"آمنة" مبادرة لكسر القوالب النمطية للنساء في أسيوط

واقع النساء شبه متقارب من حيث الضغط المجتمعي عليهن وقولبتهن في أنماط وأدوار تتلاءم مع الثقافة الذكورية والسلطة الأبوية المسيطرة، ولكن شكل تلك الانتهاكات قد يختلف من محافظة لأخرى بحسب الأفكار الأكثر تجذراً بكل منها.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تقع النساء في محافظة أسيوط المصرية في قبضة الكثير من العادات والتقاليد البالية والثقافات التي تجذرت بداخل سكانها وحرمت الفتيات والنساء من حقوقهن وأحلامهن وتطلعاتهن حول مستقبلهن، وبات مجرد التفكير في التعليم والخروج أمر صعب المنال وتحقيقه يحتاج مقاومة وحروب لا نهائية.

تعقد واقع المرأة في تلك المحافظة وبات مجرد الرغبة في بيئة آمنة ومحيط يسع قدرتهن على البوح بما تتعرضن له من انتهاكات أمر مثالي تتطلعن له بلهفة شديدة، فالمرأة لا يحق لها أن تطلب ميراثها أو تختار بشكل كامل طبيعة حياتها.

أما عن أجساد الفتيات فهي ملكية خاصة بالرجال في حياتهن لذلك فهناك زواج بالإكراه وحبس في المنزل وتعدي بالضرب وأحياناً بالقتل في تعارض للأمر مع مجموعة الأخلاقيات والأعراف المجتمعية السائدة، وهو الأمر الذي جعل الفتيات أنفسهن تبحثن عن مخرج محاولات كسر تلك الأنماط والأفكار ومحاربة ما يفرضه ذلك الواقع من حصار عليهن، وللتعرف أكثر على هذه الإجراءات كان لوكالتنا حوار مع مؤسسة مبادرة "آمنة" في محافظة أسيوط، هبة ممتاز.

 

واقع المرأة بشكل عام صعب فهل هناك خصوصية لمعاناة الفتيات والنساء في أسيوط؟ وفي ظل صعوبة وجود مبادرات نسوية في تلك المحافظة كيف استطعتم الوصول إلى أكبر عدد من النساء والفتيات؟

نحن مجموعة من الشابات في صعيد مصر نسعى من أجل إقرار حقوق المرأة والتخلص من القيود التي تكبلها وعلى رأسها العادات والتقاليد البالية التي تحول دون قدرة النساء على النجاح وتحقيق ما تتطلعن إليه في حياتهن، ونعمل على مجموعة من القضايا والانتهاكات التي تتعرض لها النساء والفتيات ومنها ختان الإناث المنتشرة بالصعيد وكذلك العنف الممارس على النساء وخاصة الأسري منه والابتزاز الإلكتروني الذي انتشر مؤخراً، والتحرش الجنسي، وغياب حق المرأة في الميراث.

ولدينا بالمبادرة مكتب مساندة قانونية ندعم من خلالها النساء والفتيات بالاستشارات اللازمة لهن وتحديداً في قضايا الأحوال الشخصية والعنف وتقديم جميع أوجه الدعم اللازم لهن، ونعمل على إحالة من تحتجن لدعم نفسي للمؤسسات والمبادرات التي تقدمه.

وبالفعل النساء جميعهن في مأزق كونهن إناث ولكن في أسيوط تعتبر العادات والتقاليد واحدة من أبرز المعوقات التي تحول دون قدرتهن على النجاح وتحقيق طموحاتهن وتطلعاتهن، والمجتمع هنا لا يرى أن لها كيان مستقل فحياتها بالنسبة لهم قاصرة على المنزل ورعاية الأسرة فقط.

كما أن النساء تحصلن على أجور أقل من الرجال لكونهن تجدن من ينفق عليهن كمبرر رغم أن الكثيرات منهن بالفعل تعلن أسر وأرامل ومطلقات ولا تجدن من ينفق عليهن، بينما يرى المجتمع استحقاق أكبر للرجال كونهم مسؤولين عن أسر ومن ثم يحصلون على كامل الامتيازات.

والمرأة بالصعيد أيضاً لا تحصل على حقها في الميراث كما أنها تعاني في وقائع الابتزاز الإلكتروني، فالإبلاغ عنه يعد وصمة تعلق في ثوب الفتاة مهما كان حجم الزيف والادعاء بها، وهو الأمر الذي لا يجعلها تبلغ عما تتعرض له من ضغوط وانتهاكات من هذا النوع.

 

يهتم قطاع كبير من المجتمع المدني وخاصة النسوي بقضايا المرأة فإلى أي مدى حققت تلك الجهات التغيير الفعلي داخل الصعيد؟

المجتمع المدني يعمل بالفعل بالتعاون مع عدد من الهيئات الدولية على تحسين أوضاع النساء والفتيات في أسيوط وهناك عمل دؤوب على القوانين التي يتم العمل على تغييرها سواء في الأحوال الشخصية أو العنف أو الوصاية.

ومبادرة آمنة ستعقد أول مائدة مستديرة في محافظة أسيوط بحضور المعنيين والمختصين لمناقشة القوانين والتعديلات المرتقبة عليها، ومن المقرر أن يحضرها عدد ليس بالقليل من الفاعلين بالمجتمع المدني ومن يهتمون بحقوق المرأة والطفل.

 

تطلعات النساء والفتيات كبيرة ونواقصهن كثيرة فما الذي تحتجن إليه في أسيوط؟

ينقص الفتيات والنساء الكثير فهن تتطلعن للحرية البعيدة عن أيديهن لكونهن في قبضة العادات والتقاليد البالية ولا يسمح لهن بمجرد الحلم بالمساحة الخاصة، وتتمنين الحد من ظاهرة التحرش التي تعرقل خروج الفتيات وتعليمهن، كما أنهن تتطلعن للقضاء على ظاهرة الابتزاز الإلكتروني، ووجود بيئات عمل آمنة تشجع الأسر على السماح لهن بالتواجد بها، بالإضافة إلى أنهن تحلمن بعدم فرض الوصاية المالية عليهن لتصبح لديهن القدرة على اتخاذ القرار الخاص بهن، وكذلك وجود منازل خالية العنف الذي يجبر الفتيات على الانتحار وكذلك انتهاء ظاهرة زواج الإجبار الذي تكره فيه الفتيات على حياة لا ترغبن بها.

 

لماذا تعد قرية النجوع الأتعس حظاً والفتيات والنساء بها معاناتهن أكبر؟

للأسف واقع قرية النجوع صعب للغاية وأثناء حملاتنا التقيت فتاة معها أوراق تثبت أن لديها الكثير من المشاكل الجسدية وبعد زواجها بعام تم التخلص منها ولم يطلقها زوجها بل تزوج من أخرى، تاركاً إياها في بيت أسرتها ولا ينفق على طفلها أو يعالجها خاصة أن مسار التقاضي صعب ويحتاج لسنوات لتتخلص من هذا الزواج الموجود فقط على الورق.

وهناك واقعة أخرى علقت في ذهني تتعلق بفتاة تم تصميم فيديو لها في مواقف مخلة في واقعة ابتزاز إلكتروني ونتيجة ذلك حبسها الأب وضربها ولولا تدخل أحد الأشخاص الذي كان على دراية بالأمر وإثباته أن الفيديو تمت فبركته لكان واقع الفتاة سيء حيث فقدت النطق من كثرة الضرب والتعذيب الذي تعرضت له.

 

الانتهاكات لا تعد ولا تحصى... برأيك ما الحلول التي يمكن أن تخرج النساء والفتيات في أسيوط من ذلك الواقع الضاغط عليهن؟

هناك بالفعل الكثير من الحلول وإحداها "مبادرة آمنة" التي تعمل منذ سنوات على هذا الواقع وغيرها من التجمعات النسوية الهادفة لكسر ذلك الواقع وتغييره فقد قمنا بالتجول في مختلف قرى محافظة أسيوط خلال حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ووصلنا للنجوع وعرضنا أفلام توعوية وورش حكي وهو الأمر الذي لاقى قبول من النساء وتفاعل كبير ورأينا أنه بالفعل مؤثر وحل جذري للكثير من المفاهيم المغلوطة لديهن.

كما أننا رأينا أن الفنون بمختلف أنواعها تؤثر إلى حد كبير على النساء هناك خاصة أنهن تمكن من إخراج ما يجول بداخلهن من خلال رسومات أو مشهد تمثيلي وهذا الأمر كانت له فاعلية كبيرة بينهن، وللمسرح التفاعلي دور كبير في التغيير أيضاً والمبادرة ستستخدمه في التوعية خلال الفترة المقبلة بإشراك جميع أفراد الأسرة.

وإيجاد المجال الآمن المشترك للنساء يساعدهن في تخطي الأزمات، كما أن توعية الشابات بحقوقهن في حضور الأمهات كان مؤثر إلى حد كبير وخاصة الجدات لأنهن صاحبات الكلمة العليا.

كما أن الضرورة تقتضي إشراك الرجال في حملات التوعية خاصة فيما يتعلق بالتحرش والابتزاز الإلكتروني حفاظاً على أرواح النساء والفتيات وهو الأمر الذي أثبت فاعليته أيضاً.