"جرعة أمل" رسالة حياة للنساء المصابات بالسرطان

إيناس البدران، حولت ألمها إلى أمل عبر "مبادرة جرعة أمل"، مستلهمةً من تجربتها القاسية مع سرطان الثدي، لتمنح النساء المصابات دعماً نفسياً ورسالة حياة ملهمة.

رجاء حميد رشيد

العراق ـ في مواجهة مرضٍ قاسٍ كالسرطان، تختار بعض النساء الأمل بدل الخوف والقوة بدل الانكسار، هذه قصة إيناس البدران صاحبة مبادرة "جرعة أمل" التي تحولت من تجربة شخصية مؤلمة إلى مبادرة إيجابية تُنقذ النساء وتزرع الأمل والتفاؤل في حياتهن.

 

التشخيص والتحديات الأولى

تحدثت إيناس البدران، من مدينة البصرة وصاحبة "مبادرة جرعة أمل"، عن تجربتها مع الإصابة بسرطان الثدي والذي استدعى إجراء عملية لاستئصال الورم، تلتها رحلة علاج كيميائي، وصفتها بأنها أصعب لحظات حياتها وأشدها تحدياً هي فترة العلاج والتي استمرت ستة أشهر "التحدي الأكبر بالنسبة لي لم يكن فقط في مقاومة المرض، بل في تقبل فكرة استئصال جزء مني، وكيف يمكنني التعايش مع ذلك لبقية حياتي، لم أكن أتوقع أن أعود كما كنت، أن ينبت شعري من جديد، أو أن تستعيد بشرتي حيويتها، أو حتى أن أعود إلى عملي، كان قرار إجراء العملية هو الأصعب في حياتي".

وأضافت "أكثر ما ساعدني على تجاوز هذه التحديات كانت والدتي، فهي سندي الحقيقي، لم يكن لدي سند سواها، وكانت الدافع الأكبر لمواصلة الطريق".

 

فكرة مبادرة "جرعة أمل"

وأوضحت إيناس البدران أن فكرة "مبادرة جرعة أمل" ولدت من تجربة شخصية مؤثرة، حيث خطرت في ذهنها فكرة المبادرة وهي في لحظة خوف شديد من أول جرعة علاج كيميائي "كنت خائفة من تأثيراتها الجسدية والنفسية، ففكرت مع نفسي، إذا كانت هذه الجرعة ستمنحني فرصة في الحياة، فلماذا لا أغير نظرتي إليها؟ قررت أن اسميها "جرعة أمل" بدلاً من "جرعة كيميائي"، لأخفف عن نفسي وطأة الخوف وأتمسك بالأمل".

وأشارت إلى أن الممرضة دخلت وهي تتحدث بلطف وتطمئنها بأن الجرعة ستساعدها على التعافي، مع ضرورة الالتزام ببعض التعليمات، مبينةً أن النساء اللواتي تتعافين من السرطان، كنّ قادرات على بث الأمل في نفوس غيرهن من المصابات، وهذا الأمل الذي وصلها من النساء اللواتي سبقنها في التجربة، هو ما منحها القوة للاستمرار في العلاج، وأدركت أن مشاركة تجربة الشفاء ليست مجرد قصة شخصية، بل رسالة قادرة على إنقاذ أرواح أخرى، ولهذا، كانت "جرعة أمل" بداية لمبادرة تهدف إلى دعم المريضات وتمكينهن بالأمل الحقيقي.

وعن الهدف من إطلاق مبادرة "جرعة أمل"، تقول "كان هدفي الأساسي من هذه المبادرة هو تثقيف النساء حول مرض السرطان، وخصوصاً سرطان الثدي، والتشجيع على الفحص المبكر وعدم الخوف من مواجهة الحقيقة، لاحقاً أطلقت مبادرة أخرى بعنوان "اسأل مجرب"، تقوم على مبدأ مشاركة تجارب النساء اللواتي أصبن بالسرطان وتجاوزنه أو هن في مراحل التعافي، لأن هذه التجارب تمنح الأمل للمصابات الجدد".

