الأطفال تحت مطرقة الحروب والفقر
يعاني الأطفال حول العالم بسبب الحروب والفقر والتغيرات المناخية والعبودية، لذلك يجب على العالم أن يحمل على عاتقه مسؤولية احتضان الأطفال ومنحهم حقوقهم وعلى رأسها توفير حياة أفضل لهم.
مركز الأخبار ـ 20 تشرين الثاني/نوفمبر يوم الطفل العالمي وهو ترجمة لنقاشات وسياسات الدول لأفعال تهدف بالدرجة الأولى توفير الحماية والدفاع عن الأطفال وحقوقهم ومنع تعرضهم لأي شكل من أشكال الاستغلال والعنف.
يعد اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر يوم الطفل العالمي خطوة ملهمة في إطار حماية الأطفال وبناء حاضر ومستقبل يليق بهم، تزامن يوم الطفل العالمي مع إعلان حقوق الطفل الذي اعتمد بعد أربعة أعوام من إعلان الجمعية يوم الطفل العالمي عام 1954.
الأطفال كغيرهم من فئات المجتمع يعانون من التحديات والأزمات المتشابكة التي تواجه مجتمعاتهم والعالم وعلى رأسها أزمة الغذاء العالمية الناجمة عن الصراعات، فقد بلغت نسبة الأطفال الذين يعانون من الفقر والجوع وما يترتب عليهما من سوء تغذية ونقص الوزن أكثر من 30% فهم يفتقرون للغذاء والخدمات والرعاية الصحية للبقاء على قيد الحياة، حيث أن ما يزيد عن 25 ألف طفل يموتون يومياً بسبب الفقر بينما يخسر غالبيتهم حياته بسبب أمراض ثانوية يمكن علاجها في حالة توفرت الإمكانيات اللازمة، وهناك أكثر من مليار طفل يعاني من فقر مختلف ومتعدد الأبعاد بسبب حرمانهم لضروريات الحياة الأساسية وهذه الفئة من الأطفال هم الأكثر عرضة للوفاة بحوالي الضعف فيما إذا قورنوا بالأطفال الأكثر ثراءً.
وما يزيد عن 200 مليون طفل حول العالم يعيشون في أكثر الدول خطراً بسبب الحروب يتعرضون فيها للأذى الجسدي والنفسي والنزوح، حيث كان هناك زيادة بنسبة 20% عن عام 2021 وعزا السبب في هذا الارتفاع للحرب الأوكرانية الروسية بالإضافة لأعمال العنف المندلعة في موزمبيق وكذلك النزاعات المتواصلة في أفغانستان واليمن وسوريا ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد وثق ما يزيد عن 24 ألف انتهاك جسيم ضد الأطفال وهو ما معدله 65 انتهاك يومياً وكانت الانتهاكات الجسمية المتمثلة بتشويههم أكثرها توثيقاً يليها تجنيدهم واستغلاهم في الحروب وحرمانهم من المساعدات الإنسانية.
وتعد الأمية من بين أكثر المشكلات التي يعاني منها الأطفال خاصة أولئك الذين تشهد بلدانهم صراعات وحروب أهلية كسودان واليمن على سبيل المثال، وهو ما سيؤثر على مستقبلهم ويفاقم من مشكلة الفقر، وهناك أكثر من 796 مليون شخص لا يستطيعون القراءة والكتابة منهم 67 مليون طفل حرموا من التعليم الابتدائي و72 مليون آخرين تخلفوا عن التعليم الثانوي.
والجدير ذكره أن الفقر أجبر الكثير من العوائل على تزويج بناتهم وهن لم يتجاوزن السن القانون للزواج أو بيع أطفالهم للتجار الذين يستخدمونهم عبيداً يتعرضون لممارسات عنيفة على رأسها الجنسية، فقد قدر وجود ما يزيد عن 12 مليون طفل حول العالم يعانون أحد أشكال العبودية الحديثة بالإضافة لـ 3 ملايين آخرين يتعرضون للاستغلال من أجل القيام بالأعمال القسرية منها العمل في المناجم والمصانع أو خدم في المنازل أو يستخدمون في التسول أو بيع المخدرات حتى في الدول الغنية كما في الاتحاد الأوروبي ذي الاقتصاد المتقدم.
كما تشكل التغيرات المناخية وما تسببه من تغيرات في دراجات الحرارة وأمراض وانبعاثات غازية من أبرز التهديدات التي يواجهها الأطفال في العالم، وتؤثر بشكل غير مباشر على صحتهم فهي كفيلة بزيادة نوبات الربو والحساسية بالإضافة لزيادة مشاكل الصحة العقلية وتأخر النمو، وما يسببه التغير المناخي في انعدام الأمن الغذائي يؤثر على تغذية الأطفال وكذلك تعليمهم من خلال ما يسببه من ارتفاع في دراجات الحرارة والفيضانات والزلازل، وبالتالي الأطفال هم أقل الفئات قدرة على النجاة من تأثيرات المناخ القاسية.
