جرائم العنف متشابهة في أغلب الدول والتكاتف النسوي السبيل لمواجهتها

تقع النساء ضحايا لجرائم العنف لعدم وضعهن في الاعتبار أثناء التخطيط العمراني أو المؤسسي، ففي كل يوم ترتكب آلاف الجرائم بالمنشآت وسط غياب كامل لأدوات الإثبات كما حدث في واقعة قتل طبيبة الهند مؤخراً.

أسماء فتحي

القاهرة ـ هناك يومياً أخبار حول آلاف الجرائم الموجهة ضد النساء بسبب غياب المساحات الآمنة، مما يجعلهم فرائس للمرضى النفسيين وأشباه البشر الذين يتعمدون لسلبهن أرواحهن بأشكال مختلفة من الاعتداءات الجنسية وربما قتلهن.

واقعة طبيبة الهند الثلاثينية كانت من المشاهد القاسية فقد تم اغتصابها وقتلها خلال فترة استراحتها بعد ساعات شاقة من استقبال المرضى، وهو الأمر الذي أعاد لأذهاننا وقائع الاعتداء التي حدثت لأكثر من فتاة بالهند على فترات زمنية مختلفة.

ترى الناشطة النسوية، ومديرة برنامج تعزيز المساواة ومناهضة التمييز بمؤسسة المرأة الجديدة، لمياء لطفي، أن هناك تركيز كبير على فكرة العنف ضد المرأة بالهند لأن الأحداث فيها عادة ما تكون مفجعة من اعتداءات جماعية وعنف ضد النساء بالشوارع ومنها حادث المستشفى الأخير، معتبرة أن تحرك الأطباء والاحتجاجات التي قاموا بها مهمة وضرورية لأن تلك الحالة تحتاج لرفع معدل الوعي بخطورة غياب أدوات الحماية والأمان للنساء في الشارع أو العمل أو المنزل أو غيره.

وأوضحت أن ما حدث من عنف مع الطبيبة غير مقتصر على دولة بعينها ومصر ليست استثناء منها، وكذلك الدول العربية فالأمر يحدث للنساء في مراحل عمرية مختلفة حتى الطفلات.

وأكدت أن أي شخص له سلطة يمكنه أن يهرب من العقاب ويمارس أشكال مختلفة من العنف خاصة تلك التي لا يدينها المجتمع، مشيرة إلى أن هناك حالات اعتداء تبرر للجاني وتلوم الضحية وتوصمها.

 

غياب الحماية في أماكن العمل

وأكدت لمياء لطفي، أن أماكن العمل بحاجة لآليات حماية وهناك حراك من أجل التوقيع على اتفاقية 190 في الداخل المحلي لكونها تهدف لوجود عالم عمل آمن يضمن الأمان للجميع "بيئة عمل الطبيبة كانت بحاجة لتأمين بشكل كامل بحيث لا يقتصر الأمر على المكاتب وأماكن الكشف والرعاية لأنها أماكن شبه مؤمنة لكونها مكشوفة أو يتواجد بها عدد كبير من الأشخاص لا يسمح خلالها نسبياً بوقوع اعتداءات جنسية"، لافتة إلى أن الاستراحات ووسائل الانتقال من وإلى العمل تترك عادة بدون تأمين علماً أن حجم الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في تلك الأماكن أكبر من غيرها كجريمة طبيبة الهند والممرضة المصرية التي تم اغتصابها أثناء صعودها وسيلة مواصلات غير آمنة بعد منتصف الليل في طريق عودتها لمنزلها من السائق وشخص آخر رفقته.

