عربات الموت… من يضمن سلامة العاملات المغربيات في الحقول؟

لا تنتهي معاناة العاملات الفلاحات عند حدود التعب في الحقول، بل تبدأ قبله بكثير، على طرق محفوفة بالموت، ومع كل رحلة يتكرر السؤال من يضمن لهن الوصول سالمات؟

حنان حارت

المغرب ـ كل صباح، تخوض آلاف النساء العاملات في الحقول المغربية رحلة محفوفة بالمخاطر نحو القرى، نساء أغلبهن من أوساط قروية تبدأن يومهن قبل طلوع الشمس وتعدن منهكات بعد غروبها. ينقلن في عربات تفتقر لأبسط شروط السلامة، وتواجهن يومياً مخاطر لا تقتصر على الحقول، بل تمتد إلى الطرقات.

في صباح يوم الاثنين 26 أيار/مايو الماضي، استيقظت 14 امرأة في جماعة سبت الكردان جنوب المغرب، استعداداً ليوم جديد من العمل على متن سيارة صغيرة من نوع "بيك آب" انطلقن مع أولى خيوط الضوء، محملات بالأمل والتعب دون أن يدرين أن هذه الرحلة اليومية المعتادة ستتحول إلى فاجعة.

فجأة، انفجرت إحدى عجلات السيارة ففقد السائق السيطرة عليها، واصطدمت بمركبة أخرى قادمة من الاتجاه المعاكس كانت الحصيلة مأساوية حيث فقدت أربع نساء حياتهن في الحال، وأصيبت أخريات بجروح متفاوتة أما الباقيات فبقين أسيرات الصدمة وسط مشهد مرعب يعكس الهشاشة المزمنة التي تطبع واقع آلاف النساء في القطاع الزراعي.

هذا الحادث الذي أثار موجة واسعة من الغضب والتعاطف، أعاد ملف العاملات في الزراعة إلى الواجهة، مسلطاً الضوء من جديد على واقع هش ومهمل، ففي قطاع تعمل فيه آلاف النساء المغربيات خاصة في المناطق القروية دون حماية قانونية أو اجتماعية حقيقية، تبدو شروط العمل وكأنها خارج الزمن ووسائل النقل كأنها فخاخ متحركة.

وتفتقر المركبات المستعملة لنقلهن، من قبيل سيارات "البيك آب" أو الشاحنات الخفيفة، إلى الحد الأدنى من شروط السلامة سواء من حيث عدد المقاعد أو تجهيزات الحماية أو حتى تأمين الركاب.

في كثير من الأحيان، تركب النساء جلوسا أو وقوفا وسط صناديق وآلات فلاحية، في فضاء غير مهيأ للبشر، ما يعرضهن لمخاطر حقيقية، من الحوادث القاتلة إلى الإصابات المزمنة الناتجة عن ظروف النقل والعمل.

فمن يحمي العاملات في مجال الزراعة من هذه المخاطر اليومية؟ ومن يتحمل مسؤولية ما يقع في صمت مريب؟ وهل يكفي الحديث عن "القدر" لتبرير تكرار هذه الحوادث؟ ولماذا لا تلتزم العديد من القرى بتوفير وسائل نقل تحترم كرامة النساء اللواتي تشكلن العمود الفقري للإنتاج الزراعي؟

وفي تعليقها على الموضوع، قالت الناشطة الجمعوية سعاد العلامي، رئيسة جمعية "تامغرات" لمناهضة العنف وجميع أشكال التمييز ضد النساء، إن عدداً من أرباب القرى لا يلتزمون بأي شكل من أشكال السلامة فيما يخص نقل العاملات، ما يجعلهن عرضة لحوادث متكررة ومميتة.

وأضافت أن هذه الممارسات تتكرر في عدة مناطق، من الخميسات إلى أنزا، دون تدخل فعلي من الجهات المعنية "تكرار هذه الحوادث لا يعكس فقط ضعف تطبيق القانون، بل يكرس شكلاً من التواطؤ الصامت مع واقع الاستغلال والهشاشة".

وأبرزت أنه برغم أن مدونة العمل المغربية تنص على معايير واضحة للنقل المهني، فإن العاملات تبقين خارج الحماية، تعملن غالباً دون تأمين صحي، أو تغطية اجتماعية، أو حتى الحد الأدنى من الكرامة.

ولفتت إلى أن الانتهاكات لا تقتصر على الشق المهني، بل تمتد إلى ما هو نفسي وأخلاقي، مشيرة إلى تحرشات وابتزازات تمارس من قبل وسطاء يعرفون محلياً بـ "الكبرانات"، ممن يربطون بين العاملات وأرباب القرى، مضيفة "غالباً ما تفرض شروط مهينة على النساء مقابل فرصة عمل، دون أي آليات لحمايتهن أو ضمان كرامتهن".

وفي هذا السياق، طالبت الجمعيات الحقوقية بإنشاء خلايا استماع وشكاوى داخل القرى، وتفعيل الرقابة من قبل مفتشات العمل، مع فرض احترام شروط السلامة في النقل، وربط المسؤولية القانونية بأرباب القرى.

واختمت سعاد العلامي حديثها بالقول "ما لم تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها في حماية هؤلاء النساء، ستبقى الحقول مسرحاً للاستغلال والطرقات فخاخاً مفتوحة لحياة العاملات".