أصغر طبيبة في جعبتها 47 بحثاً علمياً

تعلم طبيبة الأسنان ريم سلام برجي اختصاص ترميم وتجميل الأسنان في نفس الجامعة التي تخرجت منها، وستحصل على درجة الدكتوراه هذا العام، كما أنها تعمل حالياً على براءة اختراع لمادة تستخدم في طب الأسنان.

فاديا جمعة

بيروت ـ ريم سلام برجي ابنة الـ 28 ربيعاً حلقت عالياً في فضاء العلم والمعرفة بالرغم من صغر سنها، لديها حتى الآن 47 بحثاً علمياً، وهي في طور الحصول على درجة الدكتوراه في طب الأسنان لتكون أصغر طبيبة في جامعتها، وتحضر للمزيد من الأبحاث والدراسات في مسيرة استثنائية واعدة.

ما يميز مسيرة ابنة مدينة صور في جنوب لبنان ريم سلام برجي أنها ستكون أول طبيبة تحصل على درجة الدكتوراه في تعاون بين جامعتها في لبنان وجامعة في فرنسا، وكانت أصغر محاضرة في مؤتمر علمي في العاصمة البلغارية صوفيا، فضلاً عن حصولها على فرصة عمل في مركز أبحاث فرنسي لكنها آثرت أن تبقى إلى جانب عائلتها التي دعمتها وافتتحت لها عيادة في لبنان.

 

البدايات

قالت ريم سلام برجي "تخرجت من جامعة القديس يوسف (USJ) في بيروت في العام 2018 بعد خمسة أعوام دراسة، وقررت بعدها أن أتخصص في تجميل وترميم الأسنان لمدة ثلاث سنوات إضافية، لأنني أشدد على أهمية التخصص في مجال طب الأسنان، وإيفاء كل تخصص حقه، فعلى سبيل المثال تأتي إلى عيادتي حالات أحولها إلى أطباء آخرين لديهم اختصاص غير اختصاصي، علما أنني أستطيع أن أعالج كل الحالات، ولكن أولي أهمية لموضوع التخصص، ولا أتعدى على اختصاصات الآخرين، لأنني أرى أهمية الاحتراف في ممارسة المهنة واحترامها".

وأضافت "لم يكن اختياري لاختصاصي لأنني الأفضل فيه تحديداً، وليس لأنني رغبت به أيضاً، بل جاء بعد مرحلة تقديم الملف أو نموذج الأعمال خلال مرحلة الدراسة وتحديدا في السنة الثالثة، وهذا الملف عبارة عن توثيق وتجميع هادفين لنماذج لم ينجح بالعمل عليها الطالب أو واجه فيها تحديات وصعوبات خلال المرحلة الدراسية وكيف قام بتذليلها وتحسين أدائه، وقد حصلت على علامة 19 من 20 وكانت علامة من النادر أن يحصل عليها أحد، واشتريت الكثير من المعدات الطبية التي لم تكن مطلوبة مني كطالبة، ولكن شغفي دفعني للقيام بذلك لدرجة انني كنت أوفر ثمنها من مصروفي على حساب احتياجاتي الأخرى، وكنت سعيدة بذلك، فمع حلول السنة الخامسة كنت قد خضت تجربة اختيار المواد والمعدات الطبية التي يختبرها الطبيب عادة بعد فتح عيادته".

 

من لبنان إلى ماليزيا

وأوضحت "في مرحلة تقديم أطروحتي اقترحت على أحد الأطباء الذين اهتموا بتطوير عملي عدة مواضيع، ولكنه وجهني نحو موضوع لم يكن من اختياراتي، وهو دراسة المادة اللاصقة التي يستعملها أطباء الأسنان قبل وضع الرصاصة البيضاء، في البداية رفضت الفكرة، ولكن وافقت بعدها لأنني كنت أؤمن بهذا الطبيب، وقد برعت خلال تقديمي للأطروحة، فكان من ضمن لجنة التحكيم نقيب أطباء الأسنان في لبنان الذي أثني على كيفية إضاءتي على موضوع غير حيوي وكيف جعلت منه مادة خلاقة وحيوية، ونلت أعلى علامة خلالها رغم المخاوف التي رافقتني".

