"الحيار" عرف سائد يجبر الفتيات على الزواج في إدلب
تجبر العديد من الفتيات في إدلب على الزواج تحت العرف السائد "الحيار" ليجدن أنفسهن في النهاية ضحية لهذا الزواج.
هديل العمر
إدلب ـ للعادات والتقاليد الرجعية التي لا تزال تسيطر على المجتمعات خطورة كبيرة، كزواج "الحيار" الذي يجعل الفتاة سلعة بيد مجتمع أبوي متسلط غير مكترث لمصيرها، والمشاكل النفسية التي قد يسببها للفتاة كالاكتئاب والتوحد والتفكير بالانتحار وغيرها الكثير من المشاكل.
أجبرت رندا السوادي (18عاماً) على الطلاق من ابن عمها بعد أقل من سنة على زواجها منه تحت عرف ما يسمى بـ "الحيار"، لتكون واحدة من عشرات الفتيات اللواتي رحن ضحية العرف والعادات والتقاليد في الشمال السوري.
تقول رندا السوادي وهي نازحة من بلدة حران شرق إدلب، إنها اضطرت للامتثال لعادات وتقاليد أهلها ومجتمعها والقبول بالزواج من ابن عمها الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً بعد أن "حيرها" منذ طفولتها ما منعها من الزواج برجل غيره على الرغم من تقدم العديد من الشبان لخطبتها، إلا أن والدها كان يرفضهم استجابة للأعراف والتقاليد التي تتوارثها العائلة منذ عقود من الزمن.
وتعرضت رندا السوادي بعد زواجها للعديد من الضغوط النفسية والجسدية من زوجها الذي راح يعنفها وكأنها "جاريته لا زوجته"، ما أفضى إلى طلاقها بعد قرابة تسعة أشهر من زواجها "كنت أحلم بحياة زوجية سعيدة ككل الفتيات، زوج حنون وأطفال" تقول رندا بعينين مدمعتين ووجه شاحب والزرقة على جبينها.
وأضافت أن ذلك لم يتحقق بعد أن حددت عادات وتقاليد مجتمعها مصيرها ومستقبلها بالزواج من رجل لا يمتلك أدنى مستويات "الحس والمسؤولية".
وأشارت إلى أنها باتت تعاني من النظرة الدونية التي ينظرها المجتمع إلى المرأة المطلقة أو الأرملة، وهو ما "يؤلمني أكثر من ألم طلاقي" بسبب الكلام والنصائح التي تمليها عليها عائلتها بأن "المرأة مالها غير بيت زوجها".
وتعيش رندا السوادي برفقة عائلتها في خيمة قماشية على الحدود السورية التركية، وسط ضغوط عائلية تمنعها من ممارسة حياتها الطبيعية من خلال التحكم بأدنى حركاتها بداعي "الحفاظ على الشرف" وهو ما تواجهه معظم الأرامل والمطلقات في المنطقة.
ويعرف زواج "الحيار" بقيام ابن عم الفتاة بتحييرها وحجزها له منذ نعومة أظفارها لتجد نفسها مرغمة على الزواج منه تحت أعراف وتقاليد لا تأخذ بعين الاعتبار رأي القاصر أو الفتاة التي تضطر للقبول بمثل هذه الزيجات تحت ضغوط العائلة والمجتمع.
لم تكن منى جدوع (22 عاماً) وهي نازحة من بلدة الرفة شرق إدلب، أفضل حالاً من سابقتها حين أجبرت هي الأخرى على الزواج من ابن عمها الذي أفسد عليها خطوبتها مستغلاً عرف "الحيار" الذي يندرج في قريتها، علماً أنه متزوج ولديه طفلان.
تقول منى جدوع إنه وفي يوم خطوبتها حضر عمها مع ابنه إلى والدها وأخبراه بنيتهم في "تحييرها"، ما دفعه لإلغاء مراسم الخطوبة، بذريعة أن "ابن عمها واقف في طريقها" لتضطر مرغمة للزواج منه بعد أن خيرها والدها بين زواجها منه أو بقائها دون زواج.
غير أن زواج منى جدوع لم يستمر سوى ستة أشهر عندما طلبت الطلاق من زوجها بسبب المعاملة السيئة التي كانت تتعرض لها من ضرب وإهانات وتعنيف لفظي وجسدي دفعها للعودة إلى بيت أهلها مطلقة، بانتظار مستقبل تصفه "بالمجهول"، في حين عاد زوجها إلى زوجته السابقة وأطفاله.
وأشارت إلى أنها وبالرغم من تفكيرها بالانتحار لعدة مرات سابقة، إلا أنها تحاول التأقلم مع حياتها الجديدة "فالمجتمع لا يرحم المرأة المطلقة" وخاصة إذا كانت في سن مبكرة، ما يدفع أهلها لتزويجها من أي شاب يتقدم لطلبها بغض النظر عن أحواله وسمعته.
وتنتشر هذه العادات في المجتمعات البدوية وبالأخص في المناطق الشرقية من إدلب ذات الطابع العشائري، وهي أعراف متوارثة منذ عشرات السنين بحسب نبيهة الفطراوي (45عاماً) والتي تنحدر من تلك المناطق.
تقول نبيهة الفطراوي إن عرف الحيار لا يزال قائم في قريتها، فإما أن تتزوج الفتاة ابن عمها الذي حيرها، أو أن تبقى عزباء دون زواج مدى الحياة، وهو ما يجعل الفتاة بين خيارين "أحلاهما مر".
وأضافت أنه هذا العرف يسري بغض النظر عن فوارق الأعمار بين الطرفين فقد تكون الفتاة أكبر من الشاب أو العكس، بالإضافة لعدم النظر في الحالة الاجتماعية للمتقدم أذا كان عازباً أم متزوجاً، "فالبنت لابن عمها أحسن من الغريب" على حد وصفها.
من جهتها تتحدث سعاد الدغيم (35عاماً) وهي مرشدة نفسية واجتماعية مقيمة في مدينة إدلب، عن خطورة هذه العادات والتقاليد التي تجعل الفتاة سلعة بيد مجتمع أبوي ومتسلط وغير مكترث لمصير مئات الفتيات اللواتي رحن ضحية العرف بمثل هذه الزيجات.
وأوضحت أن هذه العادات تورث العديد من المشاكل النفسية للفتاة أو القاصر كالاكتئاب والتوحد والتفكير بالانتحار وغيرها من المشاكل التي تعصف بالفتيات اللواتي أجبرن على الزواج بحكم العادات والتقاليد التي تنتهك حقوق النساء وحريتهن في اختيار شريك حياتهن.
وأشارت سعاد الدغيم إلى أن هذه الزيجات منافية للشرعية الإسلامية والقوانين كونها تخل بأحد الشروط الأساسية وهي القبول، إذ أن المجتمعات التي تحكمها هذه الموروثات لا تأخذ بعين الاعتبار رأي صاحبة العلاقة بل يتم فرض الزواج عليها بالإجبار.
وبحسب سعاد الدغيم فإن الحملات التوعوية وتكثيف دور مراكز تمكين المرأة من شأنه الحد من مثل هذه العادات التي تكون خطيرة على الفرد والمجتمع لما لها من آثار خطيرة على المدى البعيد.