وأوضحت أن السياقات متقاربة بشدة فمنذ عدة سنوات حدثت واقعة اغتصاب لممرضة في مصر لأنها لم تجد وسيلة مواصلات آمنة وكان موقف الزوج لافت للنظر لأنه دعمها والمعتاد في مثل تلك الحوادث تركها والتخلي عنها من قبل الأهل والزوج والأقارب، معتبرة أن المنطقة الشرقية بشكل عام تعاني فيها النساء لكون القانون لا يحميهن بشكل كافي، فيقع عليهن عبء الاثبات والانتظار لوقت طويل حتى يتم البت في القضايا والمعاناة التي تتم في الإجراءات والطب الشرعي وغير ذلك، فضلاً عن إدانة المجتمع للناجية الذي يجعل الكثيرات تعزفن عن الإبلاغ.

وبينت أن هناك وصمة اجتماعية وإدانة ترافق النساء حال توجههن للقضاء من أجل الحصول على حقوقهن، وهو الأمر الذي يجعلهن يتألمن بصمت، وربما لا تحاولن الحصول على حقوقهن والإبلاغ.

 

الحلول الممكنة

وطرحت لمياء لطفي عدد من المقترحات للتعامل مع الانتهاكات التي تتعرض لها النساء ومنها توجيه الإدانة لمن يمارس العنف وليس للناجيات والضحايا، فضلاً عن ضرورة وجود جهات حماية وقوانين داعمة لحقوق النساء، فهناك عمل دؤوب من المجتمع المدني من أجل الخروج بقانون العنف الموحد في الداخل المحلي، والدفع بمشروع قانون موجود منذ أكثر من 6 سنوات ولم يتم قبوله حتى الآن.

وأكدت على ضرورة وجود سياسات حماية للنساء في أماكن العمل والتوقيع والتصديق على الاتفاقيات الدولية التي تدعم حقوقهن والعمل على تغيير ثقافة المجتمع عن طريق الاستراتيجيات والندوات واللقاءات والتوجه كذلك لمختلف المنابر الإعلامية معتبرة أنه على الجميع التكاتف من أجل مواجهة العنف.

 

 

تعددت الأسباب والجرائم قائمة

ومن جانبها قالت الناشطة النسوية آية عبد الحميد أن العنف يمارس على النساء في العالم أجمع، لأن هناك طمأنينة لفكرة الإفلات من العقاب.

ولفتت إلى أن الضحايا عادة ما يتم توجيه اللوم لهن وتلصق بهم عدة تساؤلات في إطار التبرير للجاني، موضحة أن ما حدث بالهند جزء من السياق العام الذي يزداد في منطقة ويقل في أخرى، والمشهد ليس ببعيد عن الجرائم التي تتم على خلفية النوع الاجتماع بمصر أو تلك التي تحدث في الدول العربية وحتى بعض الدول الأوروبية.

وأوضحت أن هناك سياق عام يدفع نحو تعنيف النساء باعتبارهن درجة أقل، وهو ما ترتب عليه عدد من الجرائم المدفوعة بالثقافة المجتمعية التي تقبل أشكال مختلفة من الجرائم الموجهة للمرأة لتطويعها ورضوخها للأفكار الذكورية المهيمنة.

وشددت على ضرورة وجود سياسات حماية معلنة وواضحة في أماكن العمل ووجود كاميرات مراقبة وجدران شفافة من الزجاج حتى يتسنى الرؤية والوقوف على أية ممارسات غير لائقة، لافتةً إلى أن الجدران والممرات الطويلة تسمح بالانتهاكات وغير آمنة لتواجد النساء.

وأكدت على أهمية استصدار تشريعات أكثر شمولية تحمي النساء بشكل جدي والأمر هنا غير مقتصر على تغليظ العقوبات ولكن هناك أدوات أخرى كالتأهيل والإصلاح وغيرها من الآليات التي تمكن الحكومة من التدخل سواء على مستوى المناهج التعليمية أو التوقيع على الاتفاقيات الدولية الداعمة، وكذلك تعديل منظومة التشريعات الداخلية، فضلاً عن العمل على الثقافة المجتمعية السائدة التي تتطلب تكاتف المجتمع المدني مع الحكومة لتغييرها.