من عمق ركام الحرب... دار (قوس قزح آلان) للأيتام تحتضن براعم الطَّفولة
بلا مأوى، بلا عائلة، ويتعرضون للاستغلال، استيقظوا على نار صراع تلتهم بلادهم وأحلامهم البريئة، هذا هو حال أطفال سوريا، لذا كان لا بد من افتتاح مكان يحتضنهم وينتشلهم من عمق الضياع ليؤمن لهم مستقبلهم، فكان افتتاح دار (قوس قزح آلان) للأيتام في كوباني شمال وشرق سوريا
دلال رمضان
كوباني ـ .
تعود تسمية دار الأيتام (قوس قزح آلان) إلى الطفل آلان كوباني، الذي غرق في عام 2015 على شاطئ مدينة بودروم التَّركيَّة، أثناء مُحاولة عائلته الوصول إلى جزيرة كوس اليونانية للجوء إلى الدَّول الأوروبية.
وتضم الدَّار بنائين منفصلين، أحدهما مُخصص للأطفال ونشاطاتهم وغرفهم المعيشية، والآخر لنشاطات منظمة "رابطة المرأة الحرة" التي تهتم بشؤون المرأة خلال دورات توعوية ودورات لمحو الأمية ونشاطات ترفيهية.
12 طفل/ة أصغرهم عمره 40 يوماً تتكفل بهم دار الأيتام
قالت الإدارية لدار الأيتام بمدينة كوباني شيندا يوسف (24) عاماً، عن الهدف من الافتتاح "الهدف هو رعاية وإيواء الأطفال اليتامى الذين فقدوا ذويهم في الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011، والمشردين الذين تخلى أهلهم عنهم، ولا يُمكنهم العيش بمفردهم، وبقوا في الشَّوارع، وهم الأكثر عرضة للاستغلال والملاحقة، فمن خلال الدار نسعى لتشجيعهم على التَّعلم وتحمل مسؤولية أنفسهم وإعطائهم الثقة ليكونوا قادرين على الحياة".
وافتتحت الدَّار في 11 آب/أغسطس 2018، وتحتضن 12 طفل/ة، من حديثي الولادة حتى الـ 16 عاماً "يبلغ عمر أصغر طفل في الدار أربعين يوماً وأكبرهم 16 عاماً، فبعد عمر السَّادسة عشر يُصبحُ الطفل حر الاختيار لحياته ونمط عيشه، فيما إذا كان يريد العيش في الدَّار أو العمل خارجها، من أجل الاعتماد على نفسه وتحمل مسؤولية نفسه، لكن المركز يبقى منزلهم إن أردوا العودة إليه".
وعن كيفية تربية الأطفال وبرنامج المركز اليومي، بينت "هناك أربع أمهات يقمنَّ بتربية ورعاية الأطفال الصغار وإطعامهم، وإدارة أمورهم ويبقينَّ حسب ساعات العمل، إلى جانب وجود مُربيات يأتينَّ إلى الدَّار صباحاً حتى المساء، وتبقى مربية أخرى ليلاً".
هنالك شروط لقبول الأيتام في الدَّار وروتين يومي يتبعونه
وأضافت شيندا يوسف "يمكن للعوائل التي لم تُرزق بأطفال تبنيهم، إذ يسجل الطَّفل في سجلات العائلة المتبناة، والاعتناء به وتربيته وعدم حرمانه من حقوقه"، ويلتزم المسؤولين عن الدار بزيارة الأطفال المتبنين بين حين والآخر للاطمئنان على صحتهم، والاطلاع على معاملة العائلة لهم.
ويستيقظ الأطفال في الساعة الثامنة صباحاً، ويتناولون وجبة الإفطار، ثم تنظف غرفهم ويتوجهون إلى المدرسة بباص خاص بالدار للحفاظ على سلامتهم، "بعد عودتهم من المدرسة تقوم مدرسة بتعليمهم، وفي أيام العطل المدرسية تدرسهم معلمة اللغتين الكردية والعربية والمواد التَّرفيهية". وفي نهاية الأسبوع يخرج الأطفال رحلة ترفيهية برفقة أصدقائهم ومعلميهم إلى الحدائق والطبيعة.
ومرة كل أسبوع يتم النقاش مع الأطفال حول مشكلاتهم النَّفسية والأشياء التي تزعجهم في حال وجدت، وتقدم لهم المساعدة والنصيحة والإرشادات، كما تبين.
وتوجد روضة خاصة في الدَّار لاستقبال الأطفال من عمر الثلاثة أعوام حتى السّتة أعوام، كما افتتحت صفوف للطلبة الذين تخلفوا عن مدارسهم بسبب ظروف الحرب والظروف المادية من عمر الثماني سنوات إلى الـ 15 عاماً، ويتم تعليمهم بشكل يومي اللغة الكردية والعربية لمدة ساعتين لكل مادة.
وأشارت شيندا يوسف إلى أن الأطفال هم من مناطق شمال وشرق سوريا "يتم إحضار الأطفال عن طريق هيئة المرأة ومؤتمر ستار، اللذان يبحثان في سجلاتهم، للتعرف عليهم وللبحث عن أقربائهم والأماكن التي جاءوا منها".
وأكدت على أنهم لا يتلقون إي دعم أو مساعدة من المُنظمات الإنسانية أو منظمات حقوق الطَّفل، "دعمنا الرئيسي وقف المرأة الحرة، التي تتولى تأمين مستلزمات واحتياجات الأطفال، لأنهم أمل المستقبل وأساس بناء مجتمع ديمقراطي حر".
"عانوا من ظروف صعبة"
تقول خريجة كلية الاقتصاد أفين إبراهيم (32) عاماً، والتي تعمل معلمة منذ ثلاثة أعوام في الدار "أعلم الأطفال القراءة والكتابة باللغتين الكردية والعربية، والمواد الترفيهية من الرسم والموسيقا إلى جانب تدريبهم على رياضات السَّلة وكرة القدم، وتعليمهم الأشغال اليدوية". مضيفةً "أعلمهم الأخلاق والثَّقافة والنَّظافة وكيفية ترتيب الأماكن التي يتواجدون فيها، وأخرجهم في رحلات وزيارات ليرفهوا عن أنفسهم وإعطائهم المعنويات".
وعن كيفية تعاملها مع الأطفال "في البداية عانيت كثيراً، لأنهم مروا بظروف صعبة أثرت سلباً على نفسيتهم، مما أدى إلى تغيير سلوكهم اتجاه الآخرين، لذا من خلال معاملة خاصة وأسلوب مرن واللعب والحديث لفترات طويلة، استطعت في كل يوم تخطي الصَّعوبات وأخرجتهم من حالتهم النفسية". مضيفةً "بت أحبهم وأتعلق بهم فقد أصبحوا جزءً من عائلتي، حتى في أيام العطل أزورهم لأنني أشتاق إليهم، أتمنى لهم مستقبلاً زاهراً، وحياة مليئة بالسعادة والحرية، ويحققوا أمنياتهم وآمالهم".
وقالت الطفلة عهد محمد (16) عاماً من مدينة حلب، وتقطن الدَّار منذ أربعة أعوام "كنت في التاسعة من عمري عندما استشهد والديَّ إثر هجوم المرتزقة على المدينة، بينما كنت ألعب في الشَّارع، ففي البداية كنت في رميلان، ثم انتقلت إلى كوباني في 2018، وأنا الآن طالبة في الصف الثامن".
وتشعر بالرضى لوجودها في الدار "نلعب ونأكل مع بعضنا البعض ونقضي معظم الأوقات متشاركين بحبنا لبعض كأخوة، وأتمنى أن أصبح طبيبة في المستقبل حتى أعالج الأطفال الذين يحتاجون للعلاج، وأعطيهم الحنان الذي افتقدته في صغري".