موسم الأعياد يتزين بالأعمال اليدوية النسائية
مع اقتراب رأس السنة وعيد الميلاد تستعد العائلات في مدينة قامشلو بإقليم شمال وشرق سوريا وخاصة المسيحية منها لاستقبال العام الجديد، التي تتزين كل عام بالحرف اليدوية والأطباق النسائية.
أسماء محمد
قامشلو ـ تبدأ التحضيرات لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة بتزيين المساحات وترتيب الإضاءة، تركيب الشجرة أو الزينة المركزية، وانتقاء ألوان القطع بعناية فائقة لتتماشى مع أجواء الاحتفال، ثم تأتي التفاصيل الأخرى مثل تحضير الحلويات والإضافات الصغيرة التي تجعل الاحتفال أكثر بهجة ودفئاً، لتكتمل التجربة وتصبح كل مناسبة ذكرى جميلة تتردد في أذهان الجميع.
تعزيز ثقافة الحرف اليدوية
ترتبط كريستينا سهدو بالخرز منذ أن بدأت عملها بصنع إكسسوار بسيط مثل الميداليات والأحرف الصغيرة، وتقول أن المواد الأولية التي بدأت بها بسيطة جداً، خيوط وخرز فقط، لكن المتعة والسعادة التي غمرتها كبيرة في تحويل هذه القطع الصغيرة إلى أعمال تحمل لمستها الخاصة.
وتصف البداية بـ "المتواضعة"، لكنها عكست شغفها وحبها للتفاصيل الدقيقة منذ الصغر "حرصت دائماً على أن يكون كل شيء مرتباً ومنظماً، تماماً كما أحب أن يكون كل شيء في حياتي اليومية، دقيق ومنظم، مع الاهتمام بكل تفصيل صغير، لأنني أؤمن أن الإتقان في التفاصيل هو سر تميز أي عمل، وأن هذه الدقة تعكس شخصيتي وطريقة تفكيري في كل جوانب حياتي".
الأعمال اليدوية بالنسبة لها ليست مجرد صناعة أشياء جميلة، بل هي انعكاس لشخصيتها، وأسلوب تفكيرها، وتعتقد أن "التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الفرق وتمنح كل عمل بصمته الخاصة، وتجعله مميزاً عن أي عمل آخر".
"نشأت وأنا أحلم بأن أمتلك مساحة خاصة بي أستطيع من خلالها التعبير عن نفسي وإظهار قدراتي ومهاراتي"، هذا هو الدافع الأول لامتهانها الأعمال اليدوية، وتبين أن هذا الحلم "لم يكن مجرد فكرة عابرة، بل شعوراً راسخاً يدفعني دائماً للسعي نحو الإبداع والتميز، ويحفزني لمواجهة كل التحديات التي قد تعترض طريقي".
ربما يتم الاعتقاد أن الأعمال اليدوية بسيطة ومتاحة لجميع النساء لكن كريستينا سهدو تؤكد أن "هذا الطريق ليس سهلاً، لكني واصلت السير فيه بدعم من عائلتي".
تستلهم أفكارها من مواقع التواصل الافتراضي وتتابع أحدث الاتجاهات والأفكار الإبداعية، لكن "معظم القطع التي أصنعها هي تصميمي الخاص بالكامل. أتصورها أولاً في ذهني، أرتب مراحل تصنيعها بعناية فائقة، ثم أعمل على تنفيذها خطوة بخطوة، مع التركيز على أدق التفاصيل لضمان جودة كل قطعة وإبراز تميزها. بالنسبة لي كل تصميم هو رحلة فنية تبدأ بفكرة صغيرة وتنتهي بقطعة فريدة تحمل بصمتي الخاصة، وتجعل كل من يحصل عليها يشعر بالفرح والخصوصية".
لأعياد رأس السنة خصوصية كبيرة لدى المكون السرياني ولامرأة تعمل في مجال الزينة تختلط المسؤولية والعمل مع فرحة العيد، ولذلك تحرص كريستينا سهدو على التخطيط الدقيق لإنجاز عملها بالجودة والزمن المناسبين "أفضل أن تكون القطع جاهزة قبل العيد بفترة كافية، ليس فقط للعرض بل لأتمكن من اختبار كل تفصيله وضبطها بدقة، ما يمنحني شعوراً بالإنجاز والرضا".
ولفتت إلى مشاركتها في المعرض الذي نظم ضمن فعاليات اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة "المشاركة تحمل لي أكثر من معنى، أشعر بأن عملي يصبح رسالة تواصل، هذه التجربة منحتني شعوراً رائعاً، فكل لحظة أقضيها في التحضير والإبداع ليست مجرد عمل، بل مساهمة حقيقية في نشر الجمال والفرح بين الناس، وفي تعزيز ثقافة الحرف اليدوية والاهتمام بالفن المحلي".
وتعتقد أن "كل تحدي جديد أمامي هو فرصة لتعلم مهارات جديدة وتحسين قدراتي. أحلم بأن أمتلك محلي الخاص، الذي يكون منصة لعرض منتجاتي بشكل أوسع، أؤمن أن الإصرار والعمل الجاد هما مفتاح النجاح، وأن الإبداع لا حدود له، بل يحتاج إلى الشغف والتفاني".
