بين الأنقاض صرخة صامتة... حكاية آلاء مسعود
تحلم الأم المكلومة بملامسة قبر ابنتها وزرعه بالورود والحديث معها لفترات طويلة كما كانت تفعل في كل يوم لتهون عليها مشقة الحياة التي باتت لا تطاق في غزة.

رفيف اسليم
غزة ـ لم تكن تعلم وردة مسعود أن رفات ابنتها الكبرى ألاء مسعود سيبقى تحت ركام منزلهم لما يزيد عن العام، فيديها التي بقيت ممددة لتظهر بين أكوام الحجارة وكأنها تستغيث طالبة من أحدهم نجدتها هي آخر ما استطاعت الأم المكلومة توديعه، لتبقى حتى اليوم تناشد أي شخص أو مؤسسة تساعدها باستخراج جثة ابنتها ودفنها وإصدار شهادة الوفاة لها.
حدثت القصة وفقاً لوردة مسعود، يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر للعام 2023، حيث كانت تجلس في فناء المنزل تعد الطعام الذي تحصلت عليه من إحدى المؤسسات الإغاثية في غزة، وكانت ابنتها ألاء ذات 19 عام تجلس بجوارها أمام النار، وطائرات الاستطلاع تحيط بهم من كل اتجاه وكذلك القذائف والصواريخ التي تمطر بها القوات الإسرائيلية المناطق الشمالية من القطاع.
"أعتادت أن تكون النور لجميع من حولها"
تحت أشعة الشمس الحارقة استأذنت ألاء من والدتها وردة مسعود، كي تشرب بعض الماء، لكن صاروخ القوات الإسرائيلية كان أسرع منها ودفنتها تحت ركام المنزل، الذي لم يكن داخله من العائلة سواها، لتبقى مكانها حتى اليوم لا أحد يستطيع استخراج جثمانها بسبب نقص المعدات.
تكمل الأم وردة مسعود، وهي تمسح الدموع التي لم تجف منذ ذلك اليوم "كانت ابنتي ألاء تدرس تخصص العلاج الطبيعي ولا تستقبل طلب أي جارة بوجه عابس، فتراها تنهي جلسة التدليك لتلك الجارة وتحاول معرفة وجع الأخرى، وتبتسم في وجه الأطفال وتداعبهم، ومن ثم تحاول مساعدتي في إنهاء أعمال المنزل التي لا تنتهي دون أن تتذمر".
تقول الأم "صعدت ملاكي الصغيرة إلى السماء" وهي لا تبالغ حين تصفها بالملاك كونها اعتادت أن تكون النور لجميع من حولها، مشيرةً أنها تحلم اليوم ملامسة قبرها وزرعه بالورد والحديث معها لفترات طويلة كما كانت تفعل في كل يوم لتهون عليها من مشقة الحياة التي باتت لا تطاق في غيابها.
اجساد تحت الأنقاض
قتلت ألاء مسعود ولم تستطيع استخراج شهادة وفاة لها، فكونه لم يستخرج جثمانها من تحت الأنقاض فالأمر معقد ويحتاج إلى شهادة أربعة من الجيران أن الحدث وقع بالفعل، ومن ثم حلفان يمين مغلظ من قبل الأم التي لا تأبه بفعل جميع تلك الخطوات بل وأكثر شريطة الحصول على تلك الوثيقة ودفنها كما تفعل كافة الأمهات حول العالم حين تتوفى فلذات أكبادهن.
رحيل ألاء مسعود ترك ندبة في نفس أخواتها السبعة لا تنتهي، ففي الوقت الذي كانت تحلم به الأم نيل المساعدة من ابنتها على إعالة الأسرة ومساعدة أخواتها الصغار في إكمال دراستهم، أتت النيران الإسرائيلية لتحرمهم من وجودها بجانبهم "لو كانت ألاء هنا لعملت في المشافي والنقاط الطبية ولم تسمح للجوع النيل منا بتلك الطريقة البشعة".
زوج وردة مسعودة، مصاب في ظهره إثر الحادث ولا يستطيع الحركة لذلك بقي بلا عمل وكابدت العائلة ظروف اقتصادية صعبة للغاية كان من الممكن تحملها في الوقت الذي كانت توزع به المؤسسات الإغاثية والإنسانية المساعدات، أما اليوم فالقهر والجوع والخوف، يحيط بهم من كل حدب وصوب.
تعود وردة مسعود، وتتسأل "لماذا رمونا بذلك الصاروخ دمروا المنزل وقتلوا الفتاة لا أعلم؟" فهم عائلة مدنية لم تنتمي في يوم لأي من التنظيمات كما أنها وبناتها الثمانية وابنها ذا العامين وزوجها المصاب بالعمى ما قبل الحرب لم يكن لديهم حلم سوى أن يبقوا في منزلهم ولا تطردهم القوات الإسرائيلية منه، لترد وتسقطه فوق رؤوسهم محولة إياه لركام.
أمراض جسدية ونفسية...آثار الحرب
اليوم لدى وردة مسعود، والفتيات الصغيرات هاجس كلما اقترب صوت القصف والقذائف، يبكون كثيراً حتى أنهم لو شعروا بحاجتهم في الذهاب لخارج الخيمة بعد غروب الشمس يرفضون خوفاً من صواريخ والهجمات الإسرائيلية، مشيرةً إلى أنه قد بدأ يظهر على الفتيات بعض الأمراض الجسدية والنفسية التي أرجعها الأطباء للفقد والظروف القاسية التي عايشوها خلال نزوحهم.