بعد اغتصاب قاصر وحملها... نقاش في المغرب حول حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية

مع تزايد حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال في المغرب وكان آخرها تعرض فتاة قاصر لا يتعدى سنها ثلاثة عشر عاماً للاغتصاب والحمل والإجهاض

حنان حارت
المغرب - ، عمدت جمعيات حقوقية إلى إثارة النقاش مجدداً حول كيفية حماية حقوق الطفل، وجعله في منأى عن أي اعتداء جنسي.
وجمعية "ما تقيش ولدي" واحدة من تلك الجمعيات المدافعة عن حقوق الأطفال، التقت وكالتنا وكالة أنباء المرأة برئيسة الجمعية والمنسقين التابعين لها في عدد من مناطق المغرب من أجل مناقشة ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال.
"لابد من خلق وعي داخل المجتمع المغربي بحقيقة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، مع ضرورة كسر التابو وعدم التزام الصمت في حالة تعرض الطفل أو الطفلة للاغتصاب، مهما كان الجاني غريباً أو قريباً من الضحية"، الكلام هنا لنجاة أنور رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي"، وهي جمعية لحماية الطفولة ولها فروع في عدد من مناطق المغرب، وتهدف إلى تتبع حالات الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال، ومساندة عائلات الضحايا من خلال الدعم الطبي والقانوني والنفسي، بالإضافة إلى النضال من أجل التغيير الشامل للقوانين المتعلقة بهذا النوع من الجرائم، والعمل على أن ينال الجناة العقاب. 
وتساعد المنظمة الأطفال الضحايا في جميع مراحل الدعم بدءً من مرحلة مرافقتهم إلى خلايا الأسرة والطفل بالمستشفى، ثم الدعم القانوني للضحايا في المحاكم من خلال تنصيب نفسها كطرف مدني، مع تقديم المشورة القانونية وصولاً إلى المساعدة على إعادة إدماج الأطفال الضحايا ومكافحة الهدر المدرسي.  
جمعية "ما تقيش ولدي"، وبمجرد انتشار خبر الطفلة (ف. ا) التي تعرضت للاغتصاب والحمل والإجهاض، باشرت اتصالاتها مع الأسرة من أجل تقديم المساعدة. 
 
بداية الحكاية
لم تكن تتوقع والدة الطفلة (ف. ا)، أن يخبرها الطبيب الذي فحص ابنتها ذات 13 سنة أنها حامل، نزل الخبر عليها كالصاعقة، وانتشر الخبر بين سكان مدينة جرسيف الواقعة شرق المغرب، واهتز الرأي العام بالمملكة من هول الصدمة، وتساءل العديد من الناس عن الشخص الذي كان وراء اغتصاب هذه الطفلة وحملها لجنين في أحشائها؟ 
وصل الخبر إلى التنسيقية الجهوية لجمعية "ماتقيش ولدي"، التي تعمل على مستوى جهة الشرق في المغرب، واهتمت التنسيقية بجمع المعلومات وربط الاتصال بالمصالح الأمنية وعائلة الطفلة لمعرفة المزيد عن الواقعة ومؤازرة عائلة الطفلة.
 
كشف المستور
بعد لقاء جمع أعضاء التنسيقية، مع أفراد الأسرة كُشف المستور، الفتاة سبق وتعرضت للاغتصاب من طرف شاب يقطن في نفس المدينة، والخوف من الفضيحة دفع بالأسرة إلى الكتمان، وعدم اتخاد أي إجراء قانوني بحق الجاني.
تعيش الطفلة مع والدتها وزوج أمها، وحسب تصريح الزوج، فإنه بعد اغتصابها من طرف ذلك الشخص كان ابن عمتها يتردد على منزلهم بحجة الزيارة، فعلم بقصة الاغتصاب، فاستغل ذلك لصالحه وأقام علاقة معها ما نتج عنه حمل. 
لاحظت أم الطفلة علامات التقيؤ والإعياء، وبطن ابنتها المنتفخ، ظنت أن الأمر ربما يتعلق بعارض صحي يهم الجهاز الهضمي، ما دفعها لنقل ابنتها للمستشفى وتبين هناك أنها حامل.  
حمل وإجهاض
أوضح إبراهيم شيخام، المنسق الجهوي لمنظمة ما تقيش ولدي بالجهة الشرقية، أنه بعد أسبوع واحد من كشف حمل الفتاة، فقدت الطفلة الجنين، مشيراً إلى أن ظروف الإجهاض تبقى غامضة، إلا أن هناك من يتحدث عن لجوء الأسرة إلى طرق تقليدية لتفادي وضع الجنين، مشيراً إلى أن عناصر الشرطة القضائية تمكنت، مساء الاثنين 22 فبراير/ شباط 2021 من القبض على الشخص الذي كان في حالة فرار والمتهم الرئيسي في قضية حمل الطفلة ذات الـ 13 سنة. 
وأشار منسق الجمعية، إلى أن هذه أول حالة اغتصاب ينتج عنها حمل منذ سنوات طويلة.   
 