وقالت أنها تابعت بعدها مع نفس الطبيب مرحلة الاختصاص على نفس الموضوع مع تطويره علمياً بإضافة السكر عليه، والعمل عليه بطريقة فيزيولوجية ليتفاعل مع "الكولاجين فايبر"، وبذلك يصبح أكثر تماسكاً، "كان لزاماً علي أن أقدم بحثاً علمياً لإحدى المجلات لأتابع التخصص، ولم يكن من الضروري أن يقبل للنشر فقمت بتقديم البحث مسبقاً وتم نشره، وقد كلفني إنجازه مواجهة تحديات كبيرة، لأنه تزامن مع فترة الثورة في لبنان وما تبعها من قطع طرقات وأحداث أمنية وغيرها، ومن بعد ذلك كانت جائحة "كوفيد" وما رافقها من حجر صحي ومنع تجول ومن بعدها الأزمة الاقتصادية، إلا انني كنت مصرة على المتابعة في الوقت الذي كنت أرى فيه رفاقي محطمين ويتوجهون نحو الهجرة، لكنني رفضت فكرة الهجرة وقررت المتابعة".

 

درجة امتياز

ونوهت إلى أنه "بعد انتهائي من أطروحة الاختصاص بدأت العمل على الأبحاث مع الطبيب نفسه، وكان بمثابة انجاز في فترة جائحة "كوفيد 19"، وقبل بحثي للنشر، إلى أن أصبح لدي 4 أبحاث منشورة في مجلات علمية مرموقة في العام 2020، وبهذا تقرر أنني سبقت الخطوات المطلوبة للحصول على الشهادة، فحدد موعد مناقشتي للأطروحة وقد استغرق خلافاً للعادة 3 ساعات مناقشة لكثرة الأسئلة المطروحة وكان السبب الثاني استغرابهم من صغر سني، وهذا يعتبر أطول وقت لمناقشة أطروحة حصلت فيها على درجة امتياز".

وبينت أنها تلقت هدايا كثيرة بعد مناقشتها للأطروحة معتبرةً أن "أهم هدية تمثلت في منحي فرصة إلقاء محاضرة في صوفيا - بلغاريا في قسم يسمى ladies industry أي صناعة السيدات، وعادة ما ينطلق الطبيب في محاضراته من بلده وانا بدأت إعطاء المحاضرات في مكان يحلم به كل أصحاب الاختصاص وأصحاب الخبرة، وكنت سعيدة بمشاركتي كوني الأصغر سناً لإعطاء محاضرة، فضلاً عن ذلك كنت ممثلة لبلدي تحديداً في قسم يعنى بالنساء".

 

دكتوراه وبراءة اختراع

وبعد ذلك بدأت تنهال عليها العروض من أجل العمل خارج لبنان "حصلت على عرض عمل في مركز أبحاث في فرنسا، وكنت وقتها قد افتتحت عيادتي، وهنا كنت أمام موقف صعب، كان علي أن اختار ما بين البقاء أو نسف كل آمال وتضحيات والدي والسفر، فاخترت البقاء ومتابعة الدكتوراه بين لبنان وفرنسا، وهي أول دكتوراه تتم باتفاقية بين جامعة القديس يوسف في بيروت وجامعة ستراسبورغ في فرنسا، وكان في جعبتي وقتها 15 بحثاً علمياً قبل ثلاث سنوات، واليوم أصبح لدي 47 بحثاً علمياً تم نشرها في مجلات علمية عالمية، ولم تقتصر مواضيع الأبحاث على الأسنان، فأحد المواضيع على سبيل المثال كان عن "كوفيد 19" وآخر عن التصوير الطبي وغيره".

 

ضرورة دعم المرأة للمرأة

وترى أن كل مسيرة مكللة بالنجاح لا بد وأن يتخللها تعب كبير ودعم وتضحيات "لم أختر في البداية مادة اطروحتي الجامعية، ومع ذلك برعت فيها وطورتها ولذلك ممتنة للطبيب الذي رافقني في كامل مسيرتي وآمن بقدراتي ودعمني علمياً، وممتنة لوالدي وعائلتي التي كانت الداعم الأول والأخير لي".

واختمت حديثها بالتأكيد على ضرورة انخراط المرأة في كافة الاختصاصات "شاركت مؤخراً في محاضرة في مدينتي كطبيبة، وكنت سعيدة بذلك، لأن الرجال هم من يسيطرون على هذا المجال، وأعتقد أن النساء تتميزن بطاقة أكبر فما عليهن إلا استثمارها، وأشدد كذلك على ضرورة دعم المرأة للمرأة قبل دعم الرجل لها، وأنْ لا تقف عند بعض الانتقادات والآراء التي قد تحطمها، بل عليها أن تؤمن بنفسها وتثابر لتثبت حضورها كشريك فاعل في مختلف المجالات".