الفقر وضعف الخدمات وغياب الوعي القانوني يدفع النساء إلى دائرة من العنف

تختلف أشكال العنف ودوافعه من سياق لآخر، لكنه يظل قاسماً مشتركاً بين الحاجة الملحّة لمواجهته بشكل منهجي، واعتماد سياسات شاملة تسعى إلى القضاء عليه وتعزيز ثقافة تحترم حقوق الإنسان وكرامة المرأة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ في المناطق العشوائية والفقيرة، تتفاقم مظاهر العنف ضد النساء نتيجة تداخل عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية معقدة، فالفقر وغياب الخدمات الأساسية وتهالك البنية التحتية يخلقان بيئة هشّة تزيد فيها الضغوط على الأسرة، ما يجعل النساء أكثر عرضة للعنف المنزلي والمجتمعي.

هذه البيئات الضاغطة عادةً ما تجعل أصوات النساء غير مسموعة، وتحد من قدرتهن على طلب المساعدة أو الوصول إلى موارد داعمة.

ومن أبرز ما تواجهه النساء في تلك المناطق هو الجمع بين الأدوار الشاقة داخل المنزل وخارجه، مع غياب شبه كامل للحماية المؤسسية، ففي أماكن مثل منطقة المعصرة الجنوبية بالعاصمة المصرية القاهرة، من الواضح أن الازدحام السكاني وغياب الرقابة المجتمعية وضعف التوعية جميعها عوامل ساهمت في انتشار العنف بأشكال مختلفة، سواء كان نفسياً أو جسدياً أو اقتصادياً، كما أن ضعف الوعي بالحقوق القانونية يؤدي إلى تعزيز ثقافة الصمت والخوف.

كما أن محدودية الخدمات الاجتماعية مثل مراكز الاستشارات، ودور الإيواء، وبرامج التمكين الاقتصادي تجعل النساء محاصرات داخل دائرة العنف دون بدائل واقعية للهروب منها، وفي ظل هذا الواقع، يصبح التدخل المؤسسي، وتوسيع برامج التوعية، وتعزيز حضور المجتمع المدني في مناطق مثل المعصرة الجنوبية، ضرورة لا يمكن إغفالها لضمان حماية النساء، وكسر نمط العنف المتوارث، وفتح مسارات حقيقية نحو حياة أكثر أمناً وكرامة.

 

دعم وتمكين النساء

وتعمل العديد من المؤسسات لدعم النساء في المناطق المهمشة كما تؤكد مسؤولة وحدة الدعم القانوني بجمعية المعصرة البحرية في حلوان المحامية نعمة ابراهيم "لدينا في الجمعية عدة برامج لدعم وتمكين النساء فيها وحدة لتقديم المساندة القانونية، ووحدة استماع، ووحدة رعاية الطفل، فضلاً عن مشغل تعمل به النساء وينتجن به عدد كبير من المشغولات الحرفية".

وتشمل الخدمات المقدمة حضانة للأطفال تحت سن الـ 5 سنوات "تواجه النساء اللائي يأتين إلى مقرنا للتدريب على الحرف اليدوية وحضور الفعاليات التي نقوم بها خاصة الأمهات صعوبة كونهن لا يجدن مكان لأطفالهن وهو الأمر الذي دفعنا لبحث الحلول الممكنة".

وترى أن دعم النساء وتمكينهن الاقتصادي حل للكثير من الأزمات التي تعانين منها وعلى رأسها العنف القائم على النوع الاجتماعي بمختلف صوره.

ورغم أن المنطقة شعبية إلى حد كبير إلا أن الإقبال بحسب مسؤولة الدعم بالجمعية كثيف إلى حد كبير "نعمل ونستعين بشراكاتنا في المنطقة والمناطق المجاورة ونقدم مجموعة من التدريبات الخاصة بعدد ليس بالقليل من الحرف اليدوية، كما أننا عملنا على عدد من البرامج التدريبية المختلفة ومنها إنتاج المأكولات وصناعة الشموع ومنتجات العناية بالبشرة التي يمكن أن تتم يدوياً بدون تدخلات كيميائية".