وفي وقت تواجه في المرأة التحديات من قبل العائلة تبين كريستينا سهدو ومن تجربتها الشخصية أن الدعم المعنوي والمادي الذي تتلقاه الفتاة من أسرتها يمنحها شعوراً بالقوة والثقة، ويشعل في داخلها الإصرار على مواجهة التحديات مهما كانت صعوبتها "بفضل هذا الدعم، تصبح قادرة على تطوير مهاراتها وتوسيع آفاقها وتحقيق أحلامها الكبيرة، وأنا أشعر بالامتنان العميق لعائلتي، التي كانت دائماً السند الأكبر لي. وجودهم بجانبي لم يكن مجرد دعم مؤقت، بل حجر الأساس الذي بنيت عليه شخصيتي وقوتي الداخلية".
قطع تحمل روح كل مناسبة
فيما تعمل اثرا لحدو بهنان في مجال الديكورات وتزيين المناسبات منذ أكثر من عشر سنوات، وقد بدأت رحلتها في هذا المجال منذ الصغر "كانت يداي تصنعان القطع اليدوية وتزينان بها أركان البيت، مدعومة بحب عائلتي وحرصهم على توفير كل ما أحتاجه من مواد أولية".
منذ تلك اللحظة نشأت بداخلها رغبة عارمة في الإبداع، وتحويل كل فكرة إلى قطعة فنية تضفي جمالاً وبهجة على كل مناسبة، سواء أكانت أعياد ميلاد، وحفلات معمودية، أو ولادات، أو خطوبة، وأعراس "حصلت على فرصة للعمل في معمل للشمع، ولاحظ من معي موهبتي في التزيين والإبداع، وبهذا التوجه افتتحت مشروعي الصغير الذي أصبح مساحة أبدع فيها وأحول كل فكرة إلى عمل متقن يليق بذوقي وبروح المناسبة، مع الحرص على أدق التفاصيل التي تُضفي على القطع اليدوية تميزاً فريداً".
مجال عملها ليس موسمياً بل يمتد على مدار السنة، فكل مناسبة جديدة تحتاج إلى لمسة خاصة، ولأن القطع المعقدة مثل قطع الكونكريز، تحتاج إلى مراحل متتابعة من الصب والجفاف قبل التزيين النهائي، فإن العائلة تسارع في تقديم المساعدة لضمان جودة العمل وإتقانه.
وتعتبر اثرا لحدو بهنان أن الزينة ليست مجرد لمسات جمالية، بل لغة تعبير عن الفرح والاحتفال، ووسيلة لنشر الطمأنينة في النفوس "حين يرى المرء المدينة تضيء بالألوان والأضواء، يشعر بسحر العيد وبهجته، وتنتقل هذه الروح إلى الجميع، فتغدو أجواء الاحتفال حاضرة في كل زاوية من حياتنا اليومية".
وللمرأة دور محوري في الحفاظ على العادات والتقاليد ونقلها للأجيال، والمرأة السريانية على وجه الخصوص، تلعب هذا الدور بإبداع وتميز، كما ظهر جلياً من خلال مشاركتها في المعرض التي نظم ضمن فعاليات مناهضة العنف ضد المرأة.
وتمنت اثرا لحدو بهنان أن تكون السنة الجديدة سنة خير على الجميع وعلى كل النساء اللواتي يجتهدن ويعملن بشغف واجتهاد، لتصلن إلى النجاح الذي تصبون إليه.
صناعة الحلويات مجال متجدد باستمرار
كذلك تحمل أناهيد يوسف شغفاً مستمراً بالإبداع والعمل الدؤوب لصنع أطيب الحلويات وتجفيف الفواكه وتقول عن البداية "صنعت أصنافاً متعددة من الحلويات، ليشجعني من تذوقها على تحويل هذا العمل لمشروع، وهكذا انطلقت في عام 2019 بصنع الفاكهة المجففة".
وخلال السنوات الماضية، شاركت في العديد من المعارض المحلية والدولية "أتاح لي كل معرض فرصة لتعزيز ثقتي بنفسي، وتوسيع دائرة علاقاتي، والتعرف على أشخاص ومهارات جديدة، واستكشاف ابتكارات متنوعة. وقد أثبتت هذه المشاركات أن المثابرة والاجتهاد هما مفتاح النجاح، وأن الحضور الفعلي في ميادين العمل يرسخ السمعة ويؤكد الجدارة والكفاءة، كما ساعدتني على تطوير مهاراتي الإبداعية ومواكبة كل ما هو جديد في هذا المجال".
ومجال صناعة الحلويات وابتكارات الفواكه هو مجال متجدد باستمرار، تتوالى فيه الأفكار والابتكارات في كل موسم "غالباً ما تكون المناسبات والأعياد مصدر إلهام لاختيار الأفكار، ومن أبرز هذه المناسبات عيد الميلاد المجيد، الذي يمثل مناسبة للاحتفاء بالمحبة والسلام".
وتمنت أناهيد يوسف أن يكون عيد الميلاد مناسبة للسلام والمحبة والفرح في كل بيت، وأن يملأ القلوب بالأمل والإيمان بقدرة الإنسان على الإبداع والعمل الدؤوب "أوجّه رسالة لكل امرأة: امنحي نفسك الفرصة لتحقيق أحلامك، وثقي بقدرتك على مواجهة التحديات، ولا تدعي أي عائق يثنيك عن متابعة طموحاتك".