والأطفال هم أكثر من يدفع الثمن باهضاً في النزاعات الدائرة في العالم، على سبيل المثال في عام 2020 وحده تسبب استخدام الأسلحة المتفجرة ومخلفات الحرب ما يزيد عن 47% من ضحايا الأطفال، فبين عامي 2005 و2022 تم تأكيد مقتل أكثر من 120 ألف طفل أو تشويههم في حالات النزاع المسلح وتجنيد أكثر من 105 آلاف طفل كما تعرض أكثر من 16 ألف طفل لهجوم خلال تواجدهم في المدارس أو المستشفيات، فالاغتصاب أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي الجسيم هو انتهاك بحق الطفولة فقد ارتكبت أطراف النزاع جرائم اغتصاب وزواج قصري ضد ما لا يقل عن 16 ألف طفل وهو انتهاك يؤثر بشكل أكبر على الفتيات اللاتي كن ضحايا في 97% من الحالات التي تم الكشف عنها بين عامي 2016 و2020.
وعن أبرز الأوضاع المأساوية التي يعيشها الأطفال حول العالم يذكر اليمن الذي يعيش صراعاً دامياً منذ قرابة تسعة أعوام ارتفعت فيها أعداد ضحايا الحرب من الأطفال إلى 11 ألفاً بينهم أكثر من 3700 قتيل كما ازدادت ظاهرة تجنيد الأطفال التي وصلت إلى نحو 4 آلاف بينهم 91 فتاة، كما أفادت تقارير عن وفاة 4600 طفل خلال 39 يوماً من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وإصابة آلاف آخرين بجراح، كما حرم الأطفال من المياه والغذاء والدواء بالإضافة لعدم توفر الوصول الآمن إلى المستشفيات.
وعند الحديث عن الصراعات وأوضاع الأطفال فيها يخطر على البال أطفال سوريا، فقد جعلت الحرب فيها مستقبل وحياة جيل من الأطفال على حافة الهاوية، فخلال العقد الماضي قتل وأصيب ما يزيد عن 12 ألف طفل واستخدم أكثر من 5.700 آخرين للمشاركة في الصراع بعضهم لم تتجاوز أعمارهم السبعة سنوات، كما عانى أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة من التقزم بسبب سوء التغذية المزمن، وحوالي 2.45 مليون طفل و750 ألف أضافي خارج سوريا حرموا من التعليم.
وفي الكونغو أوضح تقرير صحفي من منظمات أفريقية غير حكومية أن 80 ألف طفل عامل هم تحت سن 15 عاماً في ظل شروط عمل صارمة، وحوالي 4.7 مليون طفل أعمارهم بين 5 ـ 14 يشاركون عائلاتهم في عمليات التعدين الحرفي للعناصر والكثير منهم يستخدمون مطارق ثقيلة ويفرغون مواد كيميائية شديدة الخطورة دون ارتداء أقنعة واقية كما ينقلون الصخور من مناجم عميقة، كما أن ظاهرة تجنيد الأطفال شائعة في الكونغو حيث يقوم الجيش في استخدامهم لصالحه وكذلك الجماعات المتمردة.
للكوارث الطبيعية دور في التأثير على الأطفال وتتمثل بالقلق والخوف والحزن واضطرابات في النوم وصعوبة في التركيز، فقد رصد مركز بحثي في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية أنه بعد مرور ثلاث سنوات على كارثة زلزال تسونامي في إندونيسيا عام 2006 بقي ثلث الأطفال يعانون من اضطرابات في الصحة العقلية، كما أن 9% من الأطفال الذين شهدوا على إعصار كاترينا في الولايات المتحدة عام 2005 عانوا من اضطرابات نفسية وعاطفية وصفت بالخطيرة.
قد تكون اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة من أهم الاتفاقية التي وضحت من هم الأطفال وما هي حقوقهم ومسؤوليات الحكومات تجاههم فقد حثتها على تفعيل كل ما هو ممكن حتى يتمتع كل طفل بكامل حقوقه الواردة في هذه الاتفاقية والتأكيد على أن حصول الأطفال على الحماية والرعاية الكافية من ذويهم أو حتى الأشخاص المسؤولين عن العناية بهم، وأكدت أن لكل طفل الحق في الحياة وينبغي عدم فصلهم عن والديهم إلا في حال عدم حصولهم على رعاية مناسبة وكافية منهم ولهم الحق في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم بحرية بخصوص القضايا المؤثرة عليهم.
وأكدت الاتفاقية أيضاً أنه يجب على الحكومات تقديم الحماية الكافية من العنف والإساءة والتعرض للإهمال من قبل أي شخص كان، كما يحق للأطفال في بلدان الملجأ الحصول على المساعدة والحماية وأن يمنحوا نفس الحقوق التي يتمتع بها باقي الأطفال، وعلى البالغين التفكير بالتأثيرات المترتبة لقراراتهم على الأطفال.
كما حثت الاتفاقية الحكومات على حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والإساءات الجنسية وإنزال أشد العقوبات بالأشخاص الذين يقومون بإجبارهم على ممارسة الجنس مقابل المال، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأطفال من عمليات الخطف أو البيع ومن جميع أنواع الاستغلال حتى لو لم تكن مذكور في الاتفاقية، وأنه يحق لكل طفل الحصول على أفضل رعاية صحية ومياه نظيفة للشرب وطعام صحي وبيئة نظيفة وآمنة والحق في التعليم الذي أكدت عليه المنظمة أن يكون مجانياً في مرحلته الأساسية وعلى المدارس احترام حقوقهم وعدم ممارسة أي شكل من الأشكال العنف بحقهم.
كما تضمنت الاتفاقية الحق في نيل الأطفال الحماية الكافية عند القيام بأعمال تشكل خطراً على صحتهم أو نموهم أو في حال عدم حصولهم على أجر كافي مقابل عملهم.