نساء في إدلب يقدن السيارات رغم التحديات الأمنية والمجتمعية

دفعت الحاجة للسفر والتنقل بشكل مستمر العديد من النساء في إدلب للاعتماد على أنفسهن في قيادة السيارة متحديات واقعهن المجتمعي والأمني والتفرقة الجندرية

سهير الإدلبي
إدلب ـ .
قالت سناء العبود (٣٢) عاماً، وهي نازحة من ريف حماه الشمالي ومقيمة في إدلب المدينة، إنها وبحكم عملها في التوعية الحقوقية بحاجة للسفر والتنقل عبر مناطق متعددة، ولأن التنقل عبر وسائل النقل العمومية غير متوفرة بشكل دائم وأجور النقل الخاص مرتفعة، ارتأت أن تعتمد على نفسها في قيادة سيارتها الخاصة التي حلت لها مشكلة الوصول لأماكن عملها في الوقت المناسب.
وأوضحت أن الأمر لم يكن بتلك البساطة إذ واجهت تحديات كبيرة أثناء قيادتها السيارة، لاسيما النظرة المجتمعية الدونية للمرأة والتي تعتبر أن قيادة السيارة حكراً على الرجال وأنها "مسترجلة" بكسرها القاعدة وقيادتها السيارة بنفسها.
وأشارت إلى أنها تعرضت للمضايقات على الحواجز الأمنية التي ما إن تجد أن السائق امرأة حتى تبدأ التحقيقات والأسئلة "السخيفة" كما تصفها، وهي "لما أنتِ لوحدكِ دون رفقة محرم وإلى أين تذهبين" وغيرها من الأسئلة "المزعجة" وفق تعبيرها.
من جهتها لم تعد رهام حمدان (٢٨) عاماً، تعر أي أهمية لما تواجهه أثناء قيادتها للسيارة من نظرات الاستغراب والمضايقات، وإنما اعتادت عليها واعتبرت تجاهلها لثقافة "العيب" هي بداية التحرر من كل ما تتعرض له المرأة في إدلب من تهميش وقمع واضطهاد.
تقول رهام حمدان أنها كثيراً ما تتعرض لمعاكسات وتحرشات من قبل السائقين "عدا عن أن أي حادث مروري أكن طرفاً فيه يتم إلقاء اللوم علي بشكل مباشر على أنني المسؤولة الوحيدة عن الحادث فقط لأن من تقود السيارة هي امرأة، وبالتالي فهي غير مؤهلة للقيادة من وجهة نظر ذكورية لتطفلها واغتصابها حقاً مكتسباً لهم في الطريق".
رهام حمدان وهي نازحة من بلدة معرشمشة ومقيمة في مدينة معرة مصرين، تعلمت القيادة منذ أكثر من عامين حين توفي زوجها بحادث سير، وأخذت تعتمد على نفسها في توصيل أبنائها لمدارسهم البعيدة عن أماكن سكنهم وجلب حاجياتها من السوق.
وتعتبر أن قرارها القيادة كان صائباً رغم الظروف التي تواجهها، وهي اليوم تشعر بالحرية والاستقلالية والقدرة على قيادة حياتها بنفسها دون أن تكون تابع لأي رجل، وحتى الأمور التقنية في السيارة لم تعد تخفى عليها كتبديل الدولاب أو مشاكل فصل البطارية وغيرها من الأمور التي راحت تحل مشاكلها بنفسها.
وتعد مسألة قيادة السيارة أمراً ضرورياً سواء كان ذلك للرجال أو النساء، غير أن الدراسات بينت أن قيادة المرأة آمنة أكثر من الرجل، فهي تمثل النسبة الأقل في حوادث السير والأضرار التي تسببها لحرصها الدائم على القيادة بحذر أكثر من الرجل.
مها الحسون (٤٠) عاماً، العاملة في مجال التماسك المجتمعي، تؤيد قرار المرأة قيادة السيارة واعتمادها على نفسها خاصةً في الوقت الذي تواجه فيه ظروف فرضت عليها الأمر لحاجتها للوصول لمكان عملها وقضاء احتياجاتها الشخصية واحتياجات عائلتها والحالات الطارئة خاصةً في ظل غياب المعيل الذي غيبته الحرب بالقتل أو التهجير أو الاعتقال.
وأكدت مها الحسون أن قيادة السيارة تساعد المرأة في زيادة ثقتها بقدراتها وتحسين مهاراتها الشخصية الأخرى كسرعة الاستجابة وزيادة القدرة على التركيز.
ورغم وجود مظاهر قيادة النساء للسيارة في إدلب تبقى على نطاق ضيق ومحدود، إذ ما يزال الحديث عن قيادة المرأة للسيارة أمر مثير للجدل ويعرضها للكثير من التنمر والتمييز والعنصرية بحكم العادات والتقاليد والوصاية الذكورية التي ما زالت تمعن في رفض خروجها من القوالب النمطية التي وضعت فيها.