تاريخ تكتبه النساء... منبج بعد سبع سنوات من التحرير

خلال 7 سنوات خاضت المرأة في منبج بشمال وشرق سوريا، نضال تاريخي في الرفع من سوية واقعهن في المجتمع للوصول إلى حريتهن بعد معاناتهن من كافة أشكال الانتهاكات على أيدي مرتزقة داعش.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ على مدى سبعة أعوام تمكنت النساء في مدينة منبج بشمال وشرق سوريا، اللواتي كان لهن النصيب الأكبر من انتهاكات مرتزقة داعش، من النهوض بواقعهن والمشاركة في كافة المجالات وانتشال أنفسهن من مستنقع العبودية بمساعدة الإدارة المدنية.

عاشت مدينة منبج في شمال وشرق سوريا ما يقارب الثلاثة أعوام تحت نير مرتزقة داعش، وعانت كبقية المدن من كافة أشكال الانتهاكات.

 

 

تقول الناطقة باسم مركز دراسات الجنولوجيا "علم المرأة" ياسمين القوجو عن سنوات سيطرة داعش على مدينة منبج وما كان يمارسه بحق أهاليها وعلى وجه الخصوص النساء "شكل دخول داعش لمدينة منبج عقب سيطرة الجيش الحر على المدينة وانتهاك حقوق الأهالي وتضييق الخناق عليهم، هاجس من القلق والخوف لدى الأهالي، عدا أنها كانت ذا ذهنية جديدة مجهولة الهوية والغايات بالنسبة للأهالي".

وأوضحت أنه فور سيطرة المرتزقة على المدينة باشرت بتطبيق قوانينها التعسفية على الأهالي والتدخل في شؤون حياتهم "لقد تمت السيطرة على المجتمع من خلال استخدام الدين الذي تم توجيهه لمحاربة النساء عبر التضييق عليهن والتدخل بأدق تفاصيل حياتهن، فتباع المرأة وكأنها قطعة أثاث من مرتزق إلى آخر، عدا عن التعذيب والجلد الذي يطال الرافضات لممارساته. عاشت النساء في خوف وقلق دائمين حتى أن الكثيرات أنهين حياتهن هرباً من هذا الواقع الذي أجبرن على عيشه".

وأضافت "لقد سعى مرتزقة داعش للسيطرة على المجتمع عبر التحكم بالنساء لأنه يدرك أن المرأة هي الحلقة الأقوى فيه، وإذ ما تم إضعافها يسهل التوغل في المجتمع والتحكم به، أي أن المرأة استخدمت كأداة لتحقيق أطماعهم في المجتمع، لذا كانوا يتذرعون بأي أمر ليعتقلوا امرأة، حتى أن بعض الرجال تبرؤوا من زوجاتهم إذا ما صادفوا المرتزقة خوفاً من العقوبات المتمثلة بالجلد أو الخضوع لدورة شرعية وبعضها وصل إلى القتل".

وأكدت على أنه بالرغم من كل تلك الممارسات الكثير من النساء لم تصمتن ومنهن من لقين حتفهن، أو تم اعتقالهن وتعرضن للتنكيل، مشيرةً إلى ازدواجية معايير داعش في أحكامها "كان المرتزقة يرجمون النساء بتهمة الزنا، بينما كانوا يحللون ذلك لأنفسهم، فقد كانوا يبيعون النساء ويشترونهن من أسواق النخاسة كسبايا"، لافتةً إلى أن "داعش لم يكن المرتزق الوحيد الذي سيطر على مدينة منبج، ولكن كانت فترة سيطرته الأسوأ، لقد شهدت المدينة أفظع الانتهاكات".

وعن تحرير مدينة منبج في الثاني عشر من آب/أغسطس عام 2016، تقول "بعد حوالي ثلاثة أعوام من سيطرة داعش على المدينة وقمعه للنساء اللواتي كن تبحثن عن متنفس للخروج من الواقع المرير، شكل التحرير نقطة تحول في حياتهن".