وشددت على أن كثيراً من النساء يرفضن إجراء الفحص خوفاً من النتيجة، وهذا التأخير يُمكن أن يفاقم المرض ويصعب علاجه، في حين أن تشخيص السرطان في مراحله المبكرة يجعل علاجه أسهل ونسبة الشفاء أعلى بكثير.

كانت مبادرتها تهدف بالأساس إلى تقديم الدعم المعنوي للنساء المصابات بالسرطان، وذلك من خلال زيارتها لقاعات العلاج الكيميائي في المستشفيات، أثناء تلقي المريضات لجرعتهن "كنت أشاركهن تجربتي الشخصية مع المرض والعلاج، وأتحدث أمامهن بكل صدق عن التحديات التي واجهتها وكيف تجاوزتها".

 

دور العائلة والمجتمع في رحلة الشفاء

وترى إيناس البدران أن دور المجتمع في دعم مريض السرطان سلبي للغاية، أغلب أفراد المجتمع لا يدركون كيف يُمكنهم دعم مريض السرطان بالشكل الصحيح، غالباً ما يكون تواصلهم سلبياً، إذ يقتصر على كلمات محبطة أو نظرات شفقة، وأحياناً البكاء أمام المريض، مما يزيد من حالته النفسية سوءاً، مضيفةً "من خلال تجربتي الشخصية مع المرض، لم أجد دعماً حقيقياً من المجتمع، بل غالباً ما كنت أُحاط بكلمات سلبية مليئة بالتشاؤم".

وأوضحت كيف يمكن للمجتمع أن يكون فعّالاً وذلك من خلال الدعم الذي يجب ألا يقتصر على الكلمات، بل يمكن أن يكون بالمساعدة الفعلية، خاصة خلال فترة العلاج وبعد العمليات، حيث تعاني المريضة من ضعف جسدي يمنعها من إدارة شؤون بيتها، بالإمكان مساعدتها في تنظيف البيت، أو شراء احتياجاتها من السوق، أو حتى مجرد الترفيه عنها بكلمات إيجابية صادقة.

 

الفحص المبكر... مفتاح النجاة والتعافي

ووجهت إيناس البدران رسالة تود إيصالها للنساء هي أن مرض السرطان ليس نهاية العالم "يمكنكِ أن تُجري الفحص وإذا اكتشفتِ أنكِ مصابة، فالعلاج متاح والشفاء ممكن في الفحص المبكر، تصل نسبة النجاة من مرض السرطان إلى 99% وبأبسط وأخف العلاجات الممكنة، علاج السرطان قد يكون قاسياً، لكن عند اكتشاف المرض مبكراً، يصبح العلاج أسهل، وفرصة الشفاء أعلى بكثير، لكن الخطر الحقيقي يكمن في تجاهل الفحص".

في ختام حديثها، استعرضت إيناس البدران مبادرتها التي أطلقتها في شهر أكتوبر، شهر التوعية بسرطان الثدي، تحت عنوان "اسأل مجرب" ضمن حملة "جرعة أمل". تهدف هذه المبادرة إلى مد جسور التواصل مع النساء عبر المؤسسات والمنظمات المختلفة، لتمكينهن من الاستفادة من تجارب نساء خضن رحلة مواجهة السرطان وتجاوزها.

وفي حال تحقق تفاعل إيجابي واستجابة واسعة، سيتم تنظيم ندوات تثقيفية ولقاءات نسوية، إلى جانب محاضرات توعوية تُعقد عبر الإنترنت، وتسعى المبادرة إلى نقل التجارب الشخصية بأسلوب محفّز ومفعم بالأمل، لتوصيل رسالة جوهرية مفادها "رغم قسوة المرض وشراسته، إلا أن القوة والإرادة قادرتان على الانتصار والتعافي".