'واقع الحريات في تونس مهدد ويشهد انتكاسة كبيرة'

تخشى النسويات من مد غير مسبوق لفكر عنصري متطرف تبناه التونسيون في الفترات الأخيرة وتدعو إلى تحكيم العقل وقبول الآخر المختلف لوناً أو عرقاً أو انتماءً مادام لم يلحق الضرر بالأمن.

زهور المشرقي

تونس ـ تتخوف الناقدة السياسية منية العرفاوي من الانتكاسة التي شهدتها حقوق النساء خاصةً بعد نسف مبدأ التناصف وإقصائهن بشكل مباشر، وخطاب الكراهية الذي بات يسيطر على المشهد العام تجاه الأفارقة.

ترى المحللة والناقدة السياسية منية العرفاوي، في حوار مع وكالتنا، أن وضع الحريات في تونس بات مهدداً، محذرة من موجة العنصرية المستهدفة للأفارقة جنوب الصحراء في تونس خاصةً بعد الخطاب الرسمي للدولة التي طالما كانت مرحبة بهم.

 

ما قراءتك للمشهد السياسي الحالي، في ظلّ التغيرات الحاصلة، وهل يمكن لأية مبادرة سياسية تلتف حولها مختلف الأطراف أن تنجح؟

يمكن وصف المشهد السياسي الحالي بالمتوتر والمعقد حيث بلغ الحال ذروة التأزم، إذ تعيش بلادنا الاحتكار المتواصل للسلطة والإقصاء الممنهج لكل الخصوم السياسية وانفراد كبير يمارسه الرئيس قيس سعيد بالسلطة والتباس في كل المفاهيم السياسية المتعارف عليها، فضلاً عن برلمان جديد لا يحظى بأي شعبية وقد شهدت انتخاباته التشريعية عزوفاً غير مسبوق لا في تونس فقط بل على مستوى العالم من ناحية المشاركة الضعيفة في إطار مناخ سياسي متأزم وصراع بلغ أشده وجبهات مفتوحة بين الجميع من قوى سياسية معارضة وأحزاب في وضع هش وهو أمر مهدد للمسار الديمقراطي خاصة مع عجز المنظمات عن إيجاد حل شبيه أو أسوة بالحلول التي اقترحت عام 2013.

ففي ضل هذا المناخ لا يمكن لأي مبادرة سياسية أن تنجح، فمنذ أسابيع قليلة كانت هناك مبادرات تتوزع على صنفين، سياسية خارج سقف 25 يوليو تقودها شخصيات سياسية وكان الهدف منها جمع أكبر قدر من القوى السياسية لكنها فشلت في المهد بسبب أن أكبر القوى السياسية المتمثلة في حركة النهضة والحزب الدستوري الحر لا يمكن لهما بتاتاً أن يجلسا على طاولة الحوار أو يجدان حل مشترك، والصنف الثاني المتمثل في المبادرات تحت سقف 25 يوليو، أملاً في الحل وجاءت في هذا السياق مبادرة المنظمات المتمثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين والمنتدى الاقتصادي والاجتماعي والرابطة التونسية  للدفاع عن حقوق الإنسان بعد أن انسحب عن المبادرة ونأى بنفسه اتحاد الأعراف.

هذه المبادرة التي وضعت نفسها تحت سقف 25 يوليو ولا زالت تتمسك بضرورة التحاور مع الرئيس سعيد وأن يكون الأخير جزءً من الحوار السياسي الذي تنوي القيام به، لكن الإشكالية هنا أن رئيس البلاد يرفض الحوار وبالتالي لن يستجيب إلى أي مبادرة سياسية سواءً تحت سقف 25 يوليو أو خارجها، فهو يرى نفسه أنه يملك كامل المشروعية والأخطر يرى كل معارضة سياسية هي محاولة لقلب الحكم وهو ما لامسناه مؤخراً في إحالة المعارضين السياسيين على القضاء خاصة قيادات جبهة الخلاص التي لا تعترف بمسار 25 يوليو، وتعتبر أن ما حصل في تونس انقلاباً.

 

هل لامست الإقصاء الممنهج للنساء وعدم الاعتراف بمقترحاتهن كنسويات لدعم الحلول السياسية؟ ولماذا

لا يمكن أن ننفي اليوم أن هناك انتكاسة لدور المرأة وفاعليتها في المشهد السياسي، بدأ ذلك من الجانب التشريعي حيث أن المنظومة التشريعية الجديدة التي أتى بها مسار 25 يوليو والرئيس قيس سعيد من خلال الدستور والقانون الانتخابي هي منظومة لا تمنح النساء الريادة السياسية بالنظر إلى إمكانيات التونسيات برغم أنه نص على المساواة في الدستور لكنه لم يضع آليات تشريعية لتطبيق هذه المساواة وخذلها في القانون الانتخابي عندما لم ينص على ضرورة وجود التناصف في القوائم الانتخابية وهو ما جعل وجود المرأة في البرلمان الجديد كارثي ومنعدم تماماً، أما من خارج منظومة 25 يوليو، لم يكن وجود النساء في الأحزاب كبيراً ولا بتمثيلية مهمة بل كان محتشماً طيلة عقود، واليوم المجتمع المدني أين توفر للنساء القوة والحضور والتأثير بقيت الجمعيات النسوية بعيدة عن الفعل السياسي في معناه الاحتجاجي المعارض أو حتى في معناه المشارك في الحكم برغم أن المسار يفتخر بأنه عين أول امرأة في المنطقة وشمال أفريقيا رئيسة حكومة إلا أن وجودها صوري وهي بمثابة وزير أول في منظومة سياسة الرئيس سعيد، فوجودها شكلي لم يضف للنساء التونسيات أي شيء.

 

مد عنصري غير مسبوق ومرعب تشهده تونس الأيام الأخيرة، هل يمكن أن يؤثر ذلك على صورة تونس أمام العالم وهي التي طالما كانت راعية لحقوق الإنسان؟

الوضع الحقوقي بصفة عامة في تونس بات مخجلاً، وبالنسبة لمسألة العنصرية أقول إنه من المخجل جداً أن يتبنى الخطاب الرسمي للدولة التونسية من خلال مقولات وتصريحات الرئيس قيس سعيد خطاباً عنصرياً تجاه المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الموجودين ببلادنا، نحن ندافع عن التنقل كحق كوني وأيضاً مع تطبيق القانون في حدود ما تسمح به المعاملة الإنسانية، فمسألة إجلائهم بشكل عاجل أو طردهم والرمي بهم خارج الحدود هي مسألة مخجلة وهي من مقولات ومخططات مستلهمة من حركات اليمين المتطرف في أوروبا التي يعاني منها الأفارقة والعرب والتونسيين ويعيشون عبرها محنة وجود وخوف، فأن يستلهم الخطاب السياسي الرسمي ويستحضر تلك المقولات الفاشية والعنصرية ويحاول تطبيقها في تونس هو أمر يستوجب إرادة التصدي له والقطع مع هذا الخطاب الخطير الذي لا يليق بدولة صنعت ثورة وتسمى تونس.