وكانت قد انطلقت حملة تحرير مدينة منبج بشمال وشرق سوريا، في الأول من حزيران/يونيو 2016، ليتم تحريرها بعد 72 يوماً من مقاومة ومعارك طاحنة خاضتها قوات سوريا الديمقراطية ومجلس منبج العسكري ووحدات حماية المرأة والشعب ضد مرتزقة داعش.

 

نقطة سوداء في تاريخ المدينة

 

 

وفي السياق ذاته، تحدثت مسؤولة مكتب العلاقات في مجلس سوريا الديمقراطية في الرقة أمل دادا، وهي إحدى مؤسسات الإدارة المدنية الديمقراطية في مدينة منبج "أثناء سيطرة داعش على مدينة منبج كنت متواجدة في المدينة، لقد كانت مرحلة بمثابة نقطة سوداء في تاريخ المدينة، لقد سعى المرتزقة من خلال ممارساته إلى إنهاء المجتمع وسيادة الجهل فيه، فقد أغلقوا المدارس وفرض فكره ونهجه على الأطفال".

وأوضحت أنه "كل من كان يناقض أحكامهم أو يخالفها ويرفضها كان يعاقب بالقصاص في الأماكن العامة، وكانوا يجبرون الأهالي على المشاهدة، حتى أنهم كانوا يبقون الجثث معلقة لأيام في الساحات العامة، ولا ننسى المجازر التي ارتكبت في الريف الشمالي، الرمانة والماشي والبوير".

 

تحرير المدينة نقطة تحول في واقع المرأة

وعن التغيير الذي طرأ على واقع المرأة بعد التحرير، تقول "تحرير مدينة منبج ذكرى نحتت في ذاكرة كل امرأة، لأنه يوم تخلصت فيه النساء من الظلم وكان بمثابة ولادة جديدة لهن، لقد كانت فرصة للتخلص من الظلام الذي حل عليهن، وكانت المقاتلات المحور الرئيسي لرحلة تحرير المدينة، فقد كان لهن دور كبير في رسم الطريق أمام النساء في منبج، ومن هنا انطلقت وألتفت النساء حول المقاتلات والمناضلات".

وكان المجلس المدني الذي تأسس قبل حملة تحرير مدينة منبج من قبل أبناء وبنات المدينة واكب حملة التحرير خطوة بخطوة فكل قرية تم تحريرها، كانوا يقومون بإنشاء الكومينات فيها بشكل إسعافي وتوزيع المساعدات على الأهالي.

وأوضحت أمل دادا أن حملة التحرير على مستويين "خلال الحملة عملت القوات العسكرية على تحرير المدينة وأريافها من مرتزقة داعش، وعقبتها المجالس المدنية التي أمنت الحياة الاجتماعية ومستلزماتها، ومن ثم عملوا على إعادة تأهيل المدارس وتنظيفها من مخلفات داعش".

وعن بداية انخراط النساء في مشروع الأمة الديمقراطية، تقول "استقطاب النساء إلى مشروع الأمة الديمقراطية كان عبارة عن تحدي كبير خاصةً وأنه آنذاك لم يكن قد مضى وقت طويل على تحرير المدينة والمرتزقة كانوا على بعد كيلو مترات من منبج، لذا كان لا يزال الخوف مسيطراً على الأهالي وخاصة النساء منهم، لقد تطلب تنظيمهن في المدينة المحررة حديثاً جهداً كبيراً، حيث لم يكن لديهن الجرأة الكافية للانخراط في العمل مع الإدارة الحديثة العهد ولم تكن تعرفن إلا القليل عنها، لكن مع التوعية والتعرف على مشروع الأمة الديمقراطية تزايد العدد بشكل ملحوظ خاصةً في السنوات الأخيرة، عندما عرفت النساء بأن الإدارة الديمقراطية تسعى لاحتضانهن انخرط عدد كبير منهن في العمل".

وبعد تحرير مدينة منبج من قبل المجلس المدني الذي تأسس في الثاني عشر من آذار/مارس 2017، تأسست الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها وتشكلت من 13 لجنة ومن بينها لجنة المرأة، وأخذت هذه اللجنة على عاتقها تنظيم النساء في لجان ومكاتب.

