رفيقة الكفاح والحياة... الأم عقيدة عثمان

في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 هاجمت الدولة التركية المرتزقة التابعة لها مدينة رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي في شمال وشرق سوريا

أحيت صديقات الأم عقيدة عثمان الذكرى الثانية لاستشهادها وقلنَّ "قد أمضينا عمراً من الكفاح والحياة المشتركة معاً، سنعرف عقيدة دائماً كمثال على نجاح وانتصار ثورتنا ونكون على خطى نجاحها".
 
روج هوزان
قامشلو ـ . أصبح كل مكان في روج آفا ساحة للقتال. في اليوم الخامس من الحرب، وصلت قافلة من المدنيين من كافة مدن ومناطق شمال وشرق سوريا إلى رأس العين/سري كانيه لدعم مقاتلي مقاومة الكرامة ورفع معنويات الأهالي. فاستهدفت الدولة التركية قافلة المدنيين، التي كانت الأم عقيدة عضو مؤتمر ستار، وعضوة مجلس عدالة المرأة في نفس الوقت ضمنها واستشهدت في الهجوم. 
 
نبذة عن حياة الشهيدة عقيدة عثمان
ولدت عقيدة عثمان عام 1966 في قرية كري بري التابعة لناحية كركي لكي التابعة لمقاطعة قامشلو في شمال وشرق سوريا. تزوجت الأم عقيدة في كركي لكي وأصبحت أم لخمسة أطفال. كانت أماً وطنية ولديها رؤى عميقة لمعنى ومفهوم ثورة الحرية، فضلاً عن كونها رائدة في الدفاع عن قيم الثورة.
عملت الأم عقيدة بشغف كمناضلة من أجل الحرية وكانت صاحبة موقف وقرار في منزلها، وكامرأة لديها أطفال استطاعت أن تحقق التوازن بين منزلها وعملها في المنظمة النسائية. كانت ذات رأي ثاقب وعانقت روحها المرحة الجميع. عرفت المنظمة النسائية وحركة حرية المرأة منذ زمن طويل، وارتبطت بفكر ونهج القائد عبد الله أوجلان وحزنت كثيراً على اختطافه وأسره وأعلنت الحداد.
اعتقلت من قبل النظام السوري عدة مرات بسبب هذا الفكر الحر، ولم يكسر اعتقالها من عزيمتها وقوتها وإرادتها ضد العدو أبداً، وفي كل مرة كانت تشارك في النضال بروح جديدة. بنى كفاحها وكفاح رفاقها روحاً حية من الحب الثوري داخل كل امرأة. ومع انطلاقة الثورة في روج آفا أخرجت الحسرة والشوق المدفون في قلبها منذ سنوات وكانت سعيدة جداً بالثورة. كانت تحلم دائماً أن إرادة الشعب ستنتصر في يوم من الأيام وتنطلق معها الثورة، وكامرأة ثورية رأت نفسها أساس الثورة وكانت جاهزة كرائدة أمام المجتمع. 
كان التواجد في مفهوم الثورة أعظم إنجاز لجميع الأمهات. حملت أمهات مثل عقيدة عثمان عبء الثورة على عاتقهن، لأنهن كن نساء ذوات خبرة ودائماً ما أظهرن ذلك لنا في روحهن. لم يكن هناك ما يوقفهن وكانت أهدافهن النجاح والانتصار دائماً. لم تكن الأم عقيدة رائدة الثورة فحسب، بل من خلال هذه الروح انضم أطفالها أيضاً إلى صفوف الثورة ولم تقف أمام قراراتهم. كانت نشطة وعلمت كل امرأة روح الانتقام حتى وصلت إلى مستوى الشهادة. توجهت الأم عقيدة مع قافلة من المدنيين إلى مدينة رأس العين/سري كانيه دعماً للمقاتلين/ت مرددة شعارات النصر حتى اللحظة الأخيرة. فقصفت الدولة التركية القافلة المدنية بغارات جوية استشهدت على إثرها الأم عقيدة.
 
"اجتمعنا من خلال حبنا لفلسفة الحرية"
قالت أسما مراد صديقة الأم عقيدة عثمان التي كانت معها يداً بيد خلال جميع لحظات النضال والكفاح عن روحها الرفاقية "أنا والأم عقيدة نعرف بعضنا البعض منذ سنوات طويلة. كنا جيراناً وأصدقاء في نفس الوقت. لقد كانت صديقة حقيقية لي، وقد كرست كل أعمالها وخدماتها لهذا البلد وشاركت دائماً في النضال. لقد تألمنا وعانينا كثيراً وفي نفس الوقت قضينا أياماً من المقاومة والنجاح معاً. كانت تقدر وتحترم جميع الأمهات، وكان باب منزلها دائماً مفتوحاً للوطنيين. تعرفنا على الفكر الحر معاً ومن خلال حبنا لفلسفة الحرية اجتمعنا. كانت صديقة قريبة لقلبي. تأثرنا كثيراً بأسر القائد آبو، وأعلنا الحداد معاً وارتدينا الملابس السوداء".
وأضافت "شاركنا دائماً معاً في العمل وفعاليات الإضراب عن الطعام وفي جميع ساحات النضال ومجالات الثورة. قمنا بتنظيم النساء وعُرفنا على أننا أمهات الثورة النسائية. خلال فترة حكم نظام البعث عملنا سراً وتعرضنا سويةً إلى الكثير من التعذيب من قبل النظام وقررنا دائماً مواصلة العمل. من ضمن مجموعتنا من الأمهات أصبحت عقيدة شهيدة الثورة. لا أعرف ماذا أقول، فقدت أختي أو جارتي أو صديقتي. كنا نفهم بعضنا البعض وكانت أعمالنا واحدة. عقيدة رمزاً للأم المناضلة ومقاومة الكرامة".
 
