا عبث. نحن نحتاج لبناء مسارح، لحفر آبار، لتأهيل المدارس. كيف يمكن أن يعرف المركز أولوياتنا؟ فكل منطقة يجب أن تمتلك الحق في تحديد أولوياتها، وإدارة مواردها، وتشكيل ممثليها، كما في التجارب الفيدرالية العالمية. لا نطالب بالانفصال، بل نطالب بعدالة. نريد نظاما لا يقصينا، بل يحتوينا، نظاما يمنح لكل مكون مكانته وكرامته".