'وجود النساء في العمل النقابي يحتاج لجهد في تعزيز الثقة مع العمال'
النقابات في مصر نشأت للدفاع عن حقوق العمال وتنظيم علاقتهم بالحكومة وأصحاب العمل، وتطورت لتجمع المطالب الاقتصادية والاجتماعية، وتعكس الوعي السياسي والاجتماعي، لكنها بقيت خاضعة لعلاقات قوة تقليدية همشت النساء.
أسماء فتحي
القاهرة ـ على الرغم من كون النساء جزء أصيل من قوة العمل في مصر، إلا أن حضورهن داخل النقابات ظل محدود لفترات طويلة، سواء من حيث التمثيل في المواقع القيادية أو من حيث المشاركة الفعالة في صنع القرار، ومع اتساع مشاركة النساء في سوق العمل وتزايد وعيهن بأهمية التنظيم النقابي كوسيلة للدفاع عن حقوقهن، بدأت محاولات جادة لاختراق هذا المجال الصعب، وتثبيت وجود نسوي فاعل داخل البنية النقابية.
تسعى النقابيات اليوم إلى تجاوز الصورة النمطية التي تحصر دور المرأة في الهامش أو في الأعمال الإدارية، عبر المشاركة المباشرة في اللجان، وإدارة الحملات العمالية، وبناء شبكات تضامن تدعم التواصل بين العاملات والنقابيين من الجنسين، وتعد هذه التحركات خطوة مهمة نحو بناء ثقافة نقابية أكثر شمولاً وتنوعاً يمكنها أن تعيد تعريف القيادة والعمل الجماعي من منظور أكثر عدلاً ومساواة.
لكن هذا الطريق لم يكن ممهد أمام النساء فما زلن يواجهن تحديات متشابكة تبدأ من التمييز الثقافي وضعف الدعم المؤسسي، مروراً بضغط المسؤوليات الاجتماعية، وصولاً إلى محدودية المساحات المتاحة للتعبير عن أصواتهن بحرية. ورغم ذلك، برزت نماذج نسائية ناجحة فرضت حضورها النقابي باقتدار، مثل أمينة المرأة في كتلة "شباب وستات قد التحدي" هويدا علي، التي حولت تجربتها إلى نموذج ملهم للتواصل البناء والقيادة المسؤولة في أحد أكثر القطاعات صلابة وطابعاً ذكورياً، وهو ما سنتعرف على تفاصيله في الحوار التالي:
وجود امرأة في قطاع النقل البري أمر جدير بالاهتمام، فكيف تمكنتم من خوض معترك العمل النقابي في مساحة ذكورية بهذا الحجم؟
رحلتي النقابية بدأت عام 2006 فقد كان عمري لا يتجاوز الـ 18 عام حينما انضممت للعمل فشجعتني أسرتي وتحديداً والدي على ذلك، وقررت خوض المعترك الانتخابي وكنت الأولى مقابل 65 رجل وأول امرأة في النقل البري تسلك هذا المسار.
العمل النقابي موهبة فأنا منذ صغري أكثر ميلاً إلى دعم الآخرين والبحث عن حلول لمشاكلهم رجالاً كانوا أو نساء، وخلال تجربة الانتخابات لمست الدعم الذي حصلت عليه من زملائي الأمر الذي حفزني على تقديم المزيد من الخدمات والتواصل من أجل تحقيق مطالب زملائي والانصات لهم دائماً فيما يتحدثون حوله لاكتساب الخبرة منهم.
وقد اكتسبت كل تلك الخبرة من والدي، فمنذ نعومة أظافري كنت أراه داعماً لزملائه، وأدرك جيداً حجم الصعوبات التي واجهها في عمله. ومع مرور الوقت، أصبحنا متشابهين كثيراً، ونعمل معاً على خط الصعيد، رغم صعوبة العمل هناك وعدم قبول البعض بقيادة امرأة، ورغم أنني فزت بمقعد رئيس النقابة، إلا أني قررت أن أصبح الأمينة العامة ومن هنا توطدت علاقتي بالجميع.
النقل البري وسط ذكوري والنساء به قطعاً لديهن تحديات، فما الذي تقدمونه لهن من خدمات؟
العمل النقابي لا يفرق بين رجل وامرأة فالخدمة المقدمة يحصل عليها الجميع بالتساوي لا فرق بينهم في أي شيء فعدد النساء قليل بالشركة والقطاع الأكبر رجال.
