في عقدها الرابع تحقق حلم الطفولة بالعودة إلى مقاعد الدراسة
على مدى أكثر من عقدين، عملت رضية طاهر في مجال الخياطة والتفصيل لتعيل أسرتها وتربي أبناءها التسعة لكن حلم الدراسة لم يفارقها حتى سنحت لها الفرصة.
رحمة شنظور
اليمن ـ في بلد تتجاوز فيه نسبة الأمية بين النساء 60% في بعض المناطق الريفية بحسب التقديرات الدولية، عادت الخمسينية رضية الطاهر إلى مقاعد الدراسة بعد سنوات طويلة، لتتغلب على الأمية وتكسر القيود التي فرض عليها تقاليد المجتمع.
تعد قصة رضية طاهر (53 عاماً) من مديرية المعافر بمحافظة تعز جنوب اليمن، ملهمة للعديد من النساء، إذ منعتها الأعراف السائدة من الدراسة بحجة أن تعليم الفتاة "عيب"، وهو "العيب" الذي لا يزال يحرم آلاف الفتيات من حقهن في التعليم، لكنها انتصرت في معركتها الخاصة، وحققت حلم طفولتها بالحصول على شهادة الثانوية العامة بمعدل نجاح بلغ 76%.
رحلة بدأت من مركز محو الأمية
بدأت رحلتها، من مركز لمحو الأمية التحقت به وهي في الأربعين من عمرها، وتقول رضية طاهر عن تجربتها "حلمي منذ الطفولة هو أن أتعلم، لكن الظروف وقتها كانت تمنع تعليم الفتاة، البنات في زماننا كن مسؤولات عن الزراعة، ورعاية الأبقار والأغنام، وشؤون البيت. التعليم كان للأولاد فقط".
ورغم هذا، ظل حلمها بالحصول على العلم يراودها، لكنها اضطرت للزواج في سن صغيرة، وبقيت بعده منشغلة بالأولاد والمنزل، مع شغف خفي لم يُطفأ أبداً.
وعلى مدى أكثر من عقدين، عملت رضية طاهر في مجال الخياطة والتفصيل لتعيل أسرتها وتربي أبناءها التسعة؛ ستة أولاد وثلاث بنات، عمر أكبرهم اليوم بين 30 عاماً وأصغرهم 14 عاماً، وبعد سنوات، ومع الانتقال إلى قرية جديدة، سنحت لها الفرصة للالتحاق بمعهد تابع لمجلس القرى لتعليم الفتيات الخياطة.
تقول عن تلك الفرصة "طلبوا مني تسجيل أسماء المتدربات، وكنت أمية لا أعرف أكتب، لكن المدير تقبلني وعلمني، ومن هناك بدأت خطواتي الأولى نحو التعلم الفعلي".
لم يتوقف حلمها عند هذا الحد، بل انضمت لمركز محو الأمية لتكمل تعليمها من الألف إلى الياء، حيث تعلمت القراءة والكتابة مثل الأطفال "دخلت مركز محو الأمية ثلاث سنوات، تعلمت كل شيء من البداية وبت أعرف أقرأ وأكتب. ثم تركت لعام كامل جراء كلام بعض الناس الذين حاولوا إحباطي لكني عدت وقلت لنفسي يجب أن استمر وأكمل تعليمي".
ثلاث سنوات من الجد والمثابرة في المركز، تعلمت القراءة والكتابة، مما أشعل فيها رغبة أكبر لإكمال مسيرتها التعليمية، وقررت رضية طاهر اتخاذ خطوة جديدة كانت تبدو جنونية للبعض وهي أن تلتحق بالمدرسة بشكل رسمي، وأن تبدأ من وسط طلاب يصغرونها "أذكر أول يوم دخلت فيه الصف لقد ضحك بعض الطلاب قالوا شيبة بتدرس. لكن لم يهمّني".
تحديات لم تكسر العزيمة
لم تكن العودة إلى المدرسة سهلة، حيث واجهت صعوبات اجتماعية ونفسية. التحقت مع طلاب وطالبات في عمر أبنائها، وتقول عن تلك الفترة "في البداية، كان بعض الطلاب يسخرون مني لكبر سني"، إلا أن إصرارها وشخصيتها الطيبة، حولت هذه السخرية إلى محبة وتقدير، حتى أصبحوا ينادونها بـ "الأم رضية" ويعتبرونها زميلتهم وأمهم في آن واحد.
ولم تقتصر الصعوبات على ذلك، فقد كان ضعف البصر عائقاً كبيراً أمامها، خاصة أثناء الامتحانات "أحياناً كنت أعرف الإجابة، لكني لا أستطيع قراءة السؤال جيداً بسبب ضعف نظري".
وبعد سنوات من الجهد، وصلت إلى الصف الثالث الثانوي. كان ذلك بحد ذاته انتصاراً، لكنها لم تتوقف عند الحضور فقط؛ بل حققت معدل 76%، وهو بالنسبة لها "الحلم الأول" الذي رافقها منذ الطفولة تقول "يوم النتائج بكيت، شعرت إن الطفلة التي بداخلي أخيراً ارتاحت".
الآن، وهي تتأمل رحلتها تقول بثقة "العمر ليس حاجز لو وجدت الإرادة، يمكن أن تتعلمي حتى إن كنتي في الخمسين".
واليوم، تقف رضية طاهر بفخر حاملةً شهادة إتمام الثانوية العامة، لتثبت أن الإرادة قادرة على صنع المعجزات. وتختتم حديثها بالقول إن "الحياة لا تسير كما نريد نحن دائماً، هناك لحظات جميلة وأخرى صعبة، لكن المهم هو الاستمرار".