قتل المذيعة شيماء جمال حلقة جديدة في مسلسل العنف ضد النساء

لم تهدأ الأجواء من بشاعة قتل الطالبة نيرة أشرف وذبحها على مرأى ومسمع من الجميع حتى تم العثور على جثة المذيعة شيماء جمال واتهام زوجها القاضي أيمن حجاج بارتكاب الجريمة والتحايل على الأدلة في محاولته لإخفائها.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تتوالى أحداث العنف متتابعة وكأنك تشاهد مسلسل متكرر ترتفع فيه معدلات فقد الإنسانية، في مشاهد تجعل الأسوياء يتأذون من بشاعتها، ورافقتها العديد من الدعوات بل والصرخات المطالبة بضرورة إيجاد حلول جذرية لاستيعاب تلك الحالة التي باتت متكررة ووضع آليات محددة وواضحة لمواجهتها.

التعامل مع جرائم العنف التي ارتفع معدلها في الفترة الأخيرة لن يؤتي ثماره سريعاً بأدوات مصنعة للخلاص الآني، ولكن الأمر يحتاج لمزيد من الوقت والجهد بل ودراسة الوضع وملابساته للوقوف على الآليات الأنسب لمواجهته، والعودة لتفعيل العدالة الناجزة حتى يتم ردع المجرمين وترهيب الراغبين في مثل تلك الممارسات، والبحث عن سبل تغذية الوعي الجمعي لجعل المواطنين أنفسهم حائط صد لاحتواء هذا السياق المخيف.

ومواجهة موجة العنف التي تتعالى مؤخراً تحتاج لتضافر جميع الجهود سواء من أجهزة الدولة الرسمية ومؤسساتها، أو العاملين في المجتمع المدني والنشطاء في الملف الحقوقي، بل وكل شخص يمكنه أن يبث قدر من الوعي في محيطه حتى يتم تجاوز حدة الأزمة التي أفقدت الكثيرين أمانهم الشخصي.

 

ملابسات الواقعة وتفاصيل القبض على المتهم

ملابسات تلك الواقعة أذهلت الكثيرين فالمتهم بها القاضي أيمن حجاج والذي اصطحب زوجته المذيعة شيماء جمال وبعد ذلك أبلغ عن اختفاءها وقام بإخفاء بعض الأدلة ومنها سجلات كاميرات المراقبة المنزلية بحسب الاعترافات الأولية في تلك القضية للمتهم الثاني المشارك له في الجريمة وتصريحات أهل الضحية.

وقام المتهم الثاني في القضية بالتبليغ عن القاضي، كاشفاً لغز الاختفاء الذي حير جهات البحث والتحري على مدار شهرين متتاليين، مؤكداً أن صديقه القاضي قتل زوجته بمساعدته، ووفق ما تم إعلانه حتى الآن فقد تم خنق الضحية بقطعة قماش وضربها بمؤخرة الطبنجة (نوع من الأسلحة النارية) ثلاثة مرات حتى فقدت الوعي ثم دفنها في مزرعة بنطاق مركز البدرشين جنوب الجيزة.

وتضمنت اعترافات المتهم الثاني الإرشاد على مكان دفن الجثة، وتم ندب مصلحة الطب الشرعي لتشريح الجثمان وفحص الآثار، وتواجه القاضي أيمن حجاج الذي تم إلقاء القبض عليه في محافظة السويس أثناء هروبه تهمة قتل زوجته المذيعة شيماء جمال مع سبق الإصرار والترصد.

 

كون المتهم ينتمي للسلطة القضائية فهذا تدبير إضافي يعجل من البت في القضية

اعتبرت المحامية بالنقض ورئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة هبة عادل، أن قضية قتل المذيعة شيماء جمال شائكة وبها خصوصية لعدد من الأسباب منها أن أحد المدانين فيها يمتهن القضاء، وتزامن العثور على الجثة مع قضية قتل الطالبة نيرة أشرف وحجم البشاعة في العنف الممارس على كلتاهما.

وأوضحت أنه كون المتهم في تلك القضية ينتمي إلى السلطة القضائية هو أمر يجعل الإنجاز بها ضرورة، بل وعلى عكس المشاع سيتم التعجل في إنهائها لأن استطالة الأمد بها قد ينال من هيبة ومكانة السلطة القضائية ذاتها.

ولفتت إلى أن الضرورة باتت تقتضي إغلاق هذا الملف وعدم تركه للتداول على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والمنصات لتصبح تلك الدعوى سرية باستثناء مطالعات المحكمة لأنها يجب أن تكون علنية حتى صدور الحكم النهائي بها لأن ما يتم تناوله لا يساهم في تحقيق العدالة ولا يضيف لها بقدر إحداثه للبلبلة والتشكيك في السلطة القضائية ومجريات التحقيق بل والوقائع ذاتها.

