يسرى درويش... مسيرة نضال من أجل بناء مجتمع ديمقراطي

كرست المناضلة يسرى درويش حياتها لإحداث تغيير مجتمعي شامل عبر تنظيم فعاليات اجتماعية وسياسية في مقاطعة قامشلو بشمال وشرق سوريا على أسس فلسفة الأمة الديمقراطية.

شيرين محمد

قامشلو ـ ولدت يسرى محمد درويش عام 1972 في عامودا التابعة لمقاطعة قامشلو بشمال وشرق سوريا، وتخرجت من الجامعة في قسم اللغة الفرنسية عام 2001، وبعد ثورة المرأة في روج آفا التي انطلقت في 19 تموز/يوليو عام 2012، انخرطت في أنشطة الثورة وقيادتها.

أصبحت يسرى درويش في البداية معلمة للغة الكردية، ثم مديرة مدرسة بتول الإعدادية في عامودا، إلى أن شاركت في تأسيس إدارة المدارس في المدينة، وفي وقت لاحق تم انتخابها رئيسة مشتركة لمركز عامودا التعليمي، وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2022، تم انتخابها كرئيسة مشتركة لمقاطعة قامشلو.

وكانت صاحبة فكر حر وتناضل من أجل تحرير كافة النساء في المنطقة، وكرست حياتها لإحداث تغيرات جذرية داخل المجتمع بغية تطويره، وللتعرف أكثر على يسرى درويش التي تم استهدافها مع نائبتها ليمان شويش في 20 حزيران/يونيو الفائت، بطائرة مسيرة تابعة للاحتلال التركي، على طريق قامشلو ـ تربسبيه، مما أدى إلى استشهادهما، التقت وكالتنا مع أفراد عائلتها وصديقاتها في العمل.

وتحدثت شقيقتها الأكبر منها سناً كوثر درويش عن شخصية يسرى درويش قائلة "منذ طفولتها كانت لها شخصية مختلفة وكانت بمثابة قدوة لصديقاتها، فهي أول فتاة درست وأكملت تعليمها في الحي الذي نعيش فيه وتفوقت في مدرستها الأمر الذي جعل الفتيات تطالبن بالذهاب إلى المدرسة نظراً لأنه آنذاك لم تكن تولي العائلات الاهتمام لتعليم أبنائها خاصة الفتيات".

وأضافت "بعد أن انتهت يسرى درويش من الدراسة الثانوية ذهبت إلى مدينة حلب لتكمل تعليمها الجامعي في مجال الأدب الفرنسي، وبعد تخرجها لم تحصل على وظيفة كونها مكتومة القيد (أجنبية) فحكومة دمشق لم تكن تعطي الحقوق لمكتومي القيد آنذاك، لذا كانت تدرس في القرى القريبة من المنطقة لتقوم بواجبها اتجاه مجتمعها".

وكانت يسرى درويش متأثرة بفكر القائد عبد الله أوجلان، وعن ذلك تقول كوثر درويش "قبل الثورة، خلال أعوام تدريسها لم تكن تذهب إلى المدرسة في الخامس عشر من شباط اليوم الذي يصادف ذكرى اعتقال القائد عبد الله أوجلان (يوم المؤامرة الدولية) كونها كانت متأثرة بفكره وفلسفته، وكانت تتعرض للشتائم من قبل بعض الطلاب والمعلمين في المدرسة الذين قدموا شكوى ضدها وتم فصلها من المدرسة".

وأكدت كوثر درويش على ارتباطهم ومعاهدتهم السير على خطاها وخطى جميع الشهيدات "لن نتخلى عن مقاومة الشهيدة يسرى درويش ومسيرتها المليئة بالتضحيات وسنقاوم من أجل أن نحرر أرضنا وأنفسنا".

بدورها قالت شقيقتها الأصغر ميادة درويش "لم نكن فقط شقيقتين كنا كصديقتين، قبل ما يقارب شهر من استشهاد شقيقتي يسرى درويش قالت وهي تبتسم بأنها سوف تستشهد كانت تنتظر ردة فعلي على كلامها، لكني لم أبدي أي ردة فعل، فقالت لي هل أنتِ مستعدة لهذا اليوم الذي سأستشهد فيه، كنت أفكر بكلماتها ولم أنساها حتى هذه اللحظة، وقبل يوم من استشهادها التقينا لما يقارب العشر دقائق وكانت الفرحة لا تفارق وجهها في تلك الليلة لم أكن أتخيل ولو ليوم أن افقدها هكذا".

