'الدستور السوري الجديد تجاهل صارخ للتعددية القومية'

عبرت السوريات عن قلقهن تجاه التهميش المجحف للإعلان الدستوري الجديد، لافتات إلى أنه تجاهلاً صارخاً للتعددية القومية التي لطالما شكّلت جوهر النسيج السوري.

راما خلف

دمشق ـ بالنسبة للكثيرين، فإن بقاء تسمية سوريا بـ "الجمهورية العربية السورية" استمرار لحقبة سياسية سابقة، طبعت هوية الدولة بطابع قومي عربي أحادي، تجاهلت وجود مكونات أخرى مثل الكرد، السريان، الآشوريين، الأرمن، الشركس وغيرهم، والذين يرون اليوم في هذا الدستور فرصة لإعادة بناء دولة حديثة تقوم على المواطنة الشاملة، لا على انتماء قومي ضيق.

رغم تضمين الدستور السوري الجديد فقرات تؤكد على احترام حقوق الأقليات القومية واللغوية، إلا أن تمسّك المشرعين باسم "الجمهورية العربية السورية" بدا وكأنه رسالة سياسية تكرّس الانتماء القومي العربي بوصفه هوية جامعة، وهو ما يرفضه أبناء القوميات الأخرى، ممن يرون في هذا الإصرار نوعاً من الإقصاء الرمزي لهم.

فالإعلان الدستوري الجديد، برأيهم، يجب أن يُعبّر عن هوية البلاد الحقيقية، والتي تقوم على التنوع، لا على الإنكار، لذلك، فإن تغيير الاسم إلى "الجمهورية السورية" يُعد مطلباً أساسياً بالنسبة لهم، لا بد أن يُنظر إليه بجدية خلال المراجعات القادمة للدستور.

ورداً على ذلك ارتفعت الأصوات المطالبة بالاعتراف والتمثيل الحقيقي، وفي هذا السياق، برزت أصوات من أبناء المكونات غير العربية، تعبّر عن رفضها للتسمية الحالية، وتطالب بإعادة صياغة الدستور بما يضمن تمثيلاً حقيقياً لجميع القوميات.

حيث قالت إيمان رمضان من المكون الكردي "الدستور السوري الجديد لاقى تفاعلات إيجابية وسلبية، ولم يكن شاملاً لجميع مكونات المجتمع السوري، فمجتمعنا السوري بطبيعته معقد كونه غني بالتنوع العرقي والقومي والثقافي، وبالنسبة ليّ ككردية، من حقي أن أعرف عن نفسي بهويتي وقوميتي الحقيقة كغيري من المكونات مثل الشركس والأرمن وغيرها، وأطالب بإعادة صياغة للدستور حتى يحقق مطالب وتطلعات كافة الأطراف والمكونات".

بدورها أوضحت سيفان حاج علي أن "الدستور السوري الجديد، تضمن العديد من البنود التي اتفق عليها البعض واختلف على أخرى منه، إلا أن تسمية البلاد بالجمهورية العربية السورية والضرب بعرض الحائط التنوع القومي لا اعتقد أن ذلك يجسد تطلعات الشعب السوري الذي انتفض على التهميش الذي استمر أكثر من 54 عاماً".

وأضافت "خرج الشعب السوري في احتجاجات رفضاً لهذا التهميش الذي تنتهجه الحكومة المؤقتة، خاصة أن الشعب السوري ليس من المكون العربي فقط ففيه الكرد والأشور والأرمن، لذلك أعتقد أنه يجب تغيير اسم البلاد إلى الجمهورية السورية، حفاظاً على وحدة سوريا والقوميات الأخرى".

وأكدت أن "الإبقاء على "العربية" في تسمية البلاد لم يعد كافياً، في ظل الرغبة العارمة بإعادة تعريف هوية الدولة بطريقة لا تقصي أحداً، بل تؤسس لمجتمع تشاركي متساوٍ في الحقوق".

ومع تصاعد الضغط الشعبي والاحتجاجات، تتزايد الدعوات لإعادة النظر في التسمية، وفتح النقاش مجدداً حولها داخل اللجنة الدستورية، والبعض يعتقد أن تغيير اسم البلاد سيكون خطوة رمزية كبرى نحو المصالحة الوطنية، وإشارة على طيّ صفحة الهيمنة القومية الأحادية.

في بلد ما زال يحاول التعافي من سنوات الحرب والانقسام، يبدو النقاش حول الاسم أبعد من مسألة شكلية، بل هو اختبار حقيقي لقدرة الدولة الجديدة على بناء عقد اجتماعي يعكس جميع أبنائها، بلغاتهم، وانتماءاتهم، وتطلعاتهم.