الفقر يدفع نساء لتسول لقمة العيش في إدلب
دفعت ظروف الحرب وما رافقها من نزوح وتهجير وفقدان الكثير من الأسر للمعيل، نساء في إدلب للتسول وطلب المساعدة من الآخرين
لينا الخطيب
إدلب ـ دفعت ظروف الحرب وما رافقها من نزوح وتهجير وفقدان الكثير من الأسر للمعيل، نساء في إدلب للتسول وطلب المساعدة من الآخرين، بهدف تحصيل لقمة العيش وتغطية نفقات أسرهن.
مديحة النفوس (44 عاماً) وهو اسم مستعار لامرأة أرملة من مدينة إدلب، تغطي كامل وجهها بوشاح أسود وهي تفترش الرصيف في سوق المدينة الشعبي، لتستجدي المارة، وتلح في طلب المال، بهدف الإنفاق على أبنائها الخمسة بعد وفاة زوجها بغارة حربية منذ عام 2018، تتحدث قائلة "بعد وفاة زوجي أصبحت المسؤولة عن تحصيل لقمة العيش لأولادي، وحين يئست من العثور على فرصة عمل، اضطررت للخروج لسؤال الناس وطلب العون والمساعدة".
وأشارت مديحة النفوس أنها تخفي ممارسة التسول عن أهلها وجيرانها لأنه يسبب لها حرجاً كبيراً، رغم أنها تجد يد العون من قبل بعض المارة الذين لا يتوانون في مساعدتها والإحسان إليها، مضيفة "كان من الصعب أن أشاهد البؤس والحرمان في عيون أطفالي، لذلك مددت يدي مضطرة، لأوفر لهم ما يشبع بطونهم ويسد نفقاتهم".
أما حنان إبراهيم (41 عاماً) النازحة من ريف مدينة سراقب إلى مخيم على أطراف مدينة أطمة الحدودية مع تركيا، فتخرج كل يوم للتسول مع ولديها وعن معاناتها تقول "تعرض زوجي لإصابة حربية في عموده الفقري أقعدته عن العمل، ولدي 7 أولاد، أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة نتيجة إصابته بالضمور الدماغي، لذلك أضطر للخروج مع اثنين من أولادي بأعمار 10- 11 عاماً، للحصول على المال من الآخرين".
وأكدت حنان إبراهيم أنها كانت في السابق تبحث في القمامة عن خردوات لبيعها والاستفادة من ثمنها، لكنها تعرضت لإصابة في يدها جراء دخول قطعة زجاج في يدها، والخضوع لعملية جراحية، الأمر الذي منعها من العمل.
وبينت أن حالتها المادية كانت جيدة قبل النزوح حيث كانت تعمل بزراعة أرضها والعناية بها، ولكنهم فقدوا مصدر رزقهم الوحيد بعد نزوحهم من بلدتهم بداية عام 2020.
فالنساء المتسولات عرضة للاستغلال من قبل ضعاف النفوس من خلال الاعتداء الجنسي أو استغلالهنَ في تنفيذ الجرائم كالسرقة والمخدرات.
صفية الجمول (31 عاماً) نازحة من مدينة خان شيخون إلى مدينة إدلب، هجرها زوجها مع أطفالها الثلاثة، وهاجر برفقة زوجته الثانية إلى تركيا، ثم انقطعت أخباره، وليس لديها أي مصدر للدخل يسد متطلبات معيشة أطفالها، لذا تلجأ للتسول لتنفق عليهم، لكنها تعرضت للتحرش من قبل صاحب محل لبيع الملابس في السوق الشعبي، وعن ذلك تقول "طلب مني الدخول لتنظيف المتجر مقابل مبلغ من المال، فدخلت باعتباره رجلاً مسناً، لكنني تفاجأت حين بدأ يتحرش بي لفظياً، فسارعت إلى الهروب خارجاً، ومنذ ذلك اليوم قررت الابتعاد عن هذا العمل المهين".
وبحزن تقول "لو كنت وجدت عملاً لما تسولت، ولكن الفقر والعوز جعلنا لقمة سائغة لدى ضعاف النفوس وعديمي الضمير".
وعن الأسباب التي تدفع نساء للتسول في إدلب قالت المرشدة الاجتماعية ريماس الهاشم (29 عاماً) من مدينة سرمدا الواقعة شمال إدلب "يبقى الفقر أهم الأسباب التي تجبر نساء على امتهان التسول، لتلبية احتياجات العائلة التي تعصف بها الحاجة، إلى جانب تدني الأجور وتردي الأوضاع المعيشية والارتفاع الفاحش لأسعار المواد الغذائية، حيث تعجز الكثيرات عن اقتناء أبسط مقومات الحياة".
ولا تخفي ريماس الهاشم أن البعض يمارس التسول كمهنة مربحة وسهلة بهدف الثراء وجمع المال، والاحتيال على ذوي القلوب الرحيمة، ما جعلنا لا نستطيع التمييز بين المحتاج الحقيقي والمقنّع.
وتنصح ريماس الهاشم باتباع عدة تدابير للحد من ظاهرة التسول عبر تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي، وتفعيل دور المجالس المحلية، والمنظمات الإنسانية، وتوزيع مشاريع سبل العيش بشكل عادل بعيداً عن المحسوبيات، إلى جانب تضافر جهود جميع المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري لتدريب النساء المعيلات والأكثر فقراً على مهن تساعدهن على كسب رزقهن، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلى جانب نشر التوعية بضرورة الحد من ظاهرة التسول مهما كان حجم العوز والحرمان، قائلةً "هناك نساء وقعن ضحايا الحرب والفقر، وأجبرتهن الظروف على تسول لقمة العيش المغمسة بالمهانة في سبيل البقاء على قيد الحياة، وكل أحلامهن العثور على عمل كريم، يكفيهن مذلة السؤال لسد احتياجات أطفالهن".