ونعمل دائماً على الاستماع لجميع الأطراف، وتوفيق الأوضاع، وتقريب وجهات النظر بين العمال، نساءً ورجالاً من جهة، وبين الشركة من جهة أخرى، لضمان حدوث أي تعارض. ومن هنا نجحنا في تحقيق العديد من المكاسب والتي استفاد منها جميع العاملين بنسب متساوية.
وهناك أيضاً تنافس كبير في العمل، وعندما تتطلب الحاجة السفر أو العمل لساعات إضافية، نجد المبادرات النسائية في أعلى مستوياتها. وتتمتع النساء في الشركة بميزة إضافية، حيث أن أغلب أزواجهن يعملون في القطاع نفسه، ما يجعل بيئة العمل أشبه بأسرة كبيرة.
ما أبرز التحديات التي تواجه النساء في تلك المساحة؟
أكبر أزمة تتعلق بوقت التقديم للانتخابات، وأتمنى أن يكون هناك مكان مخصص للنساء، إذ أن الزحام في هذه المرحلة أمر غير محتمل، والإجراءات معقدة وتفاصيلها كثيرة، الأمر يحتاج إلى سلاسة ومرونة، بدلاً من قضاء ست ساعات في مساحة غير مناسبة للنساء، مع التنقل لمسافات بعيدة لإنجاز الأوراق المطلوبة، ويمكن معالجة هذا العبء يمكن التعامل معه لتشجيع عدد أكبر من النساء على خوض الانتخابات.
وفي الانتخابات نفسها، يتطلب الأمر السفر لأن الزملاء يعتبرونه تقدير فهناك إرهاق وجهد كبير في التنقل بين المدن المختلفة لتغطية جميع المدن. وتجربتي الشخصية في الانتخابات توضح ذلك، فقد ذهبت في إحدى الرحلات إلى أسيوط، ورغبت في حجز غرفة، لكنهم رفضوا بحجة أنهم لا يستقبلون أفراداً من خارج المدينة، وخاصة النساء. تفاوضت كثيراً بلا جدوى، وحينما أنهكت من المحاولات، أخبرت المسؤول أني سأمكث في مكان الاستقبال، ومن هنا فقط سُمح لي بالدخول في تمام الواحدة صباحاً، وغادرت بعد 5 ساعات.
لكن الوضع يتحسن تدريجياً، ففي البداية كنت المرأة الوحيدة مقابل 65 رجلاً، في الدورة التالية أصبحنا امرأتين، وفي الأخيرة ثلاث نساء، وهو ما يعزز مع الوقت وجود النساء في هذه المساحات.
لديكم نقابات فرعية وتقدمون الدعم لمدن متباعدة، كيف تعملون مع كل هؤلاء وتنقلون الخبرة لهم؟
عادةً ما نحصل في المركزية على دورات وندوات وتدريبات مكثفة، وأسعى دائماً لتوثيق هذه الخبرات كي أتمكن من نقلها لزملائي، حتى لا تحدث فجوة بين المركزية والفروع، فنحن في 17 مدينة من القاهرة لأسوان، وأقوم بزيارات لتلك الأفرع لنقل الخبرة، وأعقد اجتماعات سواء من خلال سفري لهم أو قدومهم إلينا في المركزية.
والقطاع كبير وخدمي الأمر الذي يحتاج لجهد كبير ومثابرة حتى يتم تبادل الخبرات وفكرة الاستماع للزملاء ضرورية جداً، فضلاً عن مهارات التواصل وبناء العلاقات ومن ثم بناء الشراكات بين النقابيات في مختلف القطاعات. وقد سبق لي التعاون مع العديد في قطاعات مختلفة، حيث تبادلنا الخدمات والخبرات لصالح جمهورنا المستهدف.
وقررت أن أخوض الانتخابات القادمة، وخطتي عادة ما تنبني على تحديد أوجه الضعف والقصور في المرحلة السابقة، وفكرة الإنصات للمشاكل من أجل بناء البرنامج لأن المعرفة بالصعوبات تكمن في معايشة أصحابها وهو أمر أجده أكثر تأثيراً في تحديد المطالب ووضوح الاحتياج ومن ثم القدرة على طرح الحلول الذكية لأية أزمات مطروحة.