 

الجرائم الحالية هي الأعنف في تاريخ البشرية

ترى هبة عادل أن ما يشهده المجتمع المصري في الفترة الأخيرة من وقائع عنف هي الأبشع في تاريخ البشرية، فهناك رغبة انتقامية لمن يقوم به وتجرد من الإنسانية واضح ومخيف، فبعضها علني كما حدث مع نيرة أشرف والآخر انتقامي وبشع كما هو الحال بالنسبة للمذيعة شيماء جمال التي تم تشويه وجهها وإخفاء جثتها وهو ظرف مشدد يؤثر قطعاً في حجم العقاب.

والوضع الحالي في تقدير المحامية هبة عادل بات يتطلب العودة مرة أخرى للحديث عن النيابات والمحاكم المتخصصة، ومفوضية التمييز الممارس على النساء، بل والقانون الموحد الخاص بمواجهة العنف الواقع على المرأة لمحاولة وضع آليات ردع قوية يمكن من خلالها تقليص حجم تلك الجرائم أو حصارها في نطاق ضيق.

واعتبرت المحامية هبة عادل أن التمسك بوضع الأدوات القانونية الممكنة يخلق معالجة للقضايا تساهم في تحقيق العدالة في هذا الظرف الذي أصبح قاسياً على مسامع المواطنين رجالاً كانوا أو نساءً، فكما هو واضح قضية شيماء جمال قد مر عليها شهرين كاملين لحين الكشف عن الجثة وكان للنيابة دور في تسريع التحقيقات وكذلك الإجراءات هو الأمر الذي يحظى باهتمام الرأي العام ومتابعته.

 

التشكيك في القضاء مشهد تتأذى منه العدالة

التشكيك والترويج للانتقاص من القضاة وما يثار حول قضية شيماء جمال عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة مشهد تتأذى منه العدالة، كما أوضحت هبة عادل، مشيرةً إلى أن الطعن في الجهة التي تباشر التحقيق لن يقيم العدالة بل لا يؤدي إليها حتماً وقد يهتز عرشها بسبب ما يثار حولها من أقاويل قد لا تمت للواقع بصلة، مؤكدةً أن تناول الحياة الشخصية للمجني عليهم استغراق في تفاصيل ليست محل نقاش في الدعوى ولا تفيد في سير القضية.

وأكدت على أن العدالة تقتضي عدم الخوض في تفاصيل المجني عليهم أو الجناة فالعدالة تقتضي ألا يتم تداول تفاصيل غير مفيدة خاصة أن أطراف القضايا من جناة وضحايا لهم أهل وأطفال يتأذون بما يحدث، ولهم كامل الحق في الافصاح أو الرفض عن حياتهم الخاصة إذا كان الهدف هو تحقيق العدالة الحقيقية وهذا لا يعني دعم أو تبرير الجرائم أو حتى مجرد التعاطف في تلك القضايا.

 

آليات وأدوات يمكنها استيعاب الغضب والعنف ضد النساء

وأوضحت أن حالة العنف التي بات يصاحبها تفاخر من الجناة بممارسته فاقدين للإنسانية تماماً بتعمد مواصلته بعد ازهاق روح الضحية بتشويهها أو ذبحها، تستدعي وجود بحوث وأرقام واضحة حول أسباب تلك الظاهرة والإجراءات التي يتطلبها هذا المشهد.

ولفتت إلى أن هناك دور على الجهات البحثية الرسمية لأن الشارع ليس أمام جرائم فردية فتتابعها مع حدة ممارستها يعبر عن زياد معدل العنف المصحوب بالتفاخر والمجاهرة، فحالة المجرمين تستدعي البحث الدؤوب من جميع الجهات واتاحة التصاريح من أجل ذلك، لأنهم باتوا يتعاملون وكأن شيء لم يحدث باعتبار أنه أمر طبيعي ومعتاد دون إدراك لوجود أي شذوذ لممارسته عن القاعدة العامة.

وشددت على ضرورة عمل المجتمع المدني على تنمية الوعي المجتمعي والعمل على إعادة الروح الداعمة للضحايا مرة أخرى، لافتةً إلى أن ما يحدث في الطرقات والشوارع من عدم اهتمام المواطنين بالدفاع عن المجني عليها أو العمل على منع وقوع الجريمة بات مخيف، فالواقع أصبح يفرض على جميع الجهات المهتمة بهذا الملف والمعنية به التكاتف من أجل إعادة تقويم الوعي الجمعي وتعريفه بخطورة ما يحدث واشراكه في التصدي له.

وترى هبة عادل أن الواقع الحالي المؤلم بات يتطلب أيضاً عودة عمل المحليات وتواصلهم مع الفئات المستهدفة لتوجيه حالة الغضب والعنف نحو منافذ أخرى غير النساء، وذلك من خلال عودة بيوت الثقافة والتركيز على الفن كمعالجة من شأنها أن تصبح متنفس لهذا الشعب، فضلاً عن إتاحة رسائل توعية مفتوحة تلح لجميع الأوقات، وعودة مفهوم الانتماء من خلال تبنى المشروعات القومية، وكذلك الاهتمام بما يتم غرسه وترسيخه من مفاهيم في المراحل الأولى من التعليم للجيل القادم.