وبينت أن النساء يأتين ويتدربن وعدد ليس بالقليل منهن يطلقن مشاريعهن الصغيرة كي يستطعن تحقيق مدخول ثابت لأسرهن خاصة أن عدد كبير من المشاريع تتم داخل المنازل مما يقلل عليهن المجهود والتكلفة خاصة تلك المرتبطة بالانتقالات أو مخاطر ترك الأطفال "نعتقد أن ما تقدمه الجمعية للأهالي مناسب جداً لطبيعة المنطقة الشعبية وقدرات النساء وفي حدود إمكانياتهن كونها وليدة ما نلمسه من احتياجاتهن".

 

 

مثلث الخطر

وحول كيفية تعامل الجمعية مع رفض الأزواج في المناطق الشعبية لانخراط النساء في هذه الأنشطة قالت إن "الرفض متكرر فالكثير من الذكور يجدون في التمكين الاقتصادي للنساء وسيلة لجعلهن يرفضن قبول ما قد يقع عليهن من أعباء خاصة إن كانت هناك ممارسات تنال من حقوقهن الإنسانية، وهو أمر أدركناه مبكراً وتمكنا من التعامل معه من خلال حملات التوعية التي نقوم بها، وإشراك الأزواج أنفسهم، والتحدث إليهم حول ما يتم تقديمه من خدمات للنساء خاصة الجانب المتعلق بالتمكين الاقتصادي وأنه جانب لا بأس به في عملية الشراكة وتوفير احتياجات الأسرة قدر الممكن".

ومن الحلول التي قامت بها الجمعية كما أوضحت "إشراك الرجال وحملات التوعية الخاصة بالعنف حول ما قد يحدثه من خسائر للأسرة، فالتغيير يحتاج لعمل مستمر على ملف التوعية خاصة في المنطقة التي نعمل بها كونها شديدة التعقيد وبها الكثير من التقاطعات التي تجعل من الدعم الذي نقدمه بمختلف صوره ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها".

وأكدت أن الانتهاكات التي تتعرض لها النساء تتقاطع في مختلف المناطق إلا أن طابع المنطقة العشوائي الذي يجتمع به المثلث الخطر من فقر ومرض وجهل جعلها أكثر تعقيداً حيث يرتفع بها معدل الانتهاكات والإيذاء "لكون الوضع الاقتصادي صعب جداً في المنطقة ولا توجد فرص عمل للرجال أو النساء بها ارتفعت معدلات العنف بشكل كبير، وتأثرت مختلف العلاقات، فضلاً عن ارتفاع نسبة التسرب من التعليم كأحد النتائج المترتبة على السياق المحيط بالأفراد".

 

منظومة متشابكة من العوامل

ولفتت إلى أن العنف الجسدي يعد أحد أكبر أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في المنطقة وما يليه من عنف نفسي وتعليمي وغيره "في وحدة الاستماع لدينا نجد الضرب والإهانة والحرمان من الأطفال وعدم الانفاق جميعها انتهاكات تتعرض لها النساء، ولكوني في وحدة الدعم القانوني تأتي إلي حالات محولة من وحدة الاستماع للاستشارة أو الدعم أو حتى الإحالة في رفع الدعاوى فعادة ما أجد الضرب الجسدي بشكل مبرح، والغريب أن عدد كبير من النساء يتقبلن ذلك لسنوات طويلة كونهن أميل لتحمل الإساءة على ترك الأسرة أو البحث عن مخرج قانوني".

ويتضح مما سبق أن العنف ضد النساء في مختلف مناطق مصر  ليس مجرد سلوك فردي منحرف، بل هو نتيجة منظومة متشابكة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تهيئ بيئة خصبة لاستمراره كما تقول "في أماكن مثل المعصرة الجنوبية، يتداخل الفقر مع ضعف الخدمات وغياب الوعي القانوني، فيدفع النساء إلى دائرة من العنف يصعب كسرها دون دعم حقيقي وفعّال، ومن هنا تبرز أهمية السياسات المتكاملة التي تجمع بين تمكين المرأة اقتصادياً، وتوفير ملاذات آمنة، وتعزيز الدور المجتمعي والتوعوي، وتفعيل التشريعات الرادعة، ومواجهة هذا الواقع لا تتطلب فقط الاعتراف به، بل العمل الجاد على تغييره، بما يضمن لكل امرأة حياة قائمة على الكرامة والأمان والاحترام".