وأشارت أمل دادا إلى أنه مع مرور الوقت بدأت النساء بالمشاركة في بناء المؤسسات وتطوير العمل وإيصاله لمراحل متقدمة "لقد مررنا بمراحل صعبة وتحديات اجتماعية وفكرية، فتجربة مشاركة المرأة في الإدارة وتحرير المدن، لا مثيل لها في العالم ليس فقط في الشرق الأوسط".

وتابعت "تحرير مدينة منبج أفسح المجال أمام النساء لتستلمن زمام الأمور، وتصلن إلى مواقع صنع القرار وجميع مجالات الحياة وميادين العمل، حتى نظرة المجتمع للمرأة والمفاهيم الخاطئة التي كانت مترسخة قبل سيطرة داعش تم تصحيحها. لطالما نظر المجتمع للمرأة على أنها مخلوق مسلوب الإرادة والقوة، ولكن الإرادة التي ظهرت خلال سنوات التحرير شكلت رداً على هذه المفاهيم التي تزعزعت مع دخول المرأة للعمل العسكري متجهة إلى كافة المجالات، وهذه هي الثورة الحقيقية بالنسبة للمرأة في منبج. اقتدنا بالمرأة الكردية، لكن بعد أن تحررنا أصبحنا نحن القدوة لبقية المناطق، حيث لم يكن هناك في السابق نساء تعملن في قسم شرطة المرور، بينما الآن تتواجدن على الجبهات كمقاتلات كما أنهن تشاركن في صنع القرار".

وأشادت في حديثها بنظام الرئاسة المشتركة في شمال وشرق سوريا "ساوى نظام الرئاسة المشتركة المرأة مع الرجل بحكم أنه قد همش دورها من قبل الأنظمة السلطوية"، مشيرةً إلى أن النساء الآن تمتلكن حتى اقتصاد خاص بهن، وأنهن أسسن لأنفسهن العديد من الجمعيات والتنظيمات النسوية كتجمع نساء زنوبيا الذي يُعنى بشؤون المرأة ويعمل على تفعيل دورها وتمكينها في المجتمع "بالرغم من أنه لا يزال هناك الكثير من المعوقات والتحديات، إلا أنه لا يجب أن يستهان بقوة المرأة وقدرتها على تجاوزها فقد استطاعت الانخراط في كافة المجالات والتخلص من المرتزقة خلال فترة وجيزة، ولعبت دوراً ريادياً في رسم سياسة المنطقة ولاتزال تناضل لتواصل هذا الدور".

وأوضحت أن مشروع الأمة الديمقراطية والإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها تمكن من تغيير الكثير من المفاهيم التي رسخها المجتمع، وفتح أعين العالم على جوانب أخرى كانوا يجهلونها، وأهمها إرادة المرأة التي بمقدورها أن تدير أي مجال تواجدت فيه حتى المجال العسكري "هذا ما رأيناه بشخصيات المقاتلات والقياديات المرابطات على جبهات القتال، فلعبت المرأة دور أساسي في تنظيم النساء واستقطابهن وتهيئة البيئة المناسبة لهن لتلعبن دورهن بأكمل وجه".

 

رفع وتيرة النضال للحفاظ على المكتسبات

وأضافت "إذا ما قارنا المرحلة الحالية مع البدايات نجد أن النساء خضن شوطاً كبيراً، في كل المؤسسات أصبح هناك كوتا لتمثيل كافة المكونات من كرد وعرب وشركس وتركمان"، مشيرةً إلى أن "خلال السبع سنوات الماضية حققت النساء قفزة نوعية ورفعت من سوية العمل في كافة المجالات في مشروع لم يسبق له مثيل وأبرزها المجال العسكري، فهناك الكثير من القياديات على جبهات القتال استطعن أن تسطرن التاريخ بحروف من ذهب".

وفي ختام حديثها، شددت أمل دادا على أنه "لازلنا بحاجة لتصعيد المقاومة لأن التحديات على جميع الأصعدة لم تنتهي بعد، والرفع من وتيرة النضال للحفاظ على المكتسبات التي حققناها وذلك من خلال تضافر الجهود".