شابة مغربية تجمع بين كرة القدم والكتابة السردية

حطمت فاتحة فاتح الصورة التقليدية حول لاعبات كرة القدم، مطلقة تحدياً جديداً يثبت أن المرأة تستطيع الجمع بين احتراف كرة القدم وممارسة الكتابة الإبداعية كشكل آخر من أشكال التعبير.

رجاء خيرات

المغرب ـ في دروب حي "البرنوصي" بالدار البيضاء تعلمت فاتحة فاتح ممارسة كرة القدم، وفي دروب الحياة اختارت الكتابة وسيلةً أخرى للتعبير عن الذات، متجاوزة الصور النمطية المرتبطة بلاعبات كرة القدم.

في سن مبكرة بدأت فاتحة فاتح تخطو أولى خطواتها نحو احتراف كرة القدم النسائية، بين دروب الحي الشعبي الذي نشأت فيه بالدار البيضاء، وفي صفوف أبناء الجيران الذكور. التحقت بأحد أندية المدينة قبل أن تصبح لاعبة محترفة في نادي "فينيكس" بمراكش.

 

مساحة أخرى للتعبير عن الذات

رغم احترافها لكرة القدم، لم تنقطع يوماً عن القراءة والكتابة اللتين شكلتا شغفاً آخر أضيف إلى ولعها بالكرة، وقد أثمر ذلك ميلاد إصدارين أدبيين بعنوان "في رثاء البراء" و"وطن لا يُرى ظله".

وعن الكتابة، تقول "بعيداً عن الملاعب، أردت أن أخلق لنفسي مساحة أخرى للتعبير عن مشاعري وأفكاري وتصوراتي لعدد من القضايا الإنسانية التي شغلت ولازالت تشغل بالي. كل ما دونته في هذين الإصدارين، هو نتاج مجموعة من الملاحظات والانطباعات والتجارب التي مررت بها في حياتي".


         


        

وأوضحت "في الواقع، كما هو الحال مع كرة القدم، كانت القراءة والكتابة بالنسبة لي متنفساً آخر يفتح أمامي آفاق التعبير. فقد وجدت في الكتابة وسيلة لأبوح بمشاعري، وحرصت على ممارستها بانتظام، بينما شكلت القراءة معيناً لا ينضب يغذي مخيلة الكاتب ويزوده بأدوات اللغة التي تحتاج إلى صقل وضبط. فبدون قراءة، لا يمكن للكاتب أن يواصل حياته الإبداعية أو يستمر".

في البداية لم يكن هاجس فاتحة فاتح أن تنشر ما تكتبه، فقد كانت تكتب لنفسها فقط، وأحياناً تنشر نصوصها عبر منصات التواصل الافتراضي، إلى أن نصحها أصدقاؤها بتجميع النصوص التي تنشرها في كتاب لأنها "تستحق النشر".

تكتب عن المهمشين والمشردين وأبناء الهامش في مدينة الدار البيضاء، تلك التي يسميها المغاربة "المدينة الغول" هي المدينة التي نشأت فيها، ومن خلالها تعرفت على فئات مختلفة من المجتمع المغربي، فالدار البيضاء تحتضن شرائح متعددة قدمت من مختلف مناطق المغرب، بحثاً عن فرص أفضل في الحياة.

وتقول "كتبت نصوصاً عن أطفال الشوارع والمشردين وأبناء الفقراء. في مدينة الدار البيضاء تشكل لدي حساً من نوع خاص، أنصت لنبضهم، وأردت أن أكون صوتهم المسموع، لم يكن بإمكاني أن أترك تلك الصور التي تمر يومياً من أمامي دون أن أدونها في نصوص لم أفكر يوماً في نشرها في كتاب لولا إلحاح بعض الصديقات والأصدقاء".


         


        

الجمع بين كرة القدم وعالم السرد

وترفض فاتحة فاتح فكرة ‫"أن هناك هوة كبيرة بين لاعبات كرة القدم وعالم الأدب‫"، فهي ترى أن المجتمع لا يعترف بحق المرأة في التواجد في بعض الفضاءات كالملاعب، رغم أن الكرة النسائية أصبحت تفرض نفسها بقوة، في مجتمع لا يعترف بحقوق النساء، إلا أن الجمع بين كرة القدم والأدب ما يزال يشكل مفارقة عجيبة بالنسبة للكثيرين‫.

وتقول إن المسافة بين الرياضة والأدب لا تزال كبيرة، وتصف ذلك بالشيء المؤسف، إذ يصعب في مجتمع تغلب عليه الذكورية تقبّل امرأة تمارس كرة القدم، وهي لعبة ظلّت لوقت طويل حكراً على الرجال، فكيف بامرأة تجمع بين ممارسة الكرة والكتابة السردية. ومع ذلك، فهي لا ترى في الأمر استحالة؛ فبينما تسعى جاهدة لتطوير مهاراتها الكروية، تطمح أيضاً إلى أن تصنع لنفسها اسماً بارزاً في عالم السرد.

وبينت أنها لم تختر دخول عالم الكتابة عن قصد، بل وجدت نفسها تكتب بشكل شبه يومي كل ما يعتمل في داخلها من مشاعر وأفكار، رغبةً منها في أن تُسمع صوتها وتعبّر عن أولئك الذين لا صوت لهم. بالنسبة لها، لم تكن الكتابة يوماً متعارضة مع احتراف كرة القدم كما يظن البعض، بل هما شكلان مختلفان للتعبير، يؤديان الوظيفة نفسها وهي تحقيق الذات وإيصال ما تشعر به.


         


        

الكتابة والاغتراب

خلال كل المحطات اليومية التي استوقفتها وحولتها إلى نصوص نابضة بالحياة، ظلت فاتحة فاتح تشعر بنوع من الاغتراب داخل عالم كرة القدم التي عشقتها ومنحتها كل وقتها وطاقتها، فهي من جهة لا تستطيع العيش دون ممارسة كرة القدم ولا تقوى على السير في دروب الحياة بعيداً عن القراءة والكتابة‫.

وإذا كانت تجد نفسها في عالمين مختلفين لكنهما يمضيان جنباً إلى جنب كخطين متوازيين، فإنها على الرغم من ذلك تشعر بالاغتراب في الفضاء الذي احتضن شغفها الأول‫، في الملعب ‫"في الحقيقة أشعر باغتراب كبير ككاتبة داخل عالم الكرة، وربما هذا الشعور هو الذي دفعني للكتابة كنوع من البحث عن الذات التي لم تتحقق في كرة القدم، وظلت تبحث عن نصفها الآخر الذي وجدته في عالم السرد والكتابة‫".


         


        

مثل كثير من لاعبات كرة القدم، تخوض فاتحة فاتح معركة لإثبات ذاتها في فضاء الكرة النسائية، ساعية إلى كسر الصور النمطية التي تلاحق اللاعبات. وفي الوقت نفسه، تبحث لنفسها عن موطئ قدم في عالم الكتابة، لتخوض تحدياً آخر يخص حضور النساء في مجالات طالما جرى إقصاؤهن عنها قسراً.