ستة أشهر... نساء المغرب تترقبن مدونة أسرة جديدة تضمن المساواة
تترقب نساء المغرب التعديلات التي سيتم إدخالها على مدونة الأسرة الحالية والتي من المقرر الإعلان عنها بعد ستة أشهر، بما يضمن المساواة والقضاء على التمييز.
حنان حارت
المغرب ـ تطمح الحركات النسائية والحقوقية في المغرب، لاستجابة التعديلات المرتقبة لتطلعاتهن، ويتم حذف كل المقتضيات التي تسيء للنساء وتكرس الحيف والتمييز في المدونة الحالية.
بعد سنوات من مطالبات جمعيات نسائية بإدخال إصلاحات عليها، وجه العاهل المغربي محمد السادس، في الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر، الحكومة بإعادة النظر في مدونة الأسرة، ومنحتها مهلة ستة أشهر من أجل رفع مقترحاتها.
وحول أهم مطالب الحركات النسائية فيما يتعلق بتعديل مدونة الأسرة، أوضحت الناشطة الحقوقية خديجة الرباح وعضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أن الجمعيات النسائية والحقوقية لا تطالب بتعديلات أو ترقيع للمدونة، إنما المطلوب التغيير الشامل لها، وأن يتم تغيير الفلسفة القائمة عليها لتلائم الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في هذا الصدد.
وعن الأسباب الكامنة وراء اصرار الحركة النسائية في المغرب على إعداد نص آخر يختلف تمام الاختلاف عن سابقتها تقول "صحيح أن مدونة الأسرة الحالية التي صدرت عام 2004 كانت تجيب عن بعض مطالب الحركة النسائية وبعض الإكراهات والتحديات التي كان يعرفها المغرب آنذاك، لكنه اليوم لم يعد يتماشى مع التطور الذي تعرفه البلاد".
وأشارت إلى أن "طبيعة المجتمع المغربي تغيرت ونقف أمام تحديات كبيرة، ونطمح أن يكون التعديل استجابة للوضعية الجديدة"، لافتةً إلى أن قانون مدونة الأسرة الحالي يختلف على مستوى المضمون والشكل والفلسفة مع التوجهات الكبرى ومع دستور 2011، الذي في فلسفته ومنطوقه وتوجهاته الكبرى يؤكد على المساواة الفعلية في جميع الحقوق بما فيها الحقوق المدنية، فقد نص الدستور وبشكل مباشر القضاء على كل أشكال التمييز الذي لا زال قائماً إلى اليوم في المنظومة القانونية.
وحول ماهية القاعدة الأساسية التي يجب أن يبنى عليها نص مدونة الأسرة الجديدة، توضح "النص الجديد الذي نطمح له كنسويات هو ضرورة استحضار ثلاث قضايا أساسية أولها المساواة بين الجنسين، وإنصاف النساء في جميع الحالات والوضعيات، إلى جانب استحضار المصلحة الفضلى للطفل/ة في أي وضعية وفي أي حالة كانت".
وترى أن نص المدونة الجديدة يجب أن يتضمن طبيعة الأسر المغربية التي تغيرت "نحن اليوم أمام أسرة جديدة ومن هذا المنطلق يجب أن تتغير نظرتنا للأسرة وللعلاقات بين المرأة والرجل داخل الأسرة التي تغيرت بدورها"، لافتةً إلى أن المجتمع المغربي يعيش الآن واقعاً اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً جديداً، فالنساء أصبحن تساهمن في الإنفاق على الأسرة، والعمل الإنجابي كذلك، فالمرأة هي من تلد وتتحمل مسؤولية الأطفال من مأكل ومشرب وملبس، كما تتحمل مسؤولية رعاية المسنين والأطفال في وضعية إعاقة، وهذا العمل لا يحتسب ولا يتم تقديره ولا تقييمه.
ودعت إلى إعادة النظر في الحالات الاستثنائية التي تتركها المدونة الحالية للقاضي بخصوص سن زواج الفتاة القاصر، لأن وجود حالة استثنائية أمر يهدد مسار حياة الفتيات القاصرات في التعليم والتنمية، مشيرةً إلى أن القانون الجديد يجب أن يمنع تزويج القاصرات ومعاقبة كل من يشجع على ذلك "إن مكان الفتيات القاصرات هي المؤسسات التعليمية وليس بناء أسرة".
أما فيما يتعلق بالولاية القانونية للنساء على الأبناء القاصرين فأوضحت أنها غير موجودة في النص الحالي، وهو ما يظهر أن النساء في درجة ثانية بعد الرجل "كحركات نسائية وحقوقية في المغرب نطالب بحذف كل المقتضيات التي تجعل المرأة في الدرجة الثانية، وندعو لأن تكون المسؤولية مشتركة بين الزوج والزوجة على الأبناء، فقد أبانت التجارب أنه خلال انحلال العلاقة الزوجية لا تعتبر المرأة حاضنة قانونياً، أي لا يمكنها التقدم بأي إجراء إداري لصالح أطفالها إلا بعد حصولها على إذن أو ترخيص من الأب".
