مشروع "حنان" مبادرة نسائية رائدة لمساعدة مرضى الـ "السيلياك" في القصرين

يعمل مشروع "حنان" على توفير منتجات غذائية خالية من الغلوتين، تستجيب لحاجات حقيقية لدى شريحة تعاني في صمت.

إخلاص حمروني

تونس ـ تعاني العديد من النساء المصابات بداء السيلياك في تونس من صعوبات في تأمين غذاء صحي يناسب حالتهن، خاصة في المناطق الداخلية، وقد قدم لهن مشروع حنان غرسلي حلولاً عملية وسهّل عليهن التعايش مع المرض.

في محافظة القصرين التونسية حيث تفتقر المناطق الداخلية إلى حلول غذائية مخصصة، اختارت حنان غرسلي أن تواجه التحدي الصحي والاجتماعي على طريقتها، فتزايد الإصابات بداء السيلياك (داء البطن) في صفوف النساء دفعها لإطلاق مشروع فريد من نوعه يعمل على توفير منتجات غذائية خالية من الغلوتين، تستجيب لحاجات حقيقية لدى شريحة تعاني في صمت.

تقول حنان غرسلي عن مشروعها "درست الإعلام وتخرجت منذ عام 2008، وبطبيعة حياتي أنا بعيدة تماماً عن مجال الطبخ وصناعة الحلويات، ولكن دخولي لهذا المجال جاء بدافع شخصي، ومشروعي موجه خصيصاً للأشخاص الذين يعانون من مرض البطن أو حساسية الغلوتين، وهو بروتين موجود في القمح والشعير ومشتقاتهما".

وأضافت "بدأت قصتي عندما تم تشخيصي بمرض السيلياك في عام 2015، وهو مرض يتطلب إتباع حمية غذائية صارمة خالية تماماً من الغلوتين. في البداية، كانت المعاناة شديدة، فلم أكن أجد ما أتناوله بسهولة لا خبز، ولا حلويات، ولا دقيق، ولا معجنات... كل شيء كان صعباً ومحدوداً. حاولت التأقلم مع الوضع الجديد، خاصة أن ما يعتبره الشخص العادي طعاماً يومياً بسيطاً، يُصبح تحدياً كبيراً لمن يعاني من هذا المرض".

حنان غرسلي بدأت تجربة أولى من منزلها، وكانت الفكرة أن توفر أطعمة مناسبة لها ولمن هم في وضعها، خاصة للأطفال والبالغين الذين يواجهون صعوبات في إيجاد بدائل آمنة، وبدأت بإعداد بعض الحلويات والمعجنات الخالية من الغلوتين (مثل البقلاوة، والبيتي فور) وأنواع متعددة من الخبز (الملاوي والشباتي)، باستخدام مكونات بديلة وخالية من الغلوتين.

وتوضح أنه تدريجياً، لاحظت تفاعلاً إيجابياً من محيطها، حيث بدأ الناس يطلبون المزيد من المنتجات ويشجعونها على الاستمرار، حتى أن بعضهم طلب خدمة التوصيل، وهو ما حفزها على مواصلة العمل، واستمرت لأكثر من أربع سنوات تعمل من المنزل، رغم الصعوبات الكبيرة.

وبينت أنه "من أبرز التحديات التي واجهتني كانت المواد الأولية فهي صعبة المنال ومرتفعة الثمن، كما أن إطلاق مشروع متخصص لفئة محددة في منطقة داخلية يعتبر تحدياً مضاعفاً، لأن الإمكانيات محدودة، والثقافة الغذائية حول هذا الموضوع لا تزال غير منتشرة بالشكل الكافي".

 

مشروعها ملاذ للعديد من النساء

وقدمت طلباً للحصول على تمويل لمشروعها، لكن تم رفض الفكرة "لم يكن الرفض بسبب طابع المشروع الصحي فقط، بل لأن بعض الجهات لا تؤمن بتمويل مشاريع لا تحقق أرباحاً فورية"، ومع ذلك، عائلتها دعمتها وساعدتها بما توفر لديها، وبدأت العمل باستخدام معدات بسيطة كانت لديها في المنزل.

وترى أنه "مع الإرادة والتصميم، بدأت أنجح تدريجياً، صحيح أن المواد الأولية لا تزال نادرة وغالية، خاصة في منطقة داخلية مثل القصرين، واضطر أحياناً إلى استيرادها من الخارج، إلا أنني مستمرة رغم كل شيء. الآلات أيضاً باهظة الثمن، ولكنني أحاول التأقلم والعمل بما هو متاح".

وأكدت حنان غرسلي أن نساء الجهة أُعجبن كثيراً بمشروعها، واعتبرنه فكرة نادرة تخدم أهالي الجهة، وقد شكرتها الكثير من النساء لأنها وفرت لهن البديل ولم يعدن يقلقن بشأن طعامهن أو طعام أحد أفراد العائلة المصابين بالحساسية "اليوم، أصبح مشروع حنان ملاذاً للعديد من النساء في الجهة، وأصبحت مسؤولة أمام الأمهات اللواتي تعانين مع أطفال مصابين بالحساسية، أشعر بأنني أقدّم شيئاً إنسانياً قبل أن يكون تجارياً".