تفعيل الترسانة القانونية
طالب إبراهيم شيخام بعدم التساهل مع جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، وأن يكون القضاء سداً منيعاً أمامها، وكذلك الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه الاعتداء الجنسي على طفل، ووضع حد لكل السلوكيات المشينة التي تمس كرامة الطفولة هذه الفئة الهشة من المجتمع. 
 
قاصر أخرى تغتصب في نفس الأسبوع
في نفس الأسبوع تفجرت أيضاً قضية أخرى حول اغتصاب فتاة قاصر بمدينة العرائش شمال المغرب، التنسيقية الوطنية لمنظمة ما تقيش ولدي بجهة الشمال المغربي، تحاول الوصول إلى أسرة الضحية من أجل تقديم المساندة.
وحسب ما تم تداوله بخصوص الواقعة، فإن الفتاة القاصر تعرضت للاغتصاب على يد شخص كان على علاقة غرامية بها لمدة 3 سنوات، وكان الشاب يستغل الفتاة، بحيث طلب منها أخيراً منحه مبلغاً مالياً من أجل الهجرة إلى الضفة الأخرى، واعداً إياها بالزواج.
وحول إن كانت الآلية القانونية كفيلة بحماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية، أوضح محمد الطيب المنسق الوطني لجمعية ما تقيش ولدي في شمال المغرب، أن المغرب لديه من القوانين ما يثلج الصدور، "لكن استمرار الظاهرة يجعلنا نطالب بإقرار آليات أخرى للعقاب تكون بديلاً عن العقوبات السجنية لردع المعتدين جنسياً على الأطفال، مادامت العقوبة لم تردع المعتدين".
 
ضرورة كسر التابو
عن محاربة الظاهرة والتعريف بخطورتها تقول رئيسة جمعية ما تقيش ولدي، نجاة أنور، إنه يجب خلق وعي داخل المجتمع المغربي بحقيقة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وضرورة كسر التابو وعدم السكوت عنها، مع ضرورة إعمال التدابير الوقائية والحمائية للتصدي للاعتداءات الجنسية على الأطفال. 
وأشارت رئيسة الجمعية إلى أن المنظمة قامت بإصدار دليل للتكفل بالأطفال الضحايا والذي اعتبرته الجمعية خطوة كبيرة في سبيل محاربة الاعتداءات الجنسية نظراً لما قدمه من خطوات منهجية تساعد على تيسير المهام الموكلة للساهرين على تأمين المساعدة للأطفال الضحايا في المراكز المخصصة لهذه الغاية على صعيد مراكز الاستقبال التابعة لوزارة الصحة.
 
تعميم دليل للتربية الجنسية
تتمنى نجاة أنور أن يتم تعميم الدليل وإدخال التربية الجنسية في المؤسسات التربوية لما لها من أهمية في حماية الأطفال.
وحول إن كانت الصرامة القانونية لوحدها كفيلة بالتصدي لظاهرة الاغتصاب في المغرب تجيب بأن التدخل الزجري كيفما كانت نوعيته وحجمه لا يكفي لوحده، لأن من المفروض الاهتمام بمناهج التربية والتقرب من الأسر والأطفال.
 
الاغتصاب بالأرقام
تصاعدت وتيرة اغتصاب الأطفال خلال السنوات الأخيرة بنسبة 50 في المائة، 70 في المائة منهم تعرضوا للاغتصاب من قبل أقاربهم. رغم التعديلات التي أدخلتها وزارة العدل والحريات المغربية على الفصول المتعلقة بحماية الأطفال ضحايا الاغتصاب في القانون الجنائي المعمول به، تكشف الأرقام واقعاً خطيراً عن ظاهرة اغتصاب الأطفال في المغرب، إذ أن نحو 38 في المائة من حالات العنف الممارس ضدهم هي حالات عنف جنسي ونفسي، وأن حالات الاعتداء الجنسي تتوزع حسب طبيعة العلاقة بالمعتدي، حيث يحتل الأقارب والجيران صدارة لائحة المعتدين، يليهم الغرباء والأجانب، ثم الآباء وأطر المؤسسات التعليمية والخيرية والاجتماعية.  
وينص القانون الجنائي المغربي على معاقبة أفعال هتك عرض أو محاولة هتكه، المرتكبة بحق كل من تقل أعمارهم عن 18 عاماً، بعقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات بحسب الفصل 484 من القانون الجنائي. 
وتتضاعف العقوبة في حالة اقتران هتك العرض بالعنف ضدّ الطفل أو العاجز أو المعاق أو المعروف بضعف قواه العقلية، فيحكم على الجاني بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين عاماً. 
وتتضاعف هذه العقوبة إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليه أو وصاية أو ممن يقدمون خدمة بالأجرة ونتج عن هذا الاغتصاب فض بكارة المجني عليها، بالتالي تتراوح مدة السجن بين عشرين وثلاثين عاماً.