وأضافت "كانت امرأة قوية وصاحبة إرادة ومقاومة ولم تتوقف ولو للحظة عن أداء واجبها من أجل مستقبل أفضل، حتى عندما كانت هجمات الاحتلال التركي تستهدف الأحياء والمنطقة لم تتخل عن حيها ولم تكن تفكر أن تترك أرضها، كنت أستمد قوتي منها".

أما صديقتها التي عملت معها لسنوات، المتحدثة باسم إدارة المدارس في ناحية عامودا هناء خالد قالت "لا يمكن لأي شخص أن ينال مرتبة الشهادة فقط أصحاب الإرادة والفكر الحر الذين يقودون المجتمعات ويسعون بكل ما يملكون لتحرير أرضهم ينالون هذه المرتبة".

وأضافت "تعرفت على الشهيدة يسرى درويش مع بداية الثورة في روج آفا، عملنا معاً في مجال اللغة والتدريب وكانت من الإداريين الأولين للمدارس في ناحية عامودا وصاحبة كدح وعمل على مدى أربع سنوات في إدارة المدارس وتدريس اللغة، بعدها أدارت مدرسة بتول، مريم خان، تيريج، كما عملت في تنظيم المؤتمرات والكونفرانسات وكان لها دور بارز في تعريف نظام التدريس هنا للدول العالمية إذ زارت عدة دول".

وأوضحت هناء خالد أن يسرى درويش كان لديها الكثير من الأهداف أحدها أن يتعلم كل شخص بلغته الأم  وخاصة الكرد كونها حُرمت من الدراسة بلغتها لذا كانت تعمل لتحصل الأجيال القادمة على أحد حقوقها الأساسية ألا وهي التعلم باللغة الأم.

سميرة حاج علي الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم لشمال وشرق سوريا التي التقت بـ يسرى درويش للمرة الأولى في عام 2012 تزامناً مع بداية الثورة في روج آفا، لفتت إلى أن "يسرى درويش لعبت دوراً بارزاً في تأسيس وتنظيم الكومينات في عامودا، وقررت أن تتعلم لغتها الأم وتلقت دورات لإتقانها وبعدها درست هذه اللغة لأبناء مجتمعها الكرد الذين حرموا سابقاً من لغتهم".

وذكرت أنه لطالما كانت تجتمع يسرى درويش مع الأهالي في بداية الثورة لتوعيتهم بضرورة التعلم باللغة الكردية ولم تكن تستسلم من المحاولات الأولى، وكانت صاحبة أهداف مختلفة وروح مرحة "لا زلنا نعيش على دعمها لنا لأنها هي من كانت تدفعنا نحو حب الحياة والمقاومة من أجل تحقيق أهدافنا".

وبينت أنه "كنت قد توجهت مع يسرى درويش إلى هولندا على أساس دعوة كانت قد أرسلت لنا من أجل التعريف باللغة الكردية ونظام التربية والتعليم في روج آفا، لمدة ما يقارب الـ 11 يوماً، كانت تناقش مع الأشخاص هناك رغم أنها لم تكن تتقن لغتهم".

وفي ختام حديثها، قالت سميرة حاج علي إنه بعد مسيرة من النضال في المجال التعليمي رشحت يسرى درويش لتصبح الرئيسة المشتركة لمقاطعة، وشاركت في كافة الفعاليات التي تنادي بحرية القائد عبد الله أوجلان وتدعم ثورة المرأة في روج آفا، وكانت لا تتوقف عن العمل حتى عندما استشهدت كانت على رأس عملها، لافتةً إلى أنه "لن يتمكن الاحتلال التركي ومرتزقته من كسر إرادتنا بالانتهاكات التي يرتكبها بحق شعوب المنطقة، وسنسير على طريق الشهيدات حتى النهاية".