وحول إشكالات الطلاق تقول "يجب حذف جميع أنواع الطلاق التي لم تعد ضرورية، والإبقاء فقط على الطلاق الاتفاقي والشقاق، لكون الأنواع الأخرى لم يعد معمولاً بها في البلاد"، مؤكدةً على أن النص الجديد لمدونة الأسرة؛ يجب أن يركز على المساواة والإنصاف بين الرجل والمرأة في جميع الحالات والوضعيات.
وذكرت بأن الحركات النسائية لا ترغب في بعض التغييرات والتعديلات في بعض النصوص، بل تريد تغييراً شاملاً وجذرياً لنص مدونة الأسرة الذي يأملن أن ينطلق من فلسفة المساواة والإنصاف والمسؤولية المشتركة في تدبير العلاقة الزوجية سواء خلال إبرام عقد الزواج أو عند انحلاله.
ومن ضمن المطالب الأخرى التي نادت بها خديجة الرباح عدم إسقاط الحضانة عن المرأة عند الزواج للمرة الثانية، خاصة إذا تبين أنها قادرة على منح الأمان والسلام لأطفالها، وحذف الفصل 400 الذي يعطي إمكانية تغليف الاجتهاد الذي يذهب في اتجاه عدم احترام الحقوق التي وضعتها المغرب، والذي يفتح باب الاجتهاد في عدم وجود مقتضى يتم تطبيقه على نازلة ما، وإعادة النظر في منظومة المواريث وإلغاء التعصيب وإقرار المساواة في أنصبة الورثة وإقرار المساواة في إعمال الوصية الواجبة ومنع تعدد الزوجات.
من جانبها اعتبرت رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء سميرة موحيا أن مراجعة قانون مدونة الأسرة في هذا الوقت مبادرة إيجابية "نحن في فيدرالية رابطة حقوق النساء نعتبر أنه حان الوقت لتعديل مدونة الأسرة المغربية لأن شكلها الحالي يخالف الدستور وتتضمن الحيف والتمييز ضد النساء وتمارس عليهن عنفاً قانونياً، في الوقت الذي يحث فيه الدستور على المساواة وتكافؤ الفرص ونبذ العنف وسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية".
ودعت إلى حذف كل المقتضيات التي تشيء النساء وتمس بكرامتهن وتكرس الحيف والتمييز والدونية بسبب الدين والجنس والمعتقد، وإعادة صياغة المدونة صياغة قانونية وحقوقية واضحة، تحفظ كرامة النساء بما يضمن انسجام البنود فيما بينهما.
وعددت بعض النقاط التي تجب إعادة النظر فيها، وهي قضايا الطلاق والنفقة والنيابة القانونية وزواج القاصرات والزواج المختلط، وتبسيط مساطر الزواج للمغاربة المقيمين في الخارج، وقضايا الإرث والنسب.
وأوضحت أن اللجنة المكلفة حالياً بمراجعة مدونة الأسرة المغربية، عليها مراعاة مجموعة من العوامل، وهي التحولات التي طرأت على المجتمع المغربي، والمكانة التي وصلت لها النساء المغربيات في جميع الميادين وتحملها المسؤولية في تسيير الشأن العام الوطني في الحكومة والبرلمان والهيئات المنتخبة.
وذكرت أن النساء المغربيات اليوم هن معيلات للأسر وتساهمن بشكل فعال في تنمية موارد البلاد والمجتمع والأسرة "أصبحت النساء تنخرطن بقوة في سوق الشغل ولهن مكانات متعددة في المجتمع وهن مراكمات للثروة وهذا يجعلنا نسائل نظام القوامة التقليدية الذي لا زال قائماً في المدونة الحالية وهو ما يعطي للمرأة دوراً ثانوياً داخل الأسرة والذي هو في تناقض صارخ مع مبدأي المساواة والمناصفة الذي يعتمدهما الدستور المغربي".
ونوهت أنه على اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة استحضار المكانة التي يلعبها المغرب في علاقاته الدولية والقارية والإشعاع العالمي وتوجهه الإفريقي الذي يفرض عليه تقوية الجبهة الحقوقية والقانونية، مشيرةً إلى أنه على النخبة السياسية واللجنة التحلي بالجرأة وبالمسؤولية والدفع في اتجاه ملاءمة المدونة مع الدستور المغربي ومع المبادئ التي جاء بها لصالح النساء والأسرة ككل، مشددةً على التوجه في إطار تفعيل الحقوق والواجبات والمواطنة التي يجب أن تكون كخلفية للتشريع وحتى السياسات العمومية التي لها علاقة بمنظومة الأسرة.
وأكدت على أن مطالب الفيدرالية التي تعتبر جزءاً من الحركة النسائية في المغرب واحدة وتتجلى في المراجعة الشاملة والعميقة للمدونة الحالية، لافتةً إلى أن التعديلات المرتقبة يجب أن تخرج المدونة من الوصاية والنزعة الذكورية لفضاء المساواة والمواطنة الحقة والانطلاق من المعيار الأساسي الذي هو واقعي بالنظر للتحولات التي طرأت على المجتمع المغربي "نترقب مدونة أسرة جديدة تضمن المساواة وتحفظ كرامة النساء المغربيات، ولا يتم فيها الاعتماد على الفقه التراثي القديم الذي يتعارض مع مبدأ المساواة ومكانة النساء في المجتمع، ولا يأخذ بعين الاعتبار أن النساء أصبحن مستهلكات ومنتجات وتراكمن الثروة مثلهن مثل الرجل".