عمل الأم عقيدة في مجلس عدالة المرأة
وعن أعمالها وأعمال الأم عقيدة التنظيمية قالت أسما مراد "قبل الثورة كنا نعمل كناشطات وكنا أعضاء في اتحاد ستار. مع انطلاقة الثورة واصلنا عملنا مرة أخرى تحت اسم مؤتمر ستار. بعد فترة، عملنا معاً في مجلس عدالة المرأة. بالطبع عندما يتحدث الناس عن العدالة، فإنهم يرون أنه لا يمكن للجميع تحقيقها والحفاظ عليها، لكن كان بإمكاننا الحفاظ على ذلك داخل مجتمعنا من خلال الرؤية المشتركة والنهج الصحيح. كما أنه مع انطلاق الثورة مورست ضغوط كبيرة على المرأة، لأن الثورة كانت جديدة ولم يكن المجتمع منظماً بشكل كامل. لم نقبل أنا والشهيدة عقيدة بالعنف ضد المرأة، وكان موقفنا واضح في دعم المرأة. بالنسبة للنساء حققنا لهن العدالة وكنا داعمين لهن. دافعنا عن حقوق المرأة في المشاكل والقضايا التي تطلبت العدالة، وعلمنا النساء معنى حقوقهن. إذا وقفت المرأة إلى جانب المرأة، فإنها بالطبع ستقيم عدالة دائمة وتتخلص من العقلية التي تم خداعها بها. لقد أمضينا معاً عمراً من النضال والعيش المشترك حيث كانت كل نضالاتنا وحياتنا معاً".
 
الوداع الأخير
وعبرت أسما مراد عن مشاعر الوداع الأخير لرفيقة دربها عقيدة بهذه الكلمات "لم أكن أعلم أنها ذاهبة إلى سري كانيه، لأننا كنا نحن الأمهات جميعاً نشارك في مراسيم شهداء مقاومة الكرامة حينها. حاولنا الاتصال بها على هاتفها لكنها لم تكن ترد، يمكنني القول إنها كانت المرة الأولى والأخيرة التي افترقت فيها عني. عندما سمعنا أن الدولة التركية استهدفت القافلة المدنية، شعرت في قرارة قلبي أن رفيقتي ودعتني الوداع الأخير. كان استشهادها مؤلماً جداً. سنعرفها دائماً كمثال على انتصار ثورتنا وسنكون شهوداً على نجاحها. لا تزال عقيدة تعيش في قلبي، وغالباً ما أراها في أحلامي وأرى أننا معاً مرة أخرى. كل صباح أحييها في الصورة المعلقة في منزلي وأتشارك معها آلامي عندما أزور قبرها. أنام على قبرها مرة في الشهر وأتحدث معها حتى وقت متأخر من الليل. ستظل عقيدة رفيقة حياتي دائماً، فبدونها ستكون الحياة صعبة للغاية بالنسبة لي".
 
"عقيدة رمزٌ لكفاحنا نحن جميع الأمهات"
وقالت آيهان مراد التي كانت أيضاً صديقة للشهيدة عقيدة عن ذكرياتها وصداقتها معها "مهما تحدثت عن صداقتي مع الأم عقيدة سيبقى ذلك قليلاً، لكن أحياناً يكون من الضروري أن يتحدث الناس عن الحياة التي قضوها معاً لتخفيف بعض العبء عن قلوبهم. في منطقة كركى لكي تشتهر مجموعتنا من الأمهات بريادتهن وكفاحهن وهناك صداقة قوية جداً بيننا. كلمة الصداقة جميلة جداً ولطيفة للغاية، من خلال الصداقة الحقيقية وضمن الحركة الصحيحة اجتمعنا مع بعضنا البعض. لقد تركت الشهيدة عقيدة ذكريات جميلة جداً وراءها وكنا كعائلة نتقاسم أحزاننا وأفراحنا معاً".
وأضافت "كانت امرأة ذات وجه باسم تجذب المرء للانضمام إلى روح العمل. بقينا في السجن معاً وعشنا أصعب اللحظات. في اليوم الذي تم فيه اختطاف القائد آبو لن أنسى غضبها، قررنا أن نعلن الحداد معاً. كانت تشعر دائماً في قرارة نفسها أنها ستستشهد يوماً ما وتحظى بقيم الشهادة. في الأيام الأخيرة قبل الاستشهاد كان ذلك الشعور أكثر حدة. لقد وعدنا بعضنا البعض بالفعل أنه إذا استشهدت واحدة منا نحن الأمهات يجب على رفاقها مواصلة كفاحها. لم أتخيل أبداً أننا سنفقد بعضنا البعض في يوم ما. كانت عقيدة رائدة كفاحنا نحن جميع الأمهات".
https://www.youtube.com/watch?v=C4qc-V-N-m8
https://www.youtube.com/watch?v=q_UWCgeF5nw