إدلب... طفلات تعانين من "البلوغ المبكر"
تعاني طفلات وفتيات في الشمال السوري، من إصابتهن بمرض "البلوغ المبكر" والذي يسجل نسب مرتفعة في كل عام، حيث وصلت المعدلات إلى أكثر من 30 حالة شهرياً بحسب مصادر صحية محلية في المنطقة.
هديل العمر
إدلب ـ يعرف "البلوغ المبكر" على أنه مرض هرموني يصيب الفتيات والطفلات اللواتي هن دون سن العاشرة نتيجة نمو الأعضاء التناسلية مبكراً، مما يجعل الفتاة بالغة قبل أوانها ويؤثر بشكل كبير على حالتها النفسية والجسدية.
منذ ستة أشهر تعاني رغد كمال البالغة من العمر تسع سنوات وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة أطمة الحدودية شمال إدلب، من أعراض البلوغ المبكر التي تمثلت بتغيرات جذرية في ملامح جسدها وهو ما حول حياة الطفلة إلى بالغة وحرمها أدنى حقوقها في اللعب وممارسة حياتها الطبيعية.
تقول رانيا كمال والدة رغد كمال إنها وعلى الرغم من تشخيص مرض ابنتها، إلا أنها لم تتلقى أي علاج، بسبب عجزها عن تأمين تكلفته التي وصفتها بـ "الكبيرة والمرهقة"، حيث تحتاج إلى ما يقارب 120 دولار شهرياً ثمن إبر النمو، وهو مبلغ لا تستطيع تأمين نصفه من عملها في ورشات الأراضي الزراعية.
وأضافت أنها المعيلة الوحيدة لأربعة أطفال بعد أن فقدت زوجها نتيجة إصابته بشظايا قذيفة مدفعية استهدفت مكان عمله أواخر العام 2019، وهي غير قادرة على تغطية تكاليف علاج ابنتها، وهو ما سبب لها ضغوط نفسية وجسدية مضاعفة بسبب شعورها بالعجز وقلة الحيلة.
وأشارت إلى أن المرض سبب للطفلة عقد نفسية حرمتها من اللعب والخروج من الخيمة، حتى أنها لم تعد ترغب بارتياد المدرسة بسبب التنمر المستمر عليها من صديقاتها، وهو ما أدى لدخولها في حالة نفسية واجتماعية صعبة جعلتها تفضل الانحياز والوحدة.
لم تكن فاتن العبد الله البالغة من العمر ثمانية أعوام وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة عقربات شمال إدلب أفضل حالاً من سابقتها، حين أصيبت هي الأخرى بمرض "البلوغ المبكر" الذي أوصلها إلى حالة اكتئاب حادة جعلتها بعزلة عن المجتمع المحيط بسبب خجلها من شكلها ومظهرها أمام صديقاتها.
تقول روعة المنفوخ والدة فاتن إنهم اضطروا لبيع سيارتهم التي تعتبر مصدر دخلهم الوحيد لتأمين الأدوية للطفلة، إذ أن عملية الاستطباب تحتاج إلى استمرارية ونتائجها لا تظهر إلا على المدى الطويل، وهو ما يجبرهم على تحمل رحلة العلاج الشاقة والمرهقة مادياً، خاصة وأن الطفلة تخضع للعلاج النفسي من جهة وعلاج مرضها الأساسي من جهة أخرى.
وأضافت أن غلاء حقن النمو وندرتها قد تدفعهم لإيقاف العلاج بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، خاصة وأنهم فقدوا مصدر دخلهم الوحيد، الذي كان يؤمن لهم الحد الأدنى من المواد الغذائية الأساسية.
ولا تخفي النازحة حزنها وألمها على ما آل إليه حال ابنتها التي وصلت إلى حد تغيير سلوكياتها وعادات طعامها وشرابها وحتى نومها، بسبب خجلها من شكلها الخارجي الذي يوحي بأنها فتاة بعمر 15 عاماً.
من جهتها تقول الطبيبة المختصة بالأمراض النسائية والتوليد إيمان عبد الصمد 46 عاماً إنه غالباً ما يكون سبب البلوغ المبكر مجهولاً، ولكنه قد ينجم عن حالات بنيوية شاذة، أو وراثية أو نتيجة للعوامل النفسية والاجتماعية المحيطة بالطفلة أو الفتاة.
وأضافت أن البلوغ المبكر هو مجموعة من التغيرات الجسدية التي تحدث بشكل متسلسل، مما يؤدي إلى اكتساب الطفلة علامات النضج الجسدي والقدرة على التناسل، وهو ما يسبب حالة من الخوف والقلق التي تؤدي إلى مشاكل نفسية وجسدية مضاعفة على المريضة.
وأشارت إلى أن طول أمد العلاج وتكلفته المرتفعة تدفع معظم الأهالي للعزوف عن علاج الطفلات، وهو ما يسبب لهن أضرار جسدية كبيرة على المدى البعيد وتأتي في مقدمتها "توقف النمو وتكيس المبايض" وعدم القدرة على الإنجاب.
وبحسب الأخصائية إيمان عبد الصمد فإنه يمكن تأخير تقدم البلوغ المبكر الغامض بالمعالجة الدوائية، مما يجنب الفتاة المشاكل النفسية الاجتماعية، ويمكنها من متابعة حياتها بالشكل الطبيعي.