وعن نجاح مشروعها تقول "طلبات الزبائن في تزايد، خاصة كلما تعرّف الناس أكثر على مشروعي، بدأت أحقق بعض النجاح بفضل نشاطي المكثف على المنصات الاجتماعية، حيث أعرّف بخدماتي أكثر، كما أبتكر وصفات غذائية صحية، بعضها دون سكر، مثل الخبز المصنوع من عجينة العدس أو الأرز".

وأوضحت أنها تعتمد على التوزيع السريع وتضمن أن يكون الخبز ومشتقاته طازجاً عبر إعداده وإرساله في نفس اليوم، كما بدأت بابتكار وصفات جديدة خالية من السكر، بهدف توسيع قاعدة منتجاتها الصحية.

وختمت حنان غرسلي حديثها بإصرارها على توسيع مشروعها حتى يغطي كامل التراب التونسي "أطمح إلى إيصال منتوجي إلى محافظات أخرى، وأرغب في أن أُؤسس اسماً خاصاً بي في السوق التونسية وأحلم بأن أُصبح مكونة في هذا المجال لأفيد نساء أخريات من تجربتي، وليكون لمشروع كل واحدة منهن أثرٌ صحي واجتماعي".

 

 

السيلياك يحتاج لنظام غذائي صارم

من جهتها، أوضحت سوسن بوعلاق (إحدى حريفات حنان) أن السيلياك (داء البطن) انتشر كثيراً في تونس، فبعض المواطنين تمكنوا من اكتشافه مبكراً، في حين لم يتمكن آخرون من فهم طبيعة مرضهم، إنه يُعدّ من الأمراض المزمنة التي تلازم الإنسان، سواء كان رجلاً، امرأة، أو طفلاً.

وعن تجربتها مع المرض قالت "اكتشفت أنني مصابة بداء السيلياك (داء البطن) منذ حوالي خمس سنوات، هذا المرض لا يُعالج بالأدوية، بل يعتمد كلياً على نظام غذائي صارم، نحن نعيش بين مطرقة الرغبة في تناول ما هو صحي وسندان الغلاء، فالمرأة لا تستطيع تأمين المواد الأساسية لنظامها الغذائي بسبب ارتفاع أسعارها، إذ لا يوجد أي دعم لهذه المنتجات".

وأكدت أن المرض يصنف ضمن الأمراض المزمنة، شأنه شأن مرض السكري وغيره، حيث إن مستلزماته الغذائية باهظة الثمن، والمنتجات الغذائية الخاصة التي يجب أن تستهلكها المرأة أو الطفل المصاب بداء السيلياك قليلة جداً، وغالباً ما تتوفر فقط في الصيدليات بأسعار مرتفعة، كما أن الخيارات المتاحة محدودة.

وبينت أنها "واجهت الكثير من الصعوبات، خاصة أنني لا أعمل ولا أستطيع توفير المبلغ الكافي لشراء جميع المنتجات الغذائية الضرورية لهذا النظام الغذائي، إننا نطالب بتأسيس جمعية تُعنى بدعم المصابين بداء السيلياك، وخاصة من الحالات الاجتماعية الهشة، من أجل مساعدتهم على مجابهة هذا المرض والتعايش معه".

 

 

التأكيد على ضرورة التوعية

من جهتها أوضحت رشيدة بن منصور أنها "أمّ لطفلين، أحدهما مصاب بداء السيلياك (داء البطن)، ويبلغ من العمر 14 سنة، اكتشفت إصابته بهذا المرض عندما كان في سن الثانية، وذلك بعد إجراء سلسلة من التحاليل الطبية".

وأشارت إلى أن المرض أثر بشكل كبير على حياة أسرتها، إذ لم تكن تعرف شيئاً عنه، ولم تكن لديها أي فكرة مسبقة حول طبيعته أو كيفية التعامل معه "في البداية، لم أكن أعلم كيف أتصرف، خاصة أنه لا يوجد علاج دوائي لهذا المرض، بل يعتمد فقط على نظام غذائي خاص".

وبينت أنها عاشت معاناة كبيرة في بداية المشوار، وكانت المرحلة الأولى صعبة جداً، لكن مع مرور الوقت بدأت تفهم طبيعة المرض، وتكيّفت معه، وشرعت في البحث عن الطريقة الأنسب للتعامل معه من خلال الالتزام بنظام غذائي ملائم.

وأضافت "في بعض الأحيان، أقوم بصنع بعض المنتجات الغذائية بنفسي في المطبخ، لتلبية احتياجات ابني، لكن لاحقاً، سمعت بمشروع "حنان"، الذي سهّل علينا الكثير من الأمور، لقد ساعدتنا هذه المبادرة على تجاوز العديد من المشاكل، أبرزها تلبية احتياجات أبنائنا الغذائية".

وأكدت أن نساء الجهة تدعمن هذه الفكرة ويشجعنها، لأنها وفّرت عليهن الكثير من الجهد والوقت، لا سيما في ظل الانتشار المتزايد لهذا المرض في العديد من المناطق، مؤكدة على ضرورة توعية الأهالي بالمرض، وبأهمية النظام الغذائي الذي توفره حنان غرسلي، والحرص على الالتزام به، لأنه يساهم بشكل كبير في التخفيف من حدة أعراض داء السيلياك ويسهّل التعايش معه.