الكدح والعمل الدؤوب سمات مشتركة بين جميع نساء الريف

الكدح والعمل الدؤوب سمات مشتركة بين جميع النساء الريفيات والذي يعتبر أسلوب لحياة طبيعية مجردة من كافة أنوع التصنع.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ تاريخ وذكريات جميع النساء المنتشرات على ضفاف نهري دجلة والفرات يلتقيان في نقطة واحدة وهي الزراعة وتربية المواشي فجميعهن تعملن بنشاط وكأنهن مقتبسات حياتهن من المجتمع الطبيعي، وحياة النساء في أرياف مدينة منبج بشمال وشرق سوريا لا تستبعد عن العمل الدؤوب بين الزراعة وتربية الحيوانات.

تقطن غزالة علي المواس البالغة من العمر 65 عاماً في قرية جب ناهد جنوب مدينة منبج، والتي كانت تعيش في قرية دير قاق قبل زواجها، وعن العيش في الريف، تقول "لم يكن العمل في الريف صعب عليّ لأني كنت أعمل في الزراعة والحصاد وتربية المواشي عندما كنت في منزل أبي أيضاً، ولكن الأمر المختلف هو أن الفتاة بعد الزواج تزداد مسؤولياتها تجاه منزلها".

وقارنت حقبة جيلها بالجيل الحالي "حقبة طفولتنا وشبابنا كانت مليئة بالنشاط والعمل على غرار جيل الشباب الحالي ورغم العمل الدؤوب والمعتب، إلا أنه كان أفضل من الآن لأننا كنا ننعم براحة البال والصحة الجيدة"، لافتةً إلى أنه في الأجيال السابقة لم تكن متوفرة جميع الآليات كالحصاد والسيارات، حتى المنازل كنا نبنيها من الطين التي كانت تتميز ببرودتها في الصيف وحرارتها في الشتاء".

وأشارت إلى أنه "نفضل الحقبة السابقة عن هذه الحقبة لأن كل شيء كان على طبيعته على وجه الخصوص المواد الغذائية فالخضار كنا نجنيها من البساتين، ولكن الآن كل شيء يشترى من السوق والمعامل، ولا نعلم بأي طريقة تصنع وما هي المواد الكيماوية التي تستخدم فيها لإتمام عملية الإنتاج، وهذا ما يعكس الفرق بين طبيعة وقوام وصحة الجيل السابق عن الجيل الحالي".

وعن كيفية التجارة بمشتقات المواشي والموازنة بين واجباتهن المنزلية والعمل، تقول إن "تربية المواشي كان جزء من حياتنا اليومية نستفيد من مشتقاتها في صنع المؤونة وبيع بعضها، فكنت أذهب سيراً على الأقدام مسافة 10 كم إلى المدينة، وبعد العودة نبدأ العمل في جمع الأعشاب للمواشي، وهذا عدا عن عملنا في الزراعة بشكل دائم وفق متطلبات المواسم"، لافتة إلى التوازن التي تخلقه بين عملها في الزراعة وتربية المواشي وواجباتها المنزلية.

ورغم كبر سنها ويوجد من يقوم بكامل العمل سواء المنزلية أو الزراعية، إلا أنها لا تستطيع البقاء في المنزل بدون عمل لأنه بات جزء من حياتها، بحسب ما أوضحته.

بالإضافة إلى كل هذه الأعمال التي كانت تقوم بها غزالة علي المواس كانت تعمل كقابلة "أعمل قابلة منذ أربعون عاماً وفي أصعب الظروف كنت أولد النساء فأثناء سيطرة داعش على منبج وظروف الحصار كنت أقوم بعملي رغم الضغط الممارس علينا والأهالي بدورهم يقدرون هذه المبادرة والعون".

ولفتت إلى أن "توليد النساء في الوقت الحالي يختلف عن الأوقات السابقة فهناك صعوبة في الإنجاب الطبيعي لأن نشاط المرأة أصبح أقل وهذا يؤثر على عملية الإنجاب فسابقاً جميع النساء كنّ تنجبن بشكل طبيعي لأن المرأة دائماً كانت في نشاط دائم فالكثير من النساء بعد عودتهن من الحصاد كنّ تنجبن الأطفال".

 

ما بين المدينة والريف رحلة مشقة عاشتها في صباها

وأما جميلة مواس البالغة من العمر 65 عاماً وهي أم لخمسة أبناء وخمسة بنات، وقضت طفولتها وصباها في المدينة وتزوجت في قرية جب ناهد ولكنها أيضاً تفضل حياة الريف عن المدينة.

وعن بداية حياتها في الريف وما واجهته من صعوبات حتى تتأقلم مع طبيعة الريف، تقول "تختلف طبيعة الحياة في المدن عن الريف من حيث العمل والبيئة، فواجهت الكثير من الصعوبات بداية رحلتي في حياة الريف من تربية المواشي والأعمال الزراعية، لأني لم أمارس مثل هذا العمل في المدينة، فالكثير من المرات كانت يداي تنزفان أثناء الحصاد".

وأضافت "لكن بعد أن تأقلمت مع ظروف الحياة الريفية اليوم أفضل الريف عن المدينة لربما عانيت كثيراً حتى تأقلمت فيها ولكن 6 عقود كفيلة بأن تميز جمالية وحيوية الريف عن المدينة من نشاطها الدائم وطبيعتها الخلابة والحياة الاجتماعية السائدة فيها، والآن لا يمكنني البقاء في المدينة أكثر من يوم واحد لأني أشعر بالاختناق كونها ملوثة بدخان المصانع والسيارات".

 

ما بين الحاضر والماضي فوارق في الحياة الاجتماعية

بدورها قالت فطومة طلحة وهي في العقد السابع من عمرها وتنحدر من قرية الحمام شرق مدينة منبج على ضفاف نهر الفرات، ولديها ثماني بنات وثلاثة أبناء، وتقطن حالياً مع عائلتها وأقربائها في قرية قبر إيمو بعد أن غمرت نهر الفرات قريتهم عقب بناء سد تشرين في عام 1999.

وحول ذلك تقول "قبل عام 1999 كنا نقضي الشتاء في قرية قبر إيمو وفي الصيف نتوجه لقرية الحمام لزراعة القطن والذرة والقمح والشعير كون أراضينا الزراعية هناك، إلى جانب صيد السمك"، مضيفةً "كانت النساء ترعى المواشي وتعمل على صناعة الأغذية من مشتقات المواشي والأبقار وتحضير الخبز، وجمع الحطب وبناء المنازل من الطوب، وجلب المياه من نهر الفرات".

وقارنت فطومة طلحة الأيام التي مضت بحاضرها قائلة "ما يميز الأيام السابقة عن الحاضر هي الألفة والتعاون والمودة بين الأفراد والتي يفتقرها المجتمع حالياً".