مهنة الكولبار... بين القلق اليومي وغياب البدائل
يكشف عمل النساء في مهنة الكولبار بشرق كردستان عن عمق الفقر والتهميش وغياب فرص العمل، حيث يجبرن على عبور الحدود يومياً تحت مخاطر قاسية، ومعاناة اقتصادية واجتماعية.
شبول أفيني
بيرانشهر ـ تُعدّ مهنة الكولبار "تهريب البضائع" المنتشرة بشكل أساسي في محافظات أورميه وسنه وكرماشان، انعكاساً عميقاً للفقر المزمن وعدم المساواة وسياسات التنمية المركزية. فقد أدّى تقلّص فرص العمل الرسمية وتفاقم الركود الاقتصادي إلى دفع شريحة واسعة من سكان المناطق الحدودية في شرق كردستان نحو الأعمال غير الرسمية مثل الكولباري، كما أن مشاركة النساء في هذا المجال تشهد تزايداً ملحوظاً في السنوات الأخيرة.
لسنوات طويلة يواجه العالمون في مهنة الكولبار خطر الموت على تخوم الحدود والجبال، وما زال هذا الواقع مستمراً حتى اليوم. ومع ذلك، أُطلق مشروع "الكولباري القانوني" بهدف تشديد الرقابة على السلع الواردة، ودخل حيّز التنفيذ فعلياً مع بداية صيف العام الجاري.
بموجب هذا المشروع، تحصل الأسر القاطنة في المناطق الحدودية على بطاقات عبور تجارية تخوّلها لنقل بضائع محددة من إقليم كردستان إلى شرق كردستان وإيران. ويدفع الكولبار رسوماً للدولة بحسب نوع البضائع التي ينقلونها، ففي بعض المعابر، يُلزم الكولبران بالعمل لصالح وكيل أو تعاونية خاصة، وتُحوَّل الأرباح مباشرة إلى حساب ربّ الأسرة. أما في المعابر الأخرى، فتُراقَب البضائع يومياً، ويتولى صاحب الحمولة دفع أجرة الكولبار بشكل مباشر.
يُعدّ معبر حاجي عمران أحد نقاط العبور القانونية للكولبران، ويشهد مدخله المؤدي إلى إقليم كردستان ازدحاماً كبيراً، خاصة في ساعات الصباح. تتشكل طوابير طويلة في ثلاثة صفوف أمام الأبواب المغلقة، وبينما يُسمح لعدد محدود بالدخول، تقوم القوات الأمنية بفحص جوازات السفر قبل السماح بالعبور.
شرمين. م، إحدى النساء العاملات في الكولبار، تصف آلية الدخول "يغلقون الباب متى شاءوا ولا يسمحون لسكان بيرانشهر بالدخول، وخاصة الكولبار، نستغرق الكثير من الوقت للوصول إلى هنا والوقوف في طوابير، يسمحوا لنا بجلب بضائعنا مرة واحدة في الأسبوع، وإذا حالفنا الحظ، يسمحون لنا بالدخول".
وأشارت إلى لافتة كبيرة على يمين المدخل تُقسّم أيام الأسبوع من السبت إلى الخميس وفقاً لحروف الأبجدية، بينما يبرز أسفلها باللون الأحمر إعلان واضح "الجمعة عطلة".
وعلى الجهة المقابلة من المعبر، يخرج الكولبران محمّلين بأكياس سوداء على ظهورهم أو ساحبين حقائب قديمة أنهكها الطريق. وتبرز بين صفوفهم نساء كثيرات. إحدى هؤلاء النساء كانت تجرّ حقيبتها البالية، وفجأة تمزقت في مكانها، فارتسم القلق على وجهها فوراً. سارعت النساء المرافقات إليها لمساعدتها، وطمأنتها بأن بضائعها ما زالت سليمة ولم يضِع منها شيء. لكن هذا القلق ليس طارئاً، بل هو رفيق يومي للنساء اللواتي لا ينلن من الحدود سوى حمل كيس من البضائع.
أوضحت زينب. ا، إحدى النساء اللواتي تعملن في مهنة الكولبار، طبيعة الأجور والقيود المفروضة "لا يسمحون لنا بإدخال أكثر من 15 كيلوغرام، نأخذ من صاحب البضاعة بين 100 إلى 150 ألف تومان للكيلو، ولا يجوز أن نعمل أكثر من يوم واحد بالأسبوع. ومن جهة العراق وضعوا ميزان، وإذا زاد وزن بضاعتي عن 15 كيلو ينقصون منها".
كل واحدة من هؤلاء النساء، وأغلبهن متوسطات في العمر، تحمل قصة مثقلة بالمعاناة، لكن القلق الدائم من إيصال البضاعة إلى مقصدها يسلبهن حتى القدرة على الكلام، وفي هذا الجو الخانق، يصبح سؤال "لماذا تعملن في الكولباري؟" أشبه بسخرية مرّة في ظل الضغوط والفقر الذي يعيشه الأهالي في شرق كردستان.
هذا السؤال جعل فاطمة. م، تبتسم بمرارة قبل أن تقول "نعمل بالكولبار لأنه ليس لدينا عمل أخر، كل واحدة من هؤلاء النساء لديها ألم، المعيشة أيضاً باتت صعبة، وبدون الكولبار لا يوجد عمل بهذه المدينة لأي شخص لا يملك رأس المال الكافي".
وبينت أنه "الآن بعد أن أصبح العبور قانونياً نمرّ من هذا الطريق، لكن قبل ذلك كنا ننقل البضائع عبر المسارات غير الرسمية، في السابق كان عدد النساء العاملات في الكولبار قليلاً، أما اليوم فقد ازداد عددنا، ونخرج معاً لنقل البضائع. الطريق بات أكثر أماناً، وكأن حمل البضائع أصبح مهنة للجميع، ومع ذلك، أحياناً يمنعوننا من العبور، وحتى من جهة إقليم كردستان وضعوا لنا ساعات محددة، لكنه رغم كل شيء يبقى أفضل من السابق".
ورغم غياب الإحصاءات الرسمية حول عدد النساء الكولبار، تشير المشاهدات الميدانية إلى تزايد مشاركتهن في هذا العمل داخل شرق كردستان، ورغم أن تقنين الكولباري، إلى جانب غياب الاستثمار الاقتصادي والنظرة الأمنية للمناطق الحدودية، يُعد إحدى أدوات السلطة للسيطرة، فإن إضفاء الطابع القانوني على هذه الممارسة كشف عن مستويات أعمق من الفقر والتهميش البنيوي، خاصة